| الثقافية
في كل مرة يمر بنا اسبوع احتفائي تذكاري، كأسبوع الشجرة او المرور أو غيرهما ونرى حجم التكريس الهائل، بغرس الاشجار أو التشديد في ضبط سلوكيات المرور ومظهرالشوارع، تنتهي المناسبة بسؤال كبير:
لماذا طوال هذا الاسبوع وحده؟ لماذا لا يكون هذا النشاط اساسا في سلوكنا على مدار العام، فاذا كنا بعد لم نصل طرف الحلم الذي يصبح فيه حرصنا على غرس شجرة في كل يوم، أوتمسكنا بتحقيق درجة جديدة من الالتزام بقوة بأخلاقيات العبور والمشاة وقيادة السيارة، فلماذا لا يكون الاسبوع الخاص مناسبة سنوية لاتخاذ اجراءات او اصدار قرارات جديدة ذات اثر دائم على مدار العام، كاشتراط غرس الاشجار للحصول على تراخيص البناء او غير ذلك؟, والفارق بين الحالين ليس في اختلاف التراكم بين معطيات اسبوع فحسب من كل عام وبين ان يكون المعطى يوميا على امتداد كل عام، وانما الفارق الاهم في ان يكون ذلك السلوك جانبا من ثقافتنا او لا يكون,,!
وعدالةً وانصافاً فان مجرد وجود شجرة واحدة في ارض رملية بلا ماء تبقى وساما وشهادة بصلابة الارادة، فما بالنا بالحدائق التي تعج بها المدن، وتجميل الشوارع الذي يتفوق على كثير من البلدان التي تملك امكانية اكبر للزراعة، ولكن لنا احلام لا تقف عند حد!
الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م، أهي مناسبة احتفائية تنقضي مع انتهاء العام، ام فرصة لاحتلال موقع ومكانة عن جدارة تفرض وجودها؟
الافتراض الأول ترجحه اشكال التعامل مع المناسبة والافتراض الثاني ترشحه مرجعية الواقع الثقافي العربي ومعطياته ومن غير مبالغات وانحيازات، فباستقراء بسيط للخدمات الثقافية المتوفرة في المملكة، ومقارنتها بغيرها من البلدان التي سبقت الى انتاج الثقافة، قد نجد ان عدد الصفحات الثقافية اليومية في صحافة المملكة تزيد كثيرا عنها في اي بلد آخر, فضلا عن الملاحق الاسبوعية والمجلات الشهرية، وان عدد الاندية الادبية وجمعيات الثقافة والفنون (فروع الجمعية في المدن المختلفة)، والمكتبات العامة، لا يقاربه مثيل في اي بلد آخر، وان الامكانية المادية على الاقل لطباعة الكتاب ونشره تفوق مثيلها، ويمتد هذا التميز ايضا الى مراعاة الحقوق الادبية للتأليف والترجمة والنشر، مثلما يمتد الى اسهاماتنا المتميزة في التعريف بمدارس النقد الحديثة، واجتهاداتنا في صياغة رؤى نقدية خصوصا، بغض النظر عما تتكىء عليه هذه الاجتهادات,,، وهذه جميعا وغيرها امكانيات قد تساعد علىاحتلال المكانة والمحافظة عليها، لولا اننا حتى الآن مكتفون بالتعامل مع المناسبة في ابعادها التذكارية والاحتفائية، فمن اصدر كتابا للمناسبة فقد ادى واجبه الثقيل ربما واستراح,,!
من الطبيعي ان احدا لا يمكن ان يفكر في انتهار الفرصة لاتخاذ قرارات دائمة المفعول على نحو ما هو مطروح بالنسبة للشجرة او المرور، فالثقافة لا تنهض الا بحريتها، لا توجهها او تسهم في صياغتها توجيهات او قرارات، مع ذلك يبقى هناك عديد من الفعاليات التي يمكن ان تحفظ لهذا العام خصوصيته المميزة قد تسهم في تحويل المناسبة الاحتفائية الى واقع دائم، وربما تخالجنا الى ذلك اقتراحات محددة، مثلا: لماذا لا تقوم كل صحفنا بتجميع ما نشره صفحاتها الثقافية على مدى خمسة اعوام أو اكثر، واصدارها في كتب مجموعات شعرية وقصصية وكتب نقدية، لتوثق لنفسها وللحياة الثقافية المعطى الثقافي لتلك الفترة على الاقل؟,, ومنها اننا قد الفنا في مثل هذا الوقت من كل عام، مع قرب انتهاء الميزانية المالية الحالية ان تشغل الادارات المالية في الوزارات والهيئات الحكومية بالبحث عن اوجه للصرف تستفيد فيه فائض الميزانية حتى لا يرد الى خزانة الدولة، وتخفض بالتالي الميزانية الجديدة فلماذا لا يوقف صرف هذه الاموال، على ان تجمع كلها في صندوق لخدمة الحركة الثقافية؟ والقضية لست تدبير الاموال طبعا، وانما غرس الحس الثقافي وتأصيل قيمته في قلب الجهاز الاداري حتى يصبح جزءا من وجدانه وسلوكه,, ومنها ما تستطيعه جامعاتنا لو تضافرت كلها مع كل الجهات المعنية بالعمل الثقافي على اقامة معرض مهيب للكتاب، يكون في مركز حرصهم ان يكون ذلك المعرض استثنائيا في كل شيء في مدته وفي رفع اي قيود على ما يعرض فيه وتقديم كافة التسهيلات للناشرين وغير ذلك، حتى وان لم يتكرر هذا المعرض بعد ذلك في اي عام,, ومنها ما تستطيعه الاندية الادبية، او غيرها من الجهات الثقافية، من الاسهام في انشاء صندوق للادباء الذين تقدم بهم العمر، ليس من اجل تقديم الاعانة المادية ان اعوزتهم ظروف وانما من قبيل التكريم والعرفان، لنشر اعمالهم التي لم يستطيعوا نشرها، او اصدار الدراسات الخاصة عنهم,,، ومنها الف اقتراح، كلها قابلة للتنفيذ اذا ما اخلصنا في الاجابة على التساؤل البسيط: هل نحن نتعامل مع مناسبة احتفائية ام مع واقع طموح، تلك الاجابة التي قد تحيل الفرصة الى اسبوع للشجرة لكنه لا يتكرر، او الى شمس دائمة تسطع بابهار الحقيقة.
|
|
|
|
|