| الثقافية
* عن الكاتب: آرثر موريسون:
يعد موريسون احد القلة من كتاب جيله المنتمين الى مدرسة التسعينات ممن تلاقي اعمالهم رواجا حتى يومنا هذا وقد اشتهر (موريسون) بمجموعته القصصية القصيرة (حكايات الدروس الحقيرة) والتي اخترنا منها قصتنا هذه فيما تعكس المجموعة برمتها نمطية تلك الحياة الوضيعة في منطقة ال(وست اند) بلندن.
* القصة:
كان ما قام به (سيمونز) من تصرف ازاء زوجته ولايزال مثار حيرة واندهاش الحي بكامله اذ كانت الجارات طرا يرين فيه مثال الزوج الحلم لزوجة واعية مقدرة وهي لم تكن لتتوانى عن خدمته والسهر على راحته ورعاية كافة اموره حدا تجاوز ما كان ينتظر منها ويتوقع فما زاد على ان كافأها على كل ذلك بذاك التصرف الموغل في الغرابة والادهاش لا ريب وانه فقد صوابه!!
قبل ان تقترن بسيمونز كانت زوجة للسيد فورد الذي قضى نحبه برأس البحر مع من كانوا معه على متن العبارة ولم يعثر لهم على اثر ومضى مخلفا اياها دون ابناء تماما كما كانت حالها,, مع (سيمون) فأما الاخير فقد كان من حسن طالعه ان قيض الله له زوجة مخلصة تقوم على كل شؤونه وهو النجار المتواضع في كل شيء في طموحاته ونظرته للحياة في آماله وتطلعاته ومعيشته التي لا يعلم غير الله ما كانت ستؤول اليه لو لم يقيض الله له زوجة مثلها,, والسيد سيمونز كان رجلا هادئا مسالما بوجه طفولي وعوارض شحيحة متدلية ولم تكن له مساويء,, حتى انه قد هجر غليونه بعيد زواجه بعد ان طعمت حياته بالعديد من الفضائل وظل يحافظ على طقوس العبادة ثم يعود الى بيته فينهمك في مساعدة زوجته في شؤون المنزل ويرافقها ايام السبت,, حمل أكياس التسوق,, ولو عرجنا على السيدة (سيمونز) لرأينا تحليها بخصال لا تعد او تحسد ,, كانت مدبرة منزل رائعة,, تقسم مرتب زوجها المتفاوت بين ستة وثلاثين وثمانية وثلاثين شلنا على متطلبات المنزل بدقة وحكمة ولم يكن ليحذر ابدا ما كانت تفعله بالفائض من ذلك ومقدار ما ادخرته اما حبها للنظافة ففاق التصور وكانت تقابل سيمونز لدى الباب بعد عودته من عمله كل يوم فتناوله خف المنزل ويظل المسكين يتأرجح يمنه ويسره في خضم استبدال الحذاء على الارض الباردة وهي باردة لان زوجته تكون قد فرغت للتو وجارتها من شطف الممرات ,, وقد اعتادت على تذكير زوجها (بتنظيف نفسه) بعد انتهاء عمله كل يوم حتى اذا ما ضمته جنبات منزلهما اللامع ما بدر منه ما يشوه تلك النظافة الجمة اما لو أحدث بقعة دون قصد هنا أو هناك فإن حرمه المصون تظل تكرر على مسامعه تلك الذكرى الاليمة! كم أنت مهمل,, ألا تراعي شعوري؟ ما تفتأ بعيد ذلك تردد وكانت تصحبه بداية عند شراء ملابسه: انتم حمقى معشر الرجال ومن السهل على اصحاب المتاجر خداعكم ، وعثرت بعد ذلك مصادفة على متجر صغير لبيع المستعمل فدأبت على شراء ملابسه منه ثم عدلت عن ذلك حين قررت صنع ثيابه بنفسها فهي تعمد الى بدلته القديمة فتقصها جاعلة منها,, بزة اخرى ذات طراز حديث وكانت اول بدلة من هذا النوع قد أنجزت يوم الاثنين وقبل ان يلتقط انفاس الدهشة كان قد ألبس إياها فغادر بيته مأخوذا وسار وهو في أغلال الانبهار لما يزل ولم تكن كما توقع,, ما وجد راحة فيها,, بنطال ضيق عند المقدمة وساق مسترسل عند الكعبين وغابة من الكسرات وجد نفسه غارقا فيها اما القميص فلم يكن بأحسن حالا,, باقة خانقة وأكناف معطف تتماوج حول الكتفين كخضم مضطرب,, واستثار ذلك دعابة رفاقه بعد اذ وجدوا فيه مادة للضحك زاد فيها اصرار زوجته على التوغل في عالم الابتكار الحداثي في عالم التفصيل!!
