أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 27th May,2000العدد:10103الطبعةالاولـيالسبت 23 ,صفر 1421

وَرّاق الجزيرة

أعلام خدموا التراث
وداعاً,, محمود الطناحي,, فارس المخطوطات
د/ فراج عطا سالم *
سألني الكثير من الإخوة والأصدقاء ان اكتب لهم شيئا من سيرة الراحل د, محمود الطناحي لما تربطني به من علاقة ولما قدمه من جهد كبير في خدمة التراث العربي، فأحببت ان اطلع القراء الكرام على جزء يسير من جهود هذا العالم في خدمة التراث في العديد من الوطن العربي ولا سيما بلده مصر والمملكة العربية السعودية التي قام فيها بجهود كبيرة في مجال التحقيق والتأليف فأقول: عرفته أخا وصديقا وفياً مخلصا لأصحابه طيب المعشر حلو اللسان لا تمل عشرته ان عاشرته ولا تخسر وقتك ان قضيته معه ولا تفارق البسمة شفتيك ان رافقته.
تؤنسك احاديثه وتنفرج اساريرك لنكته وقفشاته ويزول عنك الهم إذا أسررت اليه بما في نفسك من شجون ومتاعب.
كانت السنين معه شهورا وكانت الشهور معه أياما لا تدري كيف يمر الوقت معه وكيف يطوي الليل سرابيله عنده.
تتركه بلا وداع تصحبك قفشاته ونكاته بعد السلام عليه الى بيتك, قضينا معا أحلى الأيام واصفى الليالي في ربوع مكة المكرمة في جامعة ام القرى، في شوارع مكة وأسواقها, في بيتنا كل اسبوع وفي اروقة المسجد الحرام وعلى سطحه خاصة صلاة التراويح في رمضان.
انه محمود الطناحي الضاحك الباكي، إذا ضحك ضحك كطفل برىء وإذا بكى بكى كما لم تبك الخنساء, احب الناس فأحبه كل الناس, نشأ الطناحي رحمه الله تعالى في قاع المدينة,, مدينة المعز لدين الله الفاطمي في حي شعبي هو حي المغربلين في وسط القاهرة بجوار حي الأزهر وحي الحسين وقصر الشوق وسوق السلاح فأخذ منها صفاته وطباعه, صفات ابن البلد الطيب المتواضع, نشأ فقيرا عصاميا بنى نفسه بنفسه وجاهد وتعب وكد واجتهد حتى افاء الله عليه من كرمه وجوده ولكن لم ينس تلك الأيام بل يذكرها بالحمد والشكر الجزيلين لربه وخالقه في تواضع جم وتفكه جميل.
عرفته رحمه الله منذ ربع قرن تقريبا حينما انتدبت من دار الكتب المصرية لفهرسة المخطوطات بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية في الفترة المسائية حيث كان مشرفا على العمل هو وصنوه الاخ الاستاذ الدكتور عبدالفتاح الحلو عليه رحمة الله ودامت الصلة بعد ذلك حتى التقيت به في مركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي بجامعة ام القرى الملك عبدالعزيز سابقا وتوطدت صلتي به واتسعت الى الصلات العائلية الحميمة وظلت هذه الصلة طوال اقامته معنا في مكة المكرمة لمدى عشر سنوات كاملة حتى عاد الى القاهرة واستقر بها وعمل استاذا بجامعة القاهرة فرع الفيوم, وفي تلك الأثناء تركت أنا العمل بجامعة ام القرى بمكة المكرمة للعمل بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وتجددت الصلة حينما جاء للعمل استاذا لمدة نصف عام دراسي معارا لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وعادت الذكريات ومضت تلك المدة بسرعة البرق وظل يزورنا في بيتنا بالرياض بصفة مستمرة سعدنا فيها معه ثم عاد بعدها الى القاهرة ليلتحق بجامعة حلوان.
وهكذا مضت ايامنا معه وأيامه معنا في غدوها ورواحها تبعدنا وتقربنا ولكن الأرواح والقلوب لم تنقطع عن بعضها البعض حتى جاءنا الخبر الحزين بوفاته المفاجئة عليه رحمة الله.
كان عليه رحمة الله عالما مثابرا صبورا لا يمل من البحث والتنقيب يعرف قيمة الوقت ويحرص عيه كأنه يسابق الزمن ففي العشر سنوات التي امضاها في مكة اشرف على رسائل عديدة تخرج اصحابها على يديه ويتولون الآن أعلى المناصب ويحملون مشاعل ورايات العلم والثقافة في جامعة ام القرى منهم الاستاذ الدكتور عياد الثبيتي والاستاذ الدكتور حماد والدكتور سعد الغامدي والدكتور سليمان العايد وغيرهم كثيرون هذا علاوة على كثير من الكتب التي حققها في تلك الفترة.
كان صاحب ذاكرة متقدة وذكاء حاد وعقل واع حصيف,, كما كان مجاملاً يقدر الآخرين حق قدرهم لا بعلو منازلهم واقدارهم ولكن لآدميتهم قبل كل شيء.
تعددت نشاطاته واهتماماته قد سافر رحمه الله ضمن بعثات معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية الى اليمن وتركيا والمغرب لتصوير المخطوطات الموجودة بها وبعد عودته الى القاهرة تعددت نشاطاته واشتراكه في كثير من الندوات والمؤتمرات مثل مؤتمر مؤسسة الفرقان للتراث والثقافة الذي عقد في القاهرة ومؤتمر جامعة المنيا ومؤتمر مركز جمعية الماجد للتراث والثقافة بدبي ومؤتمر معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية وألقى فيها محاضرات في الفهرسة والتحقيق والتوثيق.
كما شارك بآرائه وخبرته في تطوير دار الكتب المصرية ومركز إحياء التراث القومي ونشره بها كما شارك بكتاباته الشهرية في مجلة الهلال القاهرية وبالجملة فقد استثمر الطناحي رحمه الله تعالى وقته في الفن والعلم الذي عشقه وأحبه منذ صغره وهو المخطوطات وفهرستها وتصنيفها وتحقيقها وسبرغورها.
* مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved