يحدث أحياناً أن تبحث عن قارىء كما تبحث عن إبرة في كومة قش، أو تبحث عن ضوء شمعة وسط بحر من الظلام والعتمة,,!!
شعور الكاتب بأن ثمة من يقرأ كلماته ويستمتع بها ويبدي رأيه فيها دائماً (سواء كان ضدها أو معها سيان),, ذلك يبعث احساساً رائعاً بأن ثمة أصداء وأنه لا يكتب لعالم أصم أبكم,, بمعنى انه يكتب لنفسه,, وحول ذلك يروي لنا الكاتب الاديب الراحل جبرا ابراهيم جبرا هذه الحكاية الطريفة ضمن احد مقالاته,, ويقول:
انه كان يمشي في احد الاسواق القديمة من مدينة عربية يزورها لاول مرة,, فأقبل اليه شاب وبادره بالتحية والحديث قائلا: انه عرفه من صوره التي يراها في المجلات,, اضافة الى أنه يعرفه من خلال كتبه وأنه يقتني الكثير منها,, ويقول جبرا,, وقد سرني ذلك بالطبع.
ثم رافقه الشاب بعض المسافة ليعينه في بعض مشترياته,, وكان ذكي الكلام,, سريع النكتة,, وفجأة حين احتج الكاتب على أحد الباعة مازحاً بأن بضاعته غالية,, قال له الصديق الجديد: (وأنت يا أستاذ ايضا,, كتبك غالية) فأكد له الكاتب بأن السعر يقرره الناشر وليس المؤلف,.
وأضاف: المهم انك اشتريتها,.
فضحك وقال: لا,, انا طالب معدم فمن اين لي ان اشتري كتبك؟ لقد سرقتها كلها واحداً واحداً!)
ثم قال: والمشكلة هي ان بعض كتبك كبير الحجم، ويصعب دسه في نطاق البنطلون,, مثلا كتابك (ما قبل الفلسفة) لم أفلح حتى اليوم في اقتنائه,, لانني لم افلح في اخفائه داخل نطاقي واموت خوفا من الفضيحة ان حاولت واكتشف امري,, ولكنني لم اقطع الامل بعد,,!
ويقول جبرا ابراهيم في آخر الحكاية ان ذلك الطالب اصبح اليوم من الكتاب المبرزين فكراً وأسلوباً ,, وهو الآن يضيف كتبا من تأليفه أو ترجمته الى المكتبات ولعل كتبه تغري الطلاب المعدمين بسرقتها,, حلالا او حراما,, سواء بسواء,.
ورغم ان الكاتب لا يؤيد السرقة أبداً باعتباره حارسا للمبادىء والقيم,, أو هكذا يكرس نفسه، إلا أن وجود قارىء حريص على القراءة الى هذه الدرجة يجعله يشعر بمنتهى السعادة الى الدرجة التي تنسيه كيف حصل عليها,, وحسبه من هذا الانسان انه قارىء في عالم يفيض بعلامات الجهل والأمية!
|