وباءت محاولات (سيمونز) لاقناعها بالتوقف عن خياطة ملابسه بالفشل حاول ان يجعلها تدرك ان ما تخيطه لا يسر العين اوالخاطر,, ان ذلك يستنزف الكثير من جهدها ووقتها دون طائل,, ان هناك خياطا رائعا في الجوار وبامكانهما ,,, على انها قاطعته:
كم انت للود حافظ,,! تمارس الكذب نهارا جهارا دون ان تأبه بعواطفي,, استطيع ان اقرأك ككتاب مفتوح (سيمونز) أفني ايام عمري في عمل مضى بغية توفير شيء من المال وهذا ما اجده مقابل ذلك! تعلم جيدا انه باستطاعاتي الاسترخاء على سريري طوال اليوم كما تفعل الكثيرات ,, ذاك ما قد افعل!!
واغلق (سيمونز) باب النقاش في هذا الامر برمته فلم يعد يتطرق البته اليه,, حتى,, حين تقرر جز شعره اما طال!!
ودام على حاله تلك اعواما عديدة حتى اطلت أمسية صيف سعيدة ذات مرة حين حملت السيدة سيمونز سلة التسوق وغادرت البيت وعمد الى عدة الشاي فمسحها واعادها الى مكانها ثم طفق ينظر إلى بنطال جديد كانت قد أنهت خياطته للتو وعلقته المشجب ,, تأمله فإذا هو قصير الساقين واسع الخصر غاية في الحداثة الباعثة على السخرية,, كان أسوأ مما سبق له ارتداؤه واستيقظ في داخله صوت ثائر احتج على ذلك كله,, على انه تجاهله بعد ان احسن بما لزوجته من فضائل ليس أقلها محاولة تكوين اكتفاء ذاتي فيما يختص بصنع ملابسه,, على ان ذاك الصوت الداخلي لم يلبث ان علا مذكرا إياه بما ستؤول الحال اليه حين يراه صحبه مرتديا ذاك البنطال العجيب.
ألقى به في سلة القمامة هتف الصوت به فذاك هو مكانه! على ان موجة خجل داهمته خانية ممزوجة بشيء من تأنيب الضمير فعمد الى نفسه يؤدبها باعادة تنظيف اواني الشاي تارة اخرى! واتجه الى الغرفة الخلفية محاولا ان يسري عن نفسه بالنظر الى الشارع فهاله ان رأى باب السور مفتوحا! لابد وان طفل الجيران قد تركه ناسياً ، قال لنفسه لن تسمح زوجتي بتركه مفتوحا ابدا! زلة لا تغتفر وهبط الدرج كيما يغلقه قبل عودة زوجته فلاحت منه ابان ذلك نظرة الى الشارع ثمة رجل كان يتسكع على الرصيف محدقا في بابهم بفضول عجيب بوجه لوحته الشمس ويدين مغمدتين في جيبي بنطال ازرق وقد اعتمر قبعة بحارة مكللة بالصوف ولما رأى السيد (سيمونز) خطا نحوه ثم سأله:
السيدة (فورد) خارج البيت اذا,, أليس كذلك ثم تابع:
السيدة (فورد) سالفا أما الان فهي السيدة (سيمونز) أليس كذلك؟ ماذا؟ قال (سيمونز) بعد أن تأمل الوافد الغريب قرابة ثوان خمس!!
كان الغريب قد طرح سؤاله مصحوبا بنظرة ازدراء ما فهمها (سيمونز) ولا هي راقت له.
كلا رد سيمونز هي غير موجودة راهنا!
