| مقـالات
** من الامور التي ندمت عليها كثيراً تأخري في قراءة هذا الكتاب النفيس رفع الحرج في الشريعة الإسلامية للشيخ الجليل والامام الزاهد: صالح بن حميد.
لقد ظل هذا الكتاب عدة سنوات في مكتبتي ينتظر القراءة,, ولكن لو كنت اعلم بقيمته العلمية والحياتية في اغلى ما لدي الا وهو ديني لما أجلت قراءته طوال هذه السنوات.
انه كتاب لا يستغني عنه أي مسلم.
فهو يجسد لك الاسلام كما جاء صالحا لكل زمان ومكان، وكما شرحت وأوضحت في الحلقات الثلاث السابقة من خلال دراسة سريعة لهذا الكتاب القيم الذي كشف فيه المؤلف وبلور فيه الاسلام ديناً أراد الله به اليسر ولم يرد به العسر,, ديناً ما جعل الله فيه من حرج,, ديناً نهى عن الغلو وأمر بالتيسير.
وهذا الكتاب بقدر فائدته الجليلة لكل مسلم فإنني اتمنى لو تم ترجمته الى اللغات الحية.
إنني احسب ان كثيراً ممن سوف يقرؤه سوف يحفزه الى دخول الاسلام.
كما انه سوف يكشف للقارىء ظلم اولئك الذين اتهموا الاسلام بالتشدد والانغلاق والارهاب.
إنه سوف يكشف الاسلام الجميل كالمحجة البيضاء.
وما احوجنا في هذا العصر الذي غلا فيه من غلا وابتعد من ابتعد الى مثل هذا السفر الجليل.
* * *
** إنني هنا اتوقف عند الباب الرابع والاخير في هذا الكتاب القيّم: رفع الحرج والادلة الشرعية ، وفي ستة فصول وهي : ص 277:
الفصل الاول: رفع الحرج والنص
الفصل الثاني: رفع الحرج والقياس
الفصل الثالث: رفع الحرج والاستحسان
الفصل الرابع: رفع الحرج والمصلحة
الفصل الخامس: رفع الحرج والعرف
الفصل السادس: رفع الحرج والاحتياط
وقد أورد في فصل رفع الحرج والقياس مقولة جليلة للإمام الجليل ابن القيم في أعلام الموقعين وهي:كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الاحكام على بعض، ويعتبرون النظير على نظيره .
وقد علق المؤلف الكريم على مسألة القياس بعد ان أورد قول ابن القيم قائلا:
والقياس مظهر من مظاهر الشمول كذلك لانه كلما تحققت العلة في الواقعة فانها تلحق بنظيرتها المنصوص عليها والمشتركة معها في العلة فتأخذ القضايا المستجدة حكم المنصوص عليه.
وهو مظهر من مظاهر التيسير على المكلفين لانه لو لم يؤخذ به طريقاً من طرق الاستدلال وكشف الحكم الشرعي فيما يجري فيه القياس على الرغم مما أقيم له من ادلة لَلَحِق الناس عسر وضيق نتيجة البعد عن أحكام الله، والمجتهد لا يمكن ان يجد لكل حادثة نصاً شرعياً ينص عليها بخصوصها وما دام الامر كذلك، ثم لم يكن طريق غير ذلك فتنسد طرق الاستدلال وتغلق أبوابه وتخلو بعض الوقائع عن حكم الله فيحصل الضيق والبعد عن الشرع واحكامه، وهو الذي جاء لسعادة البشر والتيسير عليهم في الدنيا والآخرة، والحرج ليس من شريعة الله في شيء، ولكن الحق الذي لا مرية فيه ان المجتهد اذا تبينت له العلة في النص الشرعي ثم تحققت في الواقعة الجديدة فإنه يلحق النظير بالنظير والشبيه بالشبيه.
ومن هنا قال الامام أحمد رحمه الله وهو ممن يؤثر عنه التشدد في الأخذ بالقياس :
لا يستغني احد عن القياس , ص 299.
** وما أحوجنا في عصرنا هذا الى تطبيق هذه القاعدة الشرعية في القياس التي ذكرها الامام ابن القيم وعلق عليها المؤلف في عصر كثرت فيها المستجدات والمخترعات والمتغيرات.
