| محليــات
أعلنت الرئاسة الإرتيرية صباح أمس أنها أكملت منذ مساء أول أمس سحب قواتها من الجبهة الوسطى (قطاع زالانبيسا) الذي كان استيلاء قواتها عليه في مايو عام 1998 السبب الإثيوبي الرئيسي في إعلان الحرب التي لم تزل نارها مشتعلة حتى اليوم بعد مرور عامين عليها.
ولكن الفرحة بهذا القرار الإريتري التي ساورت كل من أمل في أن تضع هذه الحرب المجنونة بين الجارتين الشقيقتين أوزارها مع انتفاء السبب الذي أشعلها لم تتم بعد أن أعلنت الحكومة الإثيوبية أنها لن توقف الحرب لأن الانسحاب الإرتيري المعلن صباح أمس مضحك وأنه إهانة لذكاء المجتمع الدولي .
ومعنى هذا ان الحرب المجنونة ستستمر حتى تقرر القوة المنتصرة فيها حتى الآن وهي إثيوبيا وقفها أو حتى تعيد القوة المنهزمة وهي إرتيريا تنظيم صفوف مقاتليها وإعادة تزويدهم بالسلاح لكي تستمر الحرب!!
وإذا صح عزم القيادتين في أسمرة وأديس أبابا على مواصلة الحرب فإن ذلك يجعلهما في حالة طالبي لذة الألم التي لا تتحقق بغير جلد الذات وهي حالة مرضية نفسياً وعضوياً عرفت تاريخياً وثقافياً باسم السادية نسبة الى نبيل فرنسي عاش في القرن قبل الماضي يحمل رتبة ماركيز ويدعى دي ساد !
ولكن الماركيز دي ساد لم يصل في طلبه من لذة الألم بجلد الذات (بمعنى تعذيب النفس أو الآخرين) الى الحد الذي وصل إليه مَن يمارسون حرب الحدود بين إثيوبيا وإرتيريا، ويقررون الاستمرار فيها من أجل مزيد من الضحايا الذين يتعذبون بآثارها المأساوية من أبناء وبنات شعبيهما الذين يعانون الآن شتى صنوف العذاب والآلام بين إصابات في المعارك، وجوع قاتل، وتشتت بين أفراد الأسر، وفراق للديار، وضياع للمتاع وغموض في الرؤية لما قد يكون عليه المستقبل القريب قبل البعيد.
إن ثلثي شعب إرتيريا (نيف وأربعة ملايين نسمة) أصبح في عداد المشردين عن ديارهم ومن اللاجئين الى إلجار السودان مع عذابات كل ما يعنيه اللجوء وانعدام أبسط مقومات الحياة والصراع من أجل القليل الذي يستطيع السودان تقديمه في ظروفه الاقتصادية الراهنة.
وفي إثيوبيا يعاني ما يزيد على ثمانية ملايين نسمة (60 مليون نسمة) نفس العذابات بسبب اللجوء والموت جوعاً!
والعالم كله يتحدث عن هذا الواقع المرير الذي يعيشه ويعانيه الشعبان الشقيقان الجاران الإرتيري والإثيوبي.
والعالم كله يسمع أنات الجوعى وحشرجات المشرفين والمشرفات على الموت وبكائيات الذين يحنون للعودة إلى ديارهم والعيش في أمن وسلام.
وحدهم صناع القرارات في أسمرة وأديس أبابا الذين لا يسمعون تلك الأنات ولا يرون الذين يتساقطون صرعى الجوع، والذين يموتون كما تنفق البهائم دون رحمة أو شعور إنساني بهذه المأساة.
إن أسوأ ما يمكن ان يسيء إلى سمعة حاكم هو أن يجعل السلطة في خدمة أطماعه ووسيلة لإشباع نهمه الانتقامي حين يتملكه الحقد الأسود بل الأعمى.
ونربأ بحكام إرتيريا وإثيوبيا من أن يكونوا كذلك.
ولذلك نضم صوتنا إلى كل الأصوات الإقليمية والدولية التي تدعوهم لوقف القتال فوراً وسحب القوات إلى خطوط ما قبل مايو 1998، واللجوء إلى الحوار عبر طاولة المفاوضات لتسوية أسباب هذه الحرب ووضع ميثاق شرف بعدم العودة إلى السلاح لحسم أي نزاع بينهما في المستقبل.
الجزيرة
|
|
|
|
|