لست زوجها اذاً أم اني مخطىء.
بلى انا هو.
وأخرج الغريب غليونه من فمه ثم رسم على شفتيه ابتسامة هادئة طويلة:
سبحان الله,, انك من الصنف الذي يروق لها.
قال ذلك ثم ابتسم مجددا على انه سارع بوضع قدمه بين درفتي الباب الذي رأى ان (سيمونز) كان على وشك اغلاقه موكلا الى يده مهمة دعم قدمه حين اسندها الى زجاج البوابة!
لم العجلة يا صديقي قال جئت لاتحدث معك قليلا حديث رجل لرجل وقطب فجأة جبينه بشدة!
وزايل (تومي سيمونز) كل شعور بالراحة على انه لم يستطع اغلاق الباب فصاح بالطارىء:
ماذا نريد؟ انا لا اعرفك فاسمح لي اذاً بالحديث كيما اعرفك بنفسي.
ومس قبعته بأطراف اصابعه عربون تواضع وحسن نية .
انا (بوب فورد) ولقد كتبت لي النجاة من غرق عبارة منذ خمس سنوات وقد أتيت لارى زوجتي!
إبان حديث الغريب كان فك (سيمونز) السفلي يمارس عملية تهدل مستمر وما ان انتهى الرجل من حديثه حتى خلل بيديه شعر رأسه ثم اجال بصره بين عمود الانارة وارضية الشارع ودعا ليحدق في الغريب,, ما اسعفته الكلمات فمارس خرسا مؤقتا.
جئت لارى زوجتي علينا ان نسوي الامر بيننا رجل لرجل!
وأغلق (سيمونز) ببطء فاه ثم قاد الرجل الى منزله في الطابق العلوي برتابة آلية واصابعه بين طيات شعره لما تزل, وجالت بخاطره مجريات الامور تباعا ثم,, فاجأه ذاك الصوت الكامن,, الصادر من اعماقه,, فلنفترض ان هذا الرجل كان زوجها السابق,, فهل ستكون تلك قاصمة الظهر بالنسبة لك,, وفكر في بنطاله ,, في عدة الشاي في النوافذ التي طالما كلف بتنظيفها بالملاعق والسكاكين,, فكر في ذلك كله تفكير مرتد ترك طريقته وعلى عتبة الباب جذب (فورد) ذراعه ثم سأله كم من الزمن تبقى على عودتها؟
ساعة تقريبا رد سيمونز معيدا في خاطرة السؤال ذاته قبل ان يفتح له الباب.
آه قال فورد انت غارق في النعيم ذاك الاثاث كان لكلينا اصارحك في حديث رجل لرجل,, وجلس نافخا دخان غليونه على احدى الأرائك:
هأنذا اذاً هنا,, السيد (فورد) ذاك الذي راح ضحية غرق عبارة مؤلم,, غير اني لا أزال حيا أزرق!
ووجه طرف غليونه الى معطف (سيمونز) ثم تابع حديثه:
لازالت بمشيئة الله حيا ارزق كيف؟ سأقول لك قيض المولى لنا سفينة المانية انتشلنا طاقمها الى بر الامان لقد سعيت في مناكبها عدة سنوات ثم عدة لارى زوجتي.
انها,, انها لا تقبل ان يدخن احد هنا قال (سيمونز) بشكل عشوائي.
انها بالتأكيد لا تقبل ذلك رد فورد مخرجا غليونه من فمه وتابع اعرف (آنر) ولكن قل لي كيف تجدها؟ أتكلفك بتنظيف النوافذ؟
حسنا رد (سيمونز) معترفا امد لها يد العون احيانا.
والسكاكين,, وعدة الشاي اعرف ولم قال الزائر الثقيل قبل ان ينهض فينحني ملقيا نظرة على رأس (سيمومز) ,, كما توقعت فهي تحلق شعرك كذلك,, وشرع بتأمل زوج زوجته وقد احمر وجهه خجلا ثم رفع احدى ساقي البنطال المعلق خلف الباب وتابع: اراهن انها من خاطه لك طريقتها المميزة ذاتها,, يا الهي انه اسوأ من هذا الذي ترتديه الان,,! وعلا بداخله مجددا ذاك الصوت الشرير:
لربما اضطر هذا الوافد الى ارتدائه لو استرد زوجته وعاد الغريب الى القاء الكلام جزافا.
