| مقـالات
تتباين مواقف البشر تجاه الأيام حسب معتقداتهم الدينية، ووفق ما يشيع في ثقافاتهم من حقائق حسية أو تجارب شخصية، أو أساطير وخزعبلات, هذا والثابت أن سير الزمان الحثيث لا ينفك أن يقلب (نسبية الأشياء) رأسا على عقب، بل ويقتل هذه النسبية عن سابق عزم وترصد وإصرار, خذ مثلا على (تحوير الزمان لنسبية الأشياء) بما شاع لدى العرب الأوائل تجاه الزمان وجزئياته من سنين وشهور وايام ولاحظ كيف تختلف أيما اختلاف عن مواقفنا نحن عرب هذا العصر, فيوم الأربعاء، مثلا، ينتظر قدومه عرب زمننا هذا بفارغ الصبر وبشوق ولهفة لا لشيء سوى أنه يمثل نهاية أيام الأسبوع الوظيفي وبالتالي الخلاص من وعثاء العمل, في المقابل، كان بعض أسلافنا في الحقيقة يكرهون بل ويتشاءمون من يوم الأربعاء ويرون به يوما ثقيلا لا يحتمل, ففي الجاهلية أطلقوا عليه اسم (دُبار)، وفيما بعد صاغوا عنه مثلا نصه: أثقل من أربعاء لا تدور ، وهو مثل ترى بعض الروايات التاريخية أنه قد صيغ بسبب أن يوم الأربعاء لا يعود بسرعة لكونه في آخر الشهر، ولهذا قال شاعرهم في ذم يوم الأربعاء:
يا أربعاء لا تدور
به محاقات الشهور
وهكذا يحور الزمان (نسبية) الكراهة أو الحب للأشياء، حيث أن عرب (آنذاك)، وكما ذكرت آنفا، استدمجوا انطباعات خاطئة عن يوم الأربعاء فوصموه بالشؤم والنحس, ومن ثم تحولت الكراهة ليوم الأربعاء الى محبة وطالع سعد (بل ونوم!) بين أوساط (أبو عرب!) عصرنا هذا, بالمناسبة، إليكم هذا النص التاريخي المقتبس (وعليكم) مقارنة المواقف تجاه أربعاء أسلافنا بالمواقف تجاه أربعاء عصرنا هذا: حيث يقول صلاح الدين بن أيبك الصفدي (ت764) في كتابه المعنون الغيث المسجم في شرح لامية العجم المجلد الأول، ص (123)، ما نصه: حكي ابن أبي طي في تاريخ حلب عن الوزير عون الدين بن هبيرة أنه قال: الناس يتشاءمون بالتربيع وأنا وليت الوزارة يوم الأربعاء رابع ربيع الأول سنة أربع وأربعين وخمسمائة, فقال له ابن أبي الفضل: إن تبركت أنت به فقد تشاءمنا نحن منه, وحكى أبو الفرج المعافى بن زكريا في كتاب الجليس والأنيس قال: (بينا أبو اسحاق وزيد) ذات يوم جالس إذ جاءه أصحابه فقالوا: يا أبا إسحاق هل لك في الخروج بنا الى العقيق وإلى قبا وإلى أحد ناحية قبور الشهداء فإن هذا يوم كما ترى طيب، فقال: اليوم يوم الأربعاء ولست أبرح من منزلي, فقالوا: وما تكره من يوم الأربعاء وهو يوم ولد فيه يونس بن متى؟ فقال: بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم فقد التقمه الحوت, فقالوا: يوم نصر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب؟ فقال: اجل ولكن بعدئد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر !
ختاما، تفكر بتلك الأمثال التالية ولاحظ كيف أنها لا شيء سوى إنها نتيجة تلقائية (للاحتكاك الشخصي!) بين الانسان والزمان، بل وهزيمة هذا الانسان وبالتالي تعلله بتلك الأمثال على غرار قاعدة (تف عليك حامضة!!):
أضيع من قمر الشتاء ,, أطفل من ليل على نهار ,, الليل أخفى للويل ,, الليل أخفى والنهار أفضح ,, أنَمّ من الصبح ,, عش رجبا تر عجبا ,, والمثل الأخير بصيغة أخرى (أخيرة!):
عشنا إلى أن رأينا في الهوى عجبا
كل الشهور وفي الأمثال عش رجبا!
,, ولكن ما الفائدة من وراء مثل تلك المواقف والأمثال في ظل الحقيقة الأزلية المتمثلة في انتصار الزمان الأبدي واندثار الانسان الحتمي,,؟!
* * *
** الأخ سليم عبدالرزاق المرهق سكاكا:
لك الشكر الجزيل, ما تضمنته رسالتك ينبىء عن حسن ذاتك, أتمنى ان أكون دائما عند حسن الظن، تحياتي لك ولجميع الربع في سكاكا.
** الاخ محمد العدوان الرياض:
شكرا على رسالتك الكريمة, في الحقيقة، النظرية التي أشرت اليها (أعتقد مما تعتقد!)، وبالمناسبة فالمقالة المعنية قد مرت وأعني ذلك بمراحل ومراحل من التصفية والتنقية والصياغة وذلك من أجل تحاشي ما فيها من (التجريد والغموض النظري) وبالتالي التمكن من تطبيقها على (الواقع!), تحياتي.
ص,ب: 4206 رمز: 11491 الرياض.
|
|
|
|
|