ثم عقد المؤلف فصلا عن رفع الحرج والعُرف ، وبين المراد بالعرف المعتبر، واشار الى أن الشيخ أحمد ابو سنه رأى ان الفقهاء على اختلاف مذاهبهم قد اعتبروا العرف وجعلوه أصلا يبنى عليه شطر عظيم من أحكام الفقه ص 322.
بل إن الامام ابن القيم رحمه الله قرر ان:من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم واحوالهم وقرائن احوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين اعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على ابدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل اضر ما يكونان على اديان الناس وأبدانهم والله المستعان , ص 323
وبين المؤلف المقصود بمراعاة العرف وإقرار الشريعة له قائلا:
ما تقدم من اقرار الشريعة للعرف ومراعاة عوائد الناس لا ينبغي ان يفهم منه ان هذه الاعراف والعوائد تتحكم في النصوص الصريحة فتحمل المجتهدين على القول بحكم غير الذي تدل عليه، بل معناه ان من النصوص ما هو قواعد عامة يمكن تطبيقها حسب ظروف الناس واحوالهم، ومنها ماهو معلل بمصالح خاصة يمكن ان تدور الاحكام التي تشتمل عليها مع هذه المصالح , ص 324.
ثم فصل في هذا الموضوع، وان العرف له ثلاث حالات ثم تحدث عن مسألة تتعلق بتغير الحكم بتغير العادة وضابط ذلك, ص 326.
وفي الفصل السادس تحدث عن موضوع رفع الحرج والاحتياط، مشيراً الى ان رفع الحرج في الشريعة لا يتعارض مع الاحتياط والورع في الدين والبعد عن الشبهات في مسائل الحلال والحرام.
* * *
** أما خاتمة الكتاب فتتعلق بموضوع العلاقة بين الأجر والمشقة ، وقد بين ان المرء اذا قصد المشقة في المكلف به فإنه يخالف قصد الشريعة لان قصد المشقة باطل, ص 351.
وقد اورد نصوصاً ومسائل عدة في هذا الباب مشيراً الى ان الاجر ليس على قدر المشقة بإطلاق ، والا لكانت النوافل افضل من الفرائض واعظم اجرا، وقد اورد الحديث القدسي:وما تقرب الي عبدي بشيء احب اليّ مما افترضته عليه ص 353.
* * *
* مسك الختام عن هذا الكتاب:
وبعد,!
لقد سعدت كثيراً بتلك الأصداء الكثيرة التي تلقيتها على الثلاث حلقات التي نشرتها عن هذا الكتاب.
ولم تكن سعادتي علم الله لسبب شخصي ولكن سعادتي لاني لمست حرص الناس على دينهم، وعلى كل ما يبين سماحة الاسلام ويسره، وتقديرهم لكل عالم ومجتهد يدلي بدلوه في هذا الميدان، وفي مقدمتهم الشيخ الفاضل: صالح بن حميد.
وقد وصلتني اقتراحات كثيرة سردتها وبشكل مختصر في هذه الفقرات ، وكلها تتعلق بهذا الكتاب ومؤلفه الكريم:
1 ترجمة هذا الكتاب:
اكثر من رسالة واتصال اتفقت معي فيما دعوت اليه في الحلقة الاولى لترجمة هذا الكتاب الذي يبين سماحة الاسلام الى اللغات الحية، وقد أكدت هذه الدعوة في هذه الحلقة الاخيرة المنشورة هذا اليوم، وانني اتفق مع الداعين الى ترجمته فهو حقاً يستحق ذلك ليجسد عبر الدليل والمنطق سماحة الاسلام ويسره.
2 المطالبة بمشاركة المؤلف الكريم في وسائل الإعلام:
إنني اتفق مع دعوة اكثر من قارىء ليظهر الشيخ الكريم في برامج التلفزيون، وعلى صفحات الصحف مفتيا ومتحدثا، وهو الذي يحمل بحمد الله العلم الغزير والورع المعروف.
ومع ذلك يحمل بين اضلاعه رؤية جميلة وعلمية لسماحة الاسلام ويسره.
