أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 27th May,2000العدد:10103الطبعةالاولـيالسبت 23 ,صفر 1421

وَرّاق الجزيرة

د,آل زلفة في حوار عن الوثائق وتدوين تاريخنا المحلي ( 2 - 2)
الشللية والمصالح الشخصية تحكم علاقة الباحثين بالمراكز العلمية
*حاوره: يوسف بن محمد العتيق
نستكمل في هذه الحلقة الحوار مع الاستاذ الدكتور محمد بن عبدالله آل زلفة موضوعات تاريخية وبحثية يعنى بها كل متابع ومهتم بتاريخ بلادنا الغالية، وكلنا أمل ان نقدم والدكتور آل زلفة مادة علمية، وهذا ما نرجوه ونؤمله، وبالله التوفيق.
* المعروف انكم أصحاب شغف بالغ وهمة عالية في تتبع الوثائق المتعلقة بالجزيرة العربية عموما، وبخاصة ما كان يتعلق بجنوب الجزيرة فنريد ان تحدثونا بلغة الأرقام والتواريخ عن جهودكم في هذا المجال، وعن حجم الوثائق في مكتبتكم الخاصة؟
- أن أكون صاحب شغف بالغ بأهمية الوثيقة وخاصة ما يتعلق منها بالجزيرة العربية فهذا صحيح فلا اعتقد انني شغوف بأي شيء مادي بقدر شغفي بالوثيقة التي تجلي حقيقة تاريخية, اما الهمة العالية فأرجو ان تكون كما تتوقع.
اهتمامي ينصب على كل وثيقة تتعلق بتاريخ الجزيرة العربية بكل اطرافها بل وبوثائق تخص كثيرا من البلاد العربية مثل المغرب وتونس، وليبيا ومصر ولبنان وسوريا والعراق، واقتني وثائق أصلية تختص بتاريخ هذه البلدان، وقد قمت بنشر وثائق تتعلق بالمغرب منذ عدة سنوات ووثائق اخرى معدة للنشر الآن, وهذا عكس اعتقاد البعض ان اهتمامي مقتصر فقط على منطقة عسير، او جنوب الجزيرة العربية كما ذكرت.
بدأ اهتمامي بالوئائق منذ عام 1974م بعد سنة واحدة من تخرجي من الجامعة وهي المرة الأولى التي ذهبت فيها الى استانبول لغرض البحث عن الوثائق ولم تنقطع علاقتي بالارشيف العثماني منذ ذلك التاريخ الى اليوم، حيث يعد هذا الارشيف من أغنى الارشيفات في العالم ومن أهمها من حيث ضخامة الكم الوثائقي الهائل المتعلقة بتاريخ عالمنا العربي والجزيرة العربية جزء منه, ولم تكن مهمة البحث عن الوثائق في أرشيفات استانبول سهلة ابدا وقد ذكرت جوانب من معاناتي، وهي المعاناة الممتعة، في هذا الأرشيف في كتابي ذاكرة الأمة وقد استمد هذا الكتاب عنوانه من الوثائق التي اعتبرها بحق ذاكرة الأمة.
وكل مرة أذهب فيها الى الارشيف العثماني لا اتقيد بالبحث عن وثائق بعينها تهمني في بحثي فحسب بل احرص على الاطلاع على كل ما يمكن الاطلاع عليه من وثائق تهم أي منطقة في الجزيرة العربية بخاصة او بأية وثيقة تتعلق بأي قطر عربي آخر ذات علاقة بأحداث الجزيرة العربية، وحصيلة هذه السنوات الطويلة من الوثائق التي امكن تصويرها او نقلها تعد بالآلاف.
وأعكف الآن على وضع دليل بها قد يظهر في مجلد ضخم يحمل ارقام ملفات حفظها، وملخص مختصر لموضوعاتها, لكي يسهل هذا الدليل على الباحث من الجزيرة العربية او الباحث في تاريخ الجزيرة العربية الجهد والعناء الذي عانيته أثناء سنوات البحث.
