| مقـالات
في يوم من أيام هذا الاختبار النهائي، دخل عليَّ واحد من حفدتي وهو تلميذ في المتوسطة يتهلل وجهه بالفرحة، ومعه شهادة عنوانها (شكر وتقدير) منحته إياها المدرسة، فأعاطانيها، وإذا فيها:
يَسُرّ مُدَرِّسو مواد التربية الإسلامية أن يهنئوا الطالب (وهنا مكان اسمه) فقطَعتُ قراءتي عند كلمة (الطالب) اندهاشاً من هذا الغلط اللغوي الشائن الذي استُهِلَّت به هذه التحفة المشَرِّفة، وهو كلمة (مدرسو) فاختلطت مسرتي بشيء من الأسف لهذا الغلط الذي لم يكن في أغوار النحو ومجاهله وإنما في أوائله ومداخله,, (إعراب جمع المذكر السالم),,, مما هو مقرر في الابتدائية، ثم إنه قد صدر ممن؟؟,,, من رجال شأنهم أن يقوِّموا عِوَج ألسنتنا ويعصموها من الزلل في اللغة ,,, !!,, أقول هذا وأنا عليمٌ بأن المدرسة لا تصنع بنفسها مثلَ هذه الشهادة، وإنما تشتريها من السوق (جاهزة) ولا تزيد هي على ما دُوِّن فيها أكثر من (اسم التلميذ)، وإنما الذي أبدع الشهادة (إنشاءً وخطاً ونَقشا) إنما هو أحد عمّال المكتبة التجارية من الأجناب الجهّال، فقد كتبها وطبعها (على ما يَفهم هو) لا كما تكون قواعد اللغة,, إِذاً فليس للمدرسة يَدٌ في هذه الهفوة ولاجُناح عليها (من هذه الناحية)، وإنما العَتبُ يتناولها بهذه الغفلة عما يُكتَب ويقدَّم إليها (فتجيزه وتمضيه) هكذا بلا مراجعة ولا تمحيص,,, أجل,,, !!
أَفَلم تَطُف هذه الورقة بجمع من المعلمين ثم المدير؟,, ولم يكن فيهم من فطن لهذا العيب فمحاه قبل أن يجاوز باب المدرسة إلى أعين الناس,!!,.
أما هذه الهدية (بمعناها النبيل) الذي مَنَّ به المديرُ والمعلمون عليَّ وعلى ابني هذا وعلى أبويه فإنها في نفوسنا والصدور لفي مقام التاج من الهامة، بل إنها في لذة الماء البارد القراح على كَبِد ذي الغُلّة الصّادي، وإن ابنهم (محمداً) هذا لم يبلغ ما بلغ فاستأهل التقدير إلا بالله ثم بجهودهم والحرص على أن يكون هكذا، وإننا سنظل نذكرهم فنشكرهم داعين لهم وله بالتوفيق والفلاح.
وأما الخطأ والنسيان، فأمور لا تحتاج إليَّ ولا إلى غيري ليبين أنها جبِلَّة في ابن آدم وُلِدَت معه ولن تبرح تَلزَمُه في أقواله وأفعاله ما عاش، ولا يَسلم منها، إلا من سلّم الله (وكَفى بالقرآن والحديث بيانا),,وهذا الإمام الكسائيُّ (العالم اللغوي الحجة الثَّبت أحد القراء السبعة) كان ذات مرة يصلي بالناس (وفيهم الخليفة هارون) فقرأ آية يوسف وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلَّهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلَّهم يرجعون قرأها الكسائي (لعلهم يَرجِعِين) وكان وراءه جمع من الحفّاظ ذَهِلوا بما سمعوا من خطأٍ فاحش في لفظ ظاهر معروف، فلمّا قضيت الصلاة صار بعضهم ينظر إلى بعض (تَعَجُّبا) دون أن يتجرّأ أحد فيراجعَه فيما قرأ لِعِظم هيبته عندهم وعلو مقامه في القراءات والنحو (ولاحتمال أنها نوع من القراءات لم تبلغهم),, لكن الرشيد سأل الكسائي (وإنه لمؤدّب ولده) قائلاً: أَيّةُ قراءةٍ هذه؟؟,, فقال: يا أمير المؤمنين، إنها ليست قراءة وإنما هي (عثرة لسان),هذا وإن ما ذكرته من شأن هذه الشهادة المستوردة ليشيع مثله اليوم في كثير من مدارسنا، وإنه ليتعين على المدرسة أن تطهّره من وسخ الغلط قبل إمضائه وتسليمه (وعلى الله قصد السبيل).
ناصر الصالح العمري
|
|
|
|
|