3 تدريس هذا الكتاب:
تقرير هذا الكتاب في كليات الشريعة والدراسات الاسلامية للطلاب والطالبات ليدركون كثيراً من جوانب سماحة الاسلام، ورفع حرجه، وهم الذين سوف يكونون معلمين ودعاة عند تخرجهم,, وانني اتفق مع الاخ الكريم محمد العقيل في هذا المقترح.
4 نشر وطباعة الكتاب:
اقتراح أن يتبنى احد من اهل الخير من الموسرين طباعة هذا الكتاب ونشره، ووجوده في المكتبات داخل المملكة وخارجها وبيعه بسعر منخفض لسهولة الحصول عليه واقتنائه.
وهو اقتراح وجيه فالكتاب فعلا ليس موجودا الا بشكل نادر في المكتبات، وقد بحثت عن نسخ منه لاهديها لبعض من طلبه مني بعد اطلاعه على ما كتبت عن الكتاب.
وقد تعبت فعلا في البحث عنه بين الرياض ومكة المكرمة وجدة، ولم أحصل الا على نسخ محدودة منه.
وكم في نشر هذا الكتاب وطبعه من اجر لمن يوفقه الله الى مثل هذا العمل المبارك.
ختاماً:
جعل الله هذا الكتاب في موازين حسنات المؤلف وحسنات والده الجليل العلامة الشيخ:
عبدالله بن حميد رحمه الله ولا غرو فهذا الغصن من تلك الشجرة العلمية الباسقة.
**صحراؤنا والطرق,.
* * عندما تسير بين مدن المملكة المترامية الاطراف، لا تكتشف امتدادها العمراني والزراعي فقط، ولكن تكتشف ايضاً تلك الشرايين السوداء الجميلة والواسعة من الطرق التي تمدها بدم النشاط، وحيوية العطاء، وتيسير السفر، وانسيابية نقل معطيات التنمية من صناعية وزراعية.
وقبل فترة جمعنا لقاء مع الرجل الذي يستحق فعلاً ان يسمى عاشق الطريق السعودي موظفا ومهندسا ومديرا ووكيلا وأخيرا وزيرا انه معالي الدكتور ناصر السلوم الذي استمد من بساطة الصحراء التي تعامل مع طرقها بساطته في الحياة، وأخذ من جبال هذه الصحراء عزيمة الرجال,, حيث إن وزارة المواصلات بدعم الدولة وتوجيه مسؤوليها شقت الجبال الراسيات وحفرت الأنفاق العسرات في وهاد هذه الصحراء وبين جبالها.
إن د, ناصر السلوم عندما يتحدث عن الطرق لا يتحدث كموظف او مسؤول او وزير، ولكن كعاشق فعلا، وان لديه الكثير من رحابة الصدر التي لا تضاهيها الا رحابة الصحراء في تقبل النقد والنقاش بشكل رائع وحضاري.
لقد تحدثنا معه في لقائنا عن هموم النقل والمواصلات، ووجدناه المستوعب لها، المعترف بالنقص فيها، كما أطلعنا على الانظمة والخطط التي سوف تنفذها الوزارة بتوجيه ودعم الدولة .
إن ناصر السلوم كما يقول من يعملون معه لا يريح ولا يستريح، ومع هذا فإنك لا تجده متضايقاً من العمل، او شاكياً من هموم المسؤولية.
إن بلادنا كما تفخر بثرواتها الطبيعية فإنها تفخر اكثر بثروتها من الرجال من امثال ناصر السلوم وغيره كثيرون في هذا الوطن الاخضر والاغلى.
وان وزارة المواصلات اذا كانت أنجزت عددا من الطرق فان امامها مزيداً من الطرق بين مختلف المناطق تنتظر الإنجاز، وسوف يأتيها دورها لانه من العسير في بلد قاري ومهما كانت الامكانيات ان تشملها شبكة الطرق في فترة زمنية محدودة، فالطرق مشروعات لا تحتاج الى المال فقط، بل وتحتاج قبل ذلك دقة التخطيط والى الزمن التنفيذي الذي يحتاج الى سنوات طويلة وليس الى اشهر معدودة.
ولننتظر فالقادم أحلى ان شاء الله.
|
|
|
|
|