لم يقتصر بحثي في استانبول خاصة على الوثائق المحفوظة في ارشيفي رئاسة الوزراء والخارجية بل كنت اقوم بالبحث عن الكتب القديمة والنادرة وكذلك المخطوطات او الوثائق التي كانت تعرض في دكاكين بيع الكتب القديمة في سوق استنابول المشهور لبيع الكتب القديمة منها بشكل خاص والذي يعود تاريخه كما تذكر بعض كتب التاريخ الى فترة مبكرة من احتلال العثمانيين لاستانبول ولا يزال ولعله أقدم سوق للكتب في العالم وفي مكتبي بعض نوادر ما اقتنيته من هذا السوق.
كما قمت بالاتصال ببعض اولاد وأحفاد اولئك الباشوات الذين عملوا كولاة او كبار موظفين في الولايات العربية وخاصة الجزيرة العربية في العهد العثماني مثل اولاد فخري باشا والي المدينة المنورة اثناء الحرب العالمية الأولى وسليمان شفيق كمالي باشا متصرف عسير ووالي الشام ووالي البصرة قبيل الحرب العالمية الأولى, وأمكن الحصول وشراء وثائق أصلية نادرة من بعض هؤلاء, والبعض وعد باطلاعي على ما تضمه منازلهم من وثائق تعد على قدر كبير من الأهمية لتاريخ الجزيرة العربية والمملكة بشكل خاص مثل الأوراق الكاملة لسليمان شفيق كمالي باشا الذي وقع باسم العثمانيين مع الملك عبدالعزيز اول اتفاق بعد محادثات طويلة عام 1914م الذي اصبح صديقا شخصيا للملك عبدالعزيز وعاش تحت كنفه سنوات في الطائف، ولكن الموت عاجل ابنه الذي وعدني بالاطلاع على كامل اوراق والده وحالت السنين بيني وبين من بقى من اسرته الذين فقدت الاتصال بهم بعد انتقالهم الى عنوان سكن جديد لا أعرفه, ولكن المؤرخ يملك حاسة قوية لتتبع اثر ومواطن الوثائق، ولعل الحاسة قبل ان تتعب تهديني الى معرفة عنوان أحفاده.
تمكنت من تصوير مخطوطات نادرة من المكتبة الخاصة بالسلطان عبدالحميد والتي نقلت الى مكتبة جامعة استانبول بعد انقلاب العسكر عليه وحفظت بها بشكل عشوائي كما يحدث للأشياء في اعقاب الفوضى وظلت بعض مخطوطاتها مجهولة، منها تقارير مطولة عن أحوال الجزيرة العربية خاصة عسير واليمن والحجاز وبعض المخطوطات التي كتبها الشيخ احمد بن عبدالخالق الحفظي قاضي عسير وشاعرها المشهور، اثناء أسره في بلاد البلقان مع عدد من زعماء عسير اهداها الشيخ الحفظي الى السلطان عبدالحميد وظلت مجهولة الى ان تم لي وبحمد الله الكشف عنها في هذه المكتبة.
ياصديقي لا تعرف ولا يعرف إلا القليل ومن أهم العارفين، زوجتي زادها الله نورا على نور، التي باعت مصاغها مع قلته في السوق المغطى في استانبول لتغطية ما قصر علينا من نفقات ما صرفناه على اقتناء وتصوير هذه المخطوطات والوثائق، وأصبحت ملفات هذه الوثائق والمخطوات والكتب تتضخم وتزحف على كل ركن في بيتنا الصغير، حتى المكان الذي ننام فيه ولو لم تكن ام خالد بكل نبلها وخلقها شريكا مخلصا في هذه الشراكة لكانت ومنذ زمن قد قالت عليك ان تختار إن حجم المعاناة كان كبيرا ولكن ثمارها كانت جميلة.
إذا كنت قد اوردت جزءا او جانبا بسيطا من حجم المعاناة أثناء رحلة البحث عن الوثائق في الارشيفات العالمية فإن معاناة البحث في داخل بلادنا عن الوثائق كانت أكثر والتحدي فيها اكبر والحديث عنها يطول وأسأل من له في هذه المعاناة نصيب, إنه اخي شقيقي حسين بن عبدالله آل زلفة محافظ محافظة بيشة, ولكن النتيجة كانت مرضية والحصيلة جيدة وإن كانت الهمة تطمح الى أكثر من ذلك.