انها هي, لم تتغير صوب الاحسن ابدا يالك من مسكين!
وقتها احس (سيمونز) بأنه يتدخل فيما لا يعنيه كثيراً انها كما هو واضح زوجته قبل ان يقترن هو بها ولا ريب ان جحا اولى بلحم ثوره هتف به ذاك الصوت الباطني تارة اخرى!
حسنا قال (فورد) فجأة الوقت كالسيف ,, لا اريد ان أقسو عليك يا رفيقي على انه من العدل ان ادافع عن حقوقي,, لكن,, بما انك شاب طيب تبدو ملامح الخير جلية على قسماتك ,, وبما انك تعيش حياة زوجية سعيدة لا تكدر صفوها شائبة فسوف اسوي تلك سأكون جوادا معك يا صديقي,, حسنا سأطلب مبلغا معقولا,, رجلا لرجل,, لن ارضى بأقل من خمسة جنيهات.
ولم يكن بحوزة (سيمونز) خمسة جنيهات بل انه لم يكن يملك خمسة قروش وجاهر للتو بذلك ثم زاد على ذلك بأن قال:
كما اني لا ارتضي لنفسي ان اقف بين رجل وزوجته,, لن يكون ذلك سهلا علي,, على ان من الواجب ان أحق الحق!
كلا رد (فورد) لسرعه ممسكا بذراع (سيمونز) لا تفعل ذلك سأسهل الامرعليك: قبلت بثلاثة جنيهات هيا منتهى العدل أليس كذلك سأقبل ذلك على مضض مقابل مغادرة هذا المكان الى الابد حيث تزأر العواصف في اعالي البحار ، ثلاثة فقط وسوف لن تراني بعدها,, أهناك ما هو أكثر عدلا من ذلك؟
بالطبع بل ان ذلك قد فاق العدل حدا وجاوزه الى درجة النبل على اني لن اسمح لنفسي ابدا ان أبتز رجلا طيب القلب مثلك انها زوجتك سيد (فورد) ولن افرق بينكما,, اقبل اعتذاري,, من حقك ان تستردها,, وانا من يجدر به ان يرحل قال (سيمونز) ذلك ثم خطا صوب الباب:
توقف! قال (فورد) حائلا بينه وبين الوصول الى الباب لا تكن أحمقا,, انظر الى ما ستؤول اليه حالك اما اندفعت مخلفا وراءك مسكنا طيبا وزوجة تعني بك ياللهول,, حسنا,, قبلت بجنيهين,, اجعله جنيها واحدا,, صفقة رجل لرجل,, وسأرحل.
وضج المنزل بهزيم طرق مزدوج على الباب الامامي,, ان يطرق الباب في منطقة (الوست اند) مرتين فذاك يعني ان المراد هم اصحاب الدور العلوي:
من الطارق؟ تساءل (فورد) بذعر
سأرى الباب قال (سيمونز) منطلقا لا يلوي على شيء وسمعة (فورد) يفتح الباب, اما هو فذهب يستشرف الامر عبر النافذة,, وحينما اطل بصر بقبعة سرعان ما غيبها الجدار قبل ان يطرق اسماعه صوت انثوي مألوف علا متسائلا:
حسنا اين تزمع الذهاب دون قبعة؟
(آنر) عزيزتي ثمة شخص في البيت تهمه رؤيتك جاءه رد (سيمونز) الذي ولى مسرعا حتى تلاشى طيفه بين طيات المساء.
وبقفزات ثلاث بلغ (فورد) منبسط الدرج حيث كانت زوجته تحدق كالماخوذة في مسار (سيمونز) اما هو فتوارى داخل غرفة خلفية فتح نافذة قافزا عبرها الى الفناء الخلفي وغيبته تجاويف الطريق فما بصر مخلوق به وهذا بالضبط ,, هجر (سيمونز) لزوجته نهارا جهارا دونما سبب أقصد هو مثار دهشة الحي بكامله.
|
|
|
|
|