| وَرّاق الجزيرة
تلعب كتب الردود والمناقشات العلمية دورا كبيرا في إثراء المعرفة والبحث العلمي إذ ان من أهم وظائفها حشد المؤلف صاحب الرد الكثير من النصوص والأفكار والأدلة والبراهين على صحة الفكرة او الرأي الذي يقول به، ومن هنا ينشط البحث العلمي، كما ان في الردود تصحيحا لمسار من لم يوفق للصواب بخروج هذا الرد عليه لتنبيهه وتوجيهه، فالردود متى ما كانت سائرة على طرق علمية ومنهجية وبأسلوب مناسب بعيد عن الحدة والخروج عن الفكرة المتحاور فيها الى جوانب شخصية فإنها تبقى كنزا علميا لا تقدر قيمته بثمن.
ومع انه خرج العديد من الدراسات التي تبحث في أدب الردود والحوار والمناقشات إلا ان الساحة الثقافية تحتاج الى أكثر من ذلك وفي الوقت نفسه نحن بحاجة الى دراسة تاريخية ترصد أدب الردود في تراثنا إذ انه منهج قديم جدا قدم التأليف فمنذ ان بدأ التأليف فلا بد ان يصاحبه بعض المؤلفات رد عليها، وهذا الأمر لن يتوقف ما لم يتوقف التأليف نفسه!
وهذه عزيزي القارىء الكريم جملة متفرقة من آداب الردود من المهم استحضارها عند الرغبة في مناقشة أي كاتب، وليست هذه هي أهم ما في هذا الباب إنما جملة وقفت عليها، فلعل القارىء يجد فيها ما يهمه فمن ذلك:
* التأكد من خطأ المردود عليه: فبعض الناس يرد في أمور هي أقرب ما تكون وجهة نظر، قد يتسع فيها الخلاف، فهنا كما انك مصر على رأيك وكذا خصمك مصر على رأيه وبخاصة إذا لم تكن هذه المسألة المتناقش فيها ذات طابع قطعي.
* هل كل خطأ يستحق الرد: فبعد أن تتأكد من خطأ الطرف الآخر تأمل في خطئه هل هو مستحق للرد أم أنه خطأ تستطيع إصلاحه بغير الرد، فمثلا إذا أخطأ في نسبة كتاب لعالم ونسبه لعالم آخر لتشابه الاسم، هذا لا شك خطأ، فهل يرد على هذا في موضوع مستقل؟ أم يأتي الرد بالتبع عند حصول مناسبة.
* قال أبو عون الأنصاري: ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا وإلى جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها، وقبل ذلك الحديث النبوي الشريف، ما وضع الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
* بين العاطفة وإتقان الرد: والبعض منا يهوله خطأ احد الناس فيرد عليه بالعاطفة الجياشة والكلمات المؤثرة، لكن تجد ان في رده هذا كل شيء إلا المناقشة العلمية ودفع الشبه وإتقان الرد، ومما أُخذ على بعض أهل العلم انهم يذكرون الآراء القوية، ثم يردون عليها بحجج غير مقنعة، مع أنهم قد يكونون اقرب الى الصواب لكنهم أبعد عن إتقان الرد.
* العبرة بالألفاظ لا النيات والأغراض: حينما يكون الرد ساحة فسيحة للكلام في النوايا والمقاصد فإن ذلك من علامات الضعف فمن أراد أن يرد فليناقش ما تطرق له خصمه وما خالف فيه الصواب وأما جوان النية وقصده كذا وكذا ليست من اختصاص البشر، بل هي في علم الله سبحانه وتعالى.
* توضيح أماكن الاتفاق وأماكن الافتراق: وهذه المسألة من أهم ما يجب الكلام فيه، فتجد ان الراد وكذا المردود عليه متفقان في أغلب المسائل ويختلفان في بعض الجزئيات والأمثلة، ولكن بسبب عدم تحرير محل النزاع يبحر الرد في بحار هو في غنى عنها، ولو جعل أول ثلاثة أسطر في رده في توضيح ماذا يريد لزالت كثير من الاشكالات.
* الخروج عن الموضوع: وهذا الخروج عن القضية المختلف فيها سمة الكثير من الردود، وفي اعتقادي ان من أهم أسباب هذه الظاهرة عدم توضيح المسألة المقصودة بالرد والمناقشة.
* ما كل ما يعلم يقال: ومما يزعج القارىء لبعض الردود إثارتها لأمور لا يحسن ذكرها إن كانت صحيحة فمثلا إذا كان الرد في مسألة تراثية فما دخل ان يكون احد الطرفين الراد أو المردود عليه يفعل مخالفة ليس لها أي علاقة بالرد، ولذا كان من الحكم التي تردد، ما كل ما يعلم يقال
* لا بد من معرفة حجم الخطأ: بمعنى ان كل خطأ له حجمه الطبيعي، وعلى ذلك المخطىء في مسائل تربط بجميع ليس كمن يخطىء في تحديد موقع تاريخي؟ او كمن يخطىء في مسألة نحوية، وعلى ذلك فبعد معرفة حجم الخطأ يكون أسلوب الرد، ولا يعني هذا التهوين من شأن الخطأ إذا كان في موضوع معين بل المقصود معرفة حجم الخطأ ليتناسب مع ذلك أسلوب الرد,,وعلى كل حال من أهم الأمور أن نحرص في ردودنا ومناقشاتنا على ان يكون في ذلك دعم للحركة العلمية والثقافية إذ ان هذا هو أهم ما تكتب الردود من أجله.
|
|
|
|
|