| متابعة
أوضح الدكتو حسين عبدالرزاق الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالشرق الأوسط أن مسألة توافر فكرة عامة عن أضرار التدخين بالصحة شيء، ومعرفة حجم هذا الضرر والمشكلات الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تترتب على التدخين شيء آخر, وأضاف أنه فمن ذا الذي يتصور، من بين جماهير الناس، أنه في الدقائق القليلة التي يستغرقها إلقاء هذه الكلمة إليكم يكون التدخين قد قتل فعلاً ستين ضحية جديدة؟ ومن ذا الذي يدرك أن التدخين يقتل أكثر من عشرة آلاف شخص يومياً؟ اما ما يسببه التدخين من أمراض فلا يكاد يدخل تحت حصر, ويكفي أن نقول إنه لو امتنع الناس نهائياً عن التدخين، ولم يعد أحد يشعل سيجارة أو ينفث دخاناً لوفر العالم على نفسه ثلث حالات السرطان بكل أنواعه، ولتحققت الوقاية من نسبة كبيرة من أمراض القلب والأوعية الدموية، ولانخفضت الإصابات بأنواع كثيرة من الأمراض الشديدة والقاتلة, وهذا كله يجعل التدخين اشد فتكاً ببني الإنسان من الحروب والكوارث والأوبئة.
ومع ذلك يظل التدخين عادة مقبولة في معظم الأوساط الاجتماعية، ويظل المدخن ينفث دخان سجائره في المنزل والمكتب غير مكترث بما يتعرض له أولاده وأهله وزملاؤه من أضرار وويلات خطيرة, بل ان الواقع المأساوي هو أن التدخين في ازدياد، والكوارث التي يسببها تسير في تفاقم سريع, إذ يزيد عدد المدخنين اليوم في تقدير منظمة الصحة العالمية على مليار وربع مليار من أبناء البشرية أي أكثر من ثلث الذين تجاوزوا سن الخامسة عشرة, وإذا ظلت الاتجاهات الراهنة على حالها، فسيزيد هذا العدد كثيراً، وسيرتفع عدد الذين يقتلهم التدخين في العالم إلى عشرة ملايين شخص سنوياً, أي أكثر من ألف شخص في الساعة الواحدة.
وأضاف الجزائري أنه بالرغم من كل الويلات التي يسببها التدخين تظل هناك مصالح ضخمة من شركات أجنبية متعددة الجنسيات، وصناعات محلية واسعة الانتشار، تعمل على ترويجه ونشره، ولا سيما بين المراهقين والنساء ذلك لان صناعة التبغ تعمل على تعويض زبائنها الذين تقتلهم سلعتها الخبيثة, وترسم للتدخين صورة من المتعة والإثارة تغري بها الشباب الصغار قبل أن تتكون لديهم فكرة صحية كاملة عن ضرر التدخين وما يسببه من إدمان صعب خبيث.
ومن جهة أخرى يتصور المسؤولون في بعض قطاعات المجتمع، كالزراعة والصناعة والقطاع الضريبي، أنها تجني من التبغ وزراعته وبيعه واستهلاكه فوائد مالية واقتصادية كبيرة, لكن موازنة الأرباح والخسائر في التدخين تكشف أن ما تخسره كل دولة في العالم من التدخين يزيد أضعافاً كثيرة على ما تجنيه منه وهذا إذا اقتصرت الموازنة على حسابات الأرقام المادية البحته, أما ما تخسره الإنسانية من التدخين في صحة أبنائها وحياتهم، فأمر أكبر كثيراً من أن يقارن بدخل ضريبي أو فوائد مالية تظل جميعها زهيدة مهما ارتفعت أرقامها.
هذه المأساة التي يشكلها التدخين لا يمكن التغلب عليها إلا بمجهود مشترك، تتعاون فيه كل الأطراف والجهات المعنية، وتتكاتف فيه جهود كل القطاعات ابتداءً من التربية والتعليم والصحة والإعلام والدين والأخلاق إلى الزراعة والصناعة والاقتصاد وتترافد فيه أعمال الحكومات مع العمل التطوعي الذي يقوم به الأفراد والمنظمات الاهلية في عمل متكامل يهدف أولاً إلى حماية أبنائها وبناتها من الشروع في التدخين وإلى مساعدة المدخنين في الإقلاع عن التدخين والتوبة منه, ويهدف أخيراً إلى تحرير العالم كله من إسار التدخين والوصول بإذن الله إلى عالم لا يكون فيه مكان للتبغ واستخدامه وأضراره.
|
|
|
|
|