| مقـالات
مما لاشك فيه أن القانون هو الوسيلة الفعالة التي تقف في وجه الجريمة وتحد من تفشيها بين أفراد المجتمع، والحكومة هي الجهاز المعني بتطبيق القانون والسلطة.
وقد أصبح من مهامها التدخل في شؤون الأفراد وتنظيم حياتهم المعاشية وتنظيم الاسرة وتنشئة الأطفال وتعليمهم ورعايتهم صحياً وحمايتهم وحماية ما يملكون,, فهي تختص بكل ما يتعلق بحياة الفرد,, إذ تضع حقوقه وواجباته,, فهي الوصي العام على النظام الاجتماعي برمته, بعد ان كانت الأسرة التقليدية تتولى عملية الاشراف وتطبيق العرف والتقاليد والقيم الاخلاقية,, وتتم تسوية النزاع بأعراف المجتمع ورأي ذوي الخبرة فرأيهم قاطع,, إلا انه مع تضاعف عدد افراد تلك المجتمعات ومن ثم تباين احتياجاتهم صار من العسير حل مشكلاتهم بوسائل تحكيمية تقليدية.
لذا فهم بحاجة لمن يقودهم ويوجههم ويعيّن لهم حقوقهم وواجباتهم وإلا عمّت الفوضى وحل الاضطراب وانعدم الامن ومن هنا تأتي أهمية السلطة.
إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وبالرغم من اهمية العامل الديني وكونه عاملاً رئيسياً في استتباب الأمن إلا ان هناك فئة من الناس لا يصلحها ويحفظ حقوق الآخرين إلا وجود نظام عقابي صارم ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تنظيم حكومي,ومن هنا تأتي أهمية القانون في مقاومة الجريمة إذ ان الجريمة ما هي الا مخالفة القوانين التي تضعها الدولة ولكن لو طرحنا سؤالاً عن سبب خروج الافراد على القانون وعدم احترام بعض الناس القوانين التي تضعها الدولة لحمايتهم؟
وللجواب على ذلك نقول: إن ظاهرة الخروج على القانون متوقعة وبل ويمكن ان نقول إنها طبيعية إذ لو كان الناس جميعاً أخيارا أو ملائكة إن صح التعبير فلا حاجة بنا الى حكومة ولكن طبيعة البشر المنافسة فيما بينهم وانحراف بعضهم عن المعايير السائدة في المجتمع وقد حدث هذا في افضل العصور أي مخالفة قانون المجتمع واعرافه مهما بلغ المجتمع من تقدم حتى ولو كان مجتمعاً فاضلاً أو المدينة الفاضلة التي نادى بها الفلاسفة, إلا أن ماهية الخروج على القانون من حيث الكم والنوع تختلف من مجتمع لآخر حسب فلسفة المجتمع وطبيعة العلاقة التي تربط الافراد بالدولة أو السلطة فإذا انهارت لسبب أو لآخر عمد الافراد الى التماس سُبل لخرق القانون فهذا المجتمع الامريكي الذي استطاع ان يغزو العالم بأسره في شتى المجالات ويملك من الامكانات المادية ما لا يملكه غيره من المجتمعات يعاني من تزايد معدلات الجريمة بشكل مخيف حتى اكتظت السجون بنزلائها فاضطر المسؤولون هناك الى التسامح مع الكثير منهم وإطلاق سراحهم لعدم وجود اماكن لاستيعابهم أو لأن ذلك يكلف الدولة الكثير وحسب ما نشرته احدى الصحف ان السجين الواحد في المجتمع الامريكي يكلف دولته سنوياً قرابة ثلاثين الف دولار أمريكي, وفي دراسة اجريت وبينت انه في كل مائة الف نسمة من السكان في كل من المجتمع الامريكي والمجتمع السعودي ان هناك (5195) حالة جريمة في المجتمع الامريكي بينما كانت في المجتمع السعودي حوالي (204) حالة, ومما سبق يتبين ان المجتمع الامريكي يصنف ضمن الدول التي تعتبر من اعلى معدلات الجريمة في العالم بينما نجد السعودية على الطرف الآخر تصنف من الدول ذات المعدلات المتدنية في الجريمة اذ لاشك ان للوازع الديني وتطبيق الحدود الشرعية كبير الأثر في استقرار المجتمع السعودي واعتباره نموذجاً لبقية المجتمعات ومن هنا نستطيع ان نؤكد ان للعقيدة والمبادىء التي تسير عليها الدولة دوراً في ارتفاع أو انخفاض الجريمة وعلاجها.
وأما عن اسباب عدم احترام الافراد للقانون وفقدان ثقة الفرد به فهي كثيرة ومتعددة، منها ما يتصل بالقانون ذاته وبعضها بالقائمين على تنفيذه فإذا كانت القوانين نفسها بعيدة عن مصالح الافراد الحقيقية أو أن القائمين عليها غير أكفاء أو لعدم نزاهتهم وفساد ضمائرهم او قسوتهم في التنفيذ فهم يشعرون بعدم عدالة هذه القوانين وإذا كان الشعور جماعياً فالنهاية ستكون انعدام الثقة وعدم احترام القانون وبالتالي محاولة خرقه والخروج عليه وقضية انحراف السود في المجتمع الامريكي وخروجهم على القانون لم تأت من فراغ ولكن بسبب العنصرية وعدم العدل والمساواة وشعورهم بالحرمان من حقوقهم الخاصة فضلاً عن العامة في مقابل تمتع الابيض بكل المزايا والحقوق مما ولد لديهم كره القانون والقائمين عليه ومن ثم الخروج عليه فمن هنا يكون للتمييز العنصري دور في تكوين السلوك الاجرامي أو في زيادة معدلات الجنوح والجريمة.
ومع ذلك فالمجتمعات البشرية بحاجة الى وجود قانون يضمن حقوقهم ويحفظ ممتلكاتهم وأرواحهم ويحقق العدل والمساواة بين افرادهم,.
ولا اعتقد ان هناك افضل واكثر مرونة من تطبيق الشريعة الاسلامية التي تمتاز عن غيرها بشموليتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان,.
وليس ادل على ذلك من تمتع الفرد في المجتمع السعودي بكامل حقوقه وحريته وامتياز افراده بعدم الخروج على القانون واحترام سلطته وتقبل انظمته طالما انه يصب في مصلحة الجميع.
* الرياض جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية .
|
|
|
|
|