| مقـالات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإنه نظراً لما تتمتع به بلادنا من مكانة في العالم الإسلامي لكونها مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فمنها انطلق نور الإسلام وإليها يأرز، حيث يوجد فيها المسجد الحرام وما حوله من المشاعر المقدسة، والمسجد النبوي اللذان هما أفضل البقاع على وجه البسيطة، ومن ثم يقصدها كل مسلم لأداء مناسك الحج والعمرة، وللزيارة كذلك.
وإذا انضاف إلى ذلك ما حباها الله به من نعم عظيمة لا تعد ولا تحصى، فمن نعمة العقيدة الصحيحة إلى نعمة المنهج السليم، وتطبيق شرع الله وحدوده وأحكامه في جميع أمورها خاصة أو عامة، والذي نتج عنه ما تتفيأ به ولله الحمد من أمن وأمان، وسلم وسلام، ورغد في العيش وطمأنينة واستقرار لا نظير لها في العالم فيما نعلم، مما يجعل فئات كثيرة من البلاد المجاورة وغيرها يطمعون ويطمحون في الوصول إليها، والإقامة فيها طلبا للرزق، وحفاظا على دينهم وأرواحهم، والتمتع بما تنعم به أو لغير ذلك.
ونتيجة لذلك فقد وضعت الدولة أيدها الله أنظمة وضوابط تحفظ للقادم إليها حقوقه، وتجعله يتمتع بما يتمتع به المواطن كما أنها جندت أجهزة متعددة، وأعدتها إعداداً كاملاً من حيث الرجال المتميزون المدربون ودعمتها ماليا ومعنويا لتطبق تلك الأنظمة، وتعمل على متابعتها والتحقق من سلامتها.
إلا أنه رغم ذلك ولكثرة الوافدين وضخامة عددهم فإنه لا بد أن يند أحد من هنا أو هناك، ويحاول تجاوز كل الحدود والقيود ليتخلف في هذه البلاد، وهذه الفئة المتخلفة تختلف مشاربها ونوعيتها وأهدافها، فمنها: الجهلة الذين لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا وإنما يساقون من غيرهم، ويديرهم ويحركهم أناس لا خلاق لهم فهم كالأدوات التي تتنوع منافعها ومضارها وفق استخدامها.
ومنها: المرتزقة والذين ليس لهم هم إلا البحث عن المال بأي طريق مشروعاً كان أو غير مشروع، ومعلوم أن هؤلاء لا يتورعون عن كل قبيح فلا رادع ولا وازع، ولا دين ولا خلق فماذا يرجى من أمثالهم؟
ومنها: تلك الفئة الحاقدة الحاسدة، والتي لم تأت لا لعمرة ولا لحج ولا لزيارة وإن كان ظاهر أمرها أنها جاءت لذلك، والحقيقة أنها وفدت لنفث سمومها أخلاقية كانت أو فكرية، أو منهجية بين أبناء مجتمعنا، هذا المجتمع الطيب المتماسك القائم على حسن الظن، والفطرة السليمة، ومحبة الخير للجميع، وبذل المعروف دون النظر إلى المقابل، وهذه الطائفة شرها عظيم، وخطرها جسيم لا يدرك إلا بإمعان النظر، والسبر الدقيق، والتتبع الفاحص، فهم شياطين في صور إنس، يحسنون القبيح، ويقبحون الحسن، يرفعون الوضيع ويضعون الرفيع، شعاراتهم براقة، وعباراتهم رنانة، وأساليبهم ملتوية، وقلوبهم حاقدة، ونفوسهم حاسدة، يدسون السم في العسل، والشر في الخير.
والغريب في الأمر أنه وجد فئة من مواطني هذا البلد المعطاء، وهم ليسوا بالكثير ولله الحمد يتلقفون أولئك المخالفين لأنظمة الإقامة، ويتعاونون معهم، ويتسترون عليهم، دون تفكير في العواقب، أو نظر إلى مصلحة، يقودهم في ذلك إما الهوى، أو المصلحة الذاتية، أو الطمع وحب الدنيا، وهذا أمر خطير جداً يجب علينا جميعاً الحذر منه والبعد عنه والتعاون مع الأجهزة المسؤولة للقضاء عليه، لأن المتساهل في هذا الأمر يقع في عدد من المحاذير والمخالفات منها:
أولاً: الانغماس في المحرم، فالذي وضع هذه الأنظمة هو ولي الأمر الذي أوجب الله طاعته في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ورسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: (من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصا الأمير فقد عصاني) وقد سنها ووضعها من أجل الحفاظ على الأمن، وهي غير مخالفة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، بل موافقة لهما في تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وبالتالي يصبح تجاوزها وتعديها محرما يوقع صاحبها في الاثم.
ثانياً: تعريض مجتمعه ووطنه بل وأسرته ونفسه للخطر، ولما لا تحمد عقباه في جميع نواحي الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والأمنية، لان هذا المتستر عليه لا يعلم ما وراءه وما مقصوده، وما هدفه.
ثالثاً: ما يترتب على وجود أمثال هؤلاء من أثر وتأثير سيئ على عقيدتنا وعاداتنا ومبادئنا وأخلاقنا، واستنزاف لمقدرات بلادنا.
رابعاً: تعريض نفسه للعقوبة التي أوجدت كرادع للذين يتجرأون على تجاوز كل الحدود، ويتساهلون في التعامل مع تلك الطائفة.
ومن هنا يجب علينا أن نتعاون مع الأجهزة الأمنية ذات العلاقة في القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، متجاهلين ومبتعدين عن كل مصلحة ذاتية في سبيل أمن بلادنا والحفاظ عليه مهما كانت المغريات، أو الدوافع،فلا نتستر على أحد، ولا نعين متسترا ولا متسترا عليه، ونبلغ عما نعلمه من تلك المخالفات، ولا نستهين بشيء منها أيا كان نوعها، لأن الآثار الحميدة، والمنافع الإيجابية الناتجة عن ذلك عائدة لنا قلباً وقالباً، أولاً وأخيراً ثم إن الدولة أعزها الله تعين وتساعد كل من أراد أن يقيم فيها، ولكن بالطرق الصحيحة والنظامية والتي تضمن للمقيم حقوقه وحفظ ضرورياته ومكملاته، فمن أراد الخير فليأت البيوت من أبوابها، تفتح له ويرحب به، ومن حاول أن يدخل إليها متسلقاً أسوارها، أو مع طاقاتها فلا يلومن إلا نفسه، والعقاب الرادع مصيره.
نسأل الله أن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا، وأن يرزقنا الاخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
* وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|