ما تم الحصول عليه من وثائق الداخل وخاصة تلك التي تم الحصول عليها من الأفراد تعد بكل المعايير نادرة ولا مثيل لها لانها تتناول الجوانب المختلفة من الحياة اليومية لاجتمع في كل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والزراعية وتنظيم العلاقات بين فئات المجتمع, وتعود بعض هذه الوثائق الى مئات السنين وظلت مهملة من قبل الباحثين, وأزعم ان لي حق الريادة في الكشف عن هذا الجانب المصدري المهم عن حياة المجتمع.
* يتردد في الأوساط التاريخية ان لديكم النية في القيام بمشروع استنطاق وبحث في التواريخ المكانية من حيث ذكرها وحديثها عن الدولة السعودية في مراحلها الثلاث: فما مدى صحة ودقة هذه المعلومة؟
ياصديقي ليس هناك مصدر او مرجع في شكل مخطوطة او وثيقة يتعلق بجانب من جوانب تاريخ بلادنا إلا وهو مكان اهتمامي, وما ذكرته انه يتردد في الأوساط التاريخية عن قيامي باستنطاق وبحث في التواريخ اليمنية هو جزء من الاهتمام الشامل بمصادر تاريخ بلادنا وكان العمل في هذا الجانب قد بدأ منذ سنوات والنتائج ستظهر جلية قريبا إن شاء الله.
* ما مدى تقييمكم ورضاكم عن الاطروحات التاريخية التي خرجت مع الذكرى المئوية، وما هو اميز الأعمال التي خرجت في هذه الفترة؟
الذكرى المئوية هي الحدث الأكبر في تاريخ هذه البلاد منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز, ومن الطبيعي ان يصاحبها نشاط فكري وثقافي يتناسب مع ضخامة الحدث, اما الاطروحات التاريخية التي خرجت بهذه المناسبة بالمفهوم والمعنى الحرفي للتاريخ من منظور تاريخي وفي نظر متخصص بالتاريخ فاسمح لي ان اقول لك الحقيقة التي تعودت ألا اقول غيرها, بأنها لا ترقى الى مستوى المناسبة بما فيها المؤتمر التاريخي للمملكة حيث ان امر هذا المؤتمر الذي يجب ان يكون متخصصا للرصد التاريخي لهذه الفترة اوكل الى غير أهله من غير اصحاب الاختصاص واستكتب له كثيرا ممن لا علاقة لهم بالتاريخ ولا بتاريخ الفترة.
* تقوم المراكز البحثية بدور تاريخي ووطني كبير في حفظ موروث الأمة الثقافي، ما مدى موافقة ذلك للواقع في مراكزنا البحثية في الوطن العربي والعالم الإسلامي؟
جاء اهتمام البلاد العربية والإسلامية بالحفاظ على موروثها الثقافي والتراثي متأخرا وبعضها ما زالت غير مدركة أهمية هذا التراث, وبعضها ركز في البحث عما كتب عنها بواسطة آخرين وتسابقوا في تصويره وحفظه في دور حفظ اقامتها في بلادها لهذا الغرض وبعضها وضعت القيود والأنظمة لمنع الباحثين في بلادها من الاستفادة مما تم تصويره من الخارج، فجعلوا من جهدهم جهدا ضائعا, إذ ما قيمة وثائق تجمعها وتنفق عليها الأموال ثم تحجبها عن الباحثين، والأغرب ان بعضا إن لم يكن كثيرا من هذه البلدان اهملت تراثها ومصادر تاريخها في داخل بلادها وتركته نهبا للآفات والضياع والعبث والحرارة والرطوبة, السبب في ذلك ليس هناك لدى بعض القائمين على هذه المراكز إيمان بأهمية الرسالة الثقافية والحضارية التي يقومون بها، وتقتصر نظرتهم على الجانب الوظيفي من حيث الانتدابات والرحلات الخارجية في مناسبة وغير مناسبة والعمل خارج الدوام، والوجاهة الإعلامية، والتركيز على هذا الجانب الأخير وكأنه هدفهم الأول فإذا عملوا عملا بسيطا اشغلوا كل وسائل الإعلام حديثا عنه وكأنهم قاموا بعمل خارق, العلماء والقائمون على البحث العلمي لا يتكلمون بل يدعون اعمالهم تتكلم عنهم وعن نفسها.
* يعزف الكثير من الباحثين عن التعاون مع المراكز العلمية سواء كان ذلك في نشر نتاجه المحقق او في تقديم الوثائق,, ما السبب في هذه القطيعة في نظركم؟ ومن الذي يتحملها؟
التعاون مطلوب وضروري وأساسي بين الباحثين وبين المراكز العلمية، ولكن يبدو ان هناك حلقة مفقودة بين الطرفين ولعلها الحلقة المتعلقة بالناحية التنظيمية المنظمة لتلك العلاقة بين الباحث ومركز البحث, فلا زالت العلاقة الى حد كبير تحكمها المزاجية خاصة بعض المراكز العلمية, وهذه المزاجية تحكمها عدة عوامل منها المعرفة السابقة بالشخص الباحث او الانتماءات الشللية او المصالح الشخصية المنفعية نفعني ونفعك فأعرف بعض جهات من مهامها القيام بنشر أعمال المؤلفين لا تنشر إلا من يقع في أي من الخانات التي اشرت إليها.
وإذا كان للمؤلف من حق لقاء عمله فإن ذلك الحق يتفاوت من حيث التقييم اعتمادا للصداقة او التنفيع المتبادل، وربما هذه من العوامل التي تعيق التعاون بين الباحثين والمراكز العلمية او الجهات الحكومية المسؤولة عن النشر مثل النوادي الأدبية على سبيل المثال, والنشر الجامعي لأعمال المؤلفين والمحققين من أعضاء هيئة التدريس بأخذ فترات طويلة قد يستمر سنوات قبل ان يصله دوره في النشر مما يجعل البعض يلجأ للنشر الخاص او يبحث عن ناشرين خارج الجامعة او تظل اعمالهم محبوسة في الأدراج.
اما ما يتعلق بالوثائق واقتناع البعض من تقديمها لمراكز البحوث او الجهات المسؤولة عن حفظ الوثائق فهذه قضايا فردية بسيطة والزمن وارتفاع الوعي والحس الوطني والارتقاء الحضاري لدى مالكي هذه الوثائق كفيلة بحلها, ولكن السؤال الذي يجب ان نطرحه وبهذه الصيغة، لماذا المراكز العلمية كما تسميها أنت أو مراكز حفظ الوثائق كما اسميها أنا، لماذا لا توجه كل جهودها للبحث عن الوثائق الرسمية التي تعيش في ظروف وأجواء صعبة في مباني الدوائر الحكومية القديمة وتنقذها وتفهرسها وتقدمها بكل يسر وسهولة للباحثين للاستفادة منها في بحوثهم وهذا هو عمل تلك المراكز الأساسي وليس اضاعة الوقت والمال بحثا عن وثيقة هنا ووثيقة هناك من بدوي هنا وقروي هناك او جلب وثائق من ارشيفات العالم ثم وضع قيود لا اول لها ولا آخر على من اراد الاستفادة منها من الباحثين فدور هذه المراكز ليس القيام بالبحث الأكاديمي ولكن تسهيل مهمة الباحثين واقتناء كل ما يساعد الباحث على إنجاز بحثه.
* كثيرة هي المشاريع والموضوعات العلمية التي ترتبط بالوثائق لكن ما هو المشروع الذي لطالما حلمتم ان يتحقق وتتمنونه ان يخرج عن طريقكم او غيركم من المعنيين بالتاريخ؟
احلم باليوم الذي ارى فيه ما جمعته من وثائق منشورا وكماهو يستفيد منه كل الناس وأرجو الا يطول أمد هذا الحلم، فالأعمال العظيمة تبدأ حلما ثم تتحقق مع الإصرار في الوصول الى الهدف.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved