يا أنتِ,,.
هذه اللحظات تمرق كالوميض,,.
وأنتِ تتمادين في البعد,,,،
أتذكرين حين سألتكِ: هل أنتظركِ؟ أم أمضي,,, تأخذني القوافل إلى المحطات البعيدة,,.
قلتِ لي: انتظريني,,.
سقطت هذه الكلمة مني ليس في سمعي، وإنما كانت تحمل كلَّ تفاصيل تعبيركِ إليَّ كلِّي,,, وأنتِ تؤكدين أنكِ لن تتخلي عنِّي,,, فكيف تفعلين؟ ولماذا تفعلين؟
ألا تعلمين بأنَّ الدروب موحشةٌ، مقفرةٌ,,,، وأنَّ الخريف تساقَطُ أوراقُ أشجارِهِ على سطوح القوافل؟ وتتبخّر فيه حتى ندوة السراب؟,,.
أنتِ لستِ سراباً,,, فكيف تفاجيئنني؟,,, أنتِ لستِ مثلهم,,, فكيف لا تأتين؟
ولماذا لا تصغين إلى حفيف الريح، وهي تحيطني في دوامات الفقدِ المتلاحقةِ تلفني، وتلفني حتى أغرق في قاعٍ مليءٍ بكلِّ ما يوخزني,,,، وأنتِ كنتِ تقولين إنك السياج الذي يحميني، والصّدر الذي يأويني، والعين التي تحرسني، والقلب الذي يحويني؟ فأينكِ؟ وأينكِ؟ وأينكِ,,, وأينكِ؟,,.
غادَرتني الابتسامة، منذ أن فقدتُكِ في الدرب،وتلفتُّ من حولي أبحثُ عنكِ، وقد كنتُ أتحدَّثُ إليكِ، وأنا أعبر هذه الطرق الطويلة، وأنتِ بجواري، تارةً تلتصقين، وتارةً تتفاوتين,,,، وعندما غاب عني صوتُكِ,,,، حسبتُكِ تمرِّين ببطءٍ,,,، وأنَّكِ معي على مسافةٍ قريبة، لكنني فجأة اكتشفتُ أنَّني أمضي وحدي، فزادت غُربتي، وعُمقت وحشتي، وانثالت دموعي، حتى حسبتها سيلاً عرِماً، أحاط طرقاتي، ودروبي، فتعطَّلت قدماي عن المضي,,.
عهدي بكِ وفيةً لا تتخلفين عن وعدكِ,,.
فما الذي أحاط بكِ,,.
لماذا تأخرتِ، ثم غبتِ,,, ثم لم تَعُودي؟,,.
اللحظات تمرق كالوميض,,.
وأنتِ لمَّا بعد تعودين.
وكلُّ شيء هادىء، موحش، صامت بدونكِ,,.
أنتِ تعلمين أنَّ كلَّ شيء حولي هو لكِ، وعنكِ، ومنكِ، وإليكِ,,.
الصوت تلاشى,,.
والقول صمت,,.
والكلمات توارت,,.
وكلُّك اختفيتِ
والضحكة رحلت، والابتسامة سافرت، والاطمئنان ضاع، وأحاطني الفقدُ من كلِّ الجهات,,,،
أنتِ,,, أدري كنتُ، تريدينني أن أسكنَ، وأفرحَ,,.
ولكن، كيف؟؟
وقد نزعتِ عن السكينة غطاءها فنهضَت متوثبةً ورحلَت،
وألقيتِ بالفرح في بئرِ الوحشةِ، والأحزانِ,,,؟ وأنتِ,,,، حاولتِ قبلاً أن تُخرجيني من هذه البئر,,,، وكدتِ أن تنجحي، وإنِّي لم أكن بَعدُ قد غادرتُه بكلِّي عندما تركتِني في لمحةٍ، فسقَطتُ لأتَهَشَّمَ كلِّي,,,، تناثرتُ قطعةً، قطعةً,,, وأنتِ لا أدري تدرين أو لا تدرين ما الذي فَعَلتِهِ بي,,,، أتذكرين؟! حين عاهدتِني ألاّ تفعلي,,,، لأنَّكِ لن تكوني السَّياف لرمقي الأخير,,.
لماذا,,,؟، وكيف,,,؟، ومتى باغتك القرار؟,,, و,,, و,,, و,,, وفَعَلتِ
أتظلين راحلة، مختبئة، بعيدة، صامتة؟,,.
أتذكرين كذلك عندما قلتِ لي,,,: لا تتركيني حتى لو طلبتُ إليكِ ذلك؟,,, ففعلتِ بي ما لم أطلبه منكِ,,, لأنني لم أكن لأطلبُ ذلك أبداً؟!
أفلا تعودين؟,,.
إن كنتِ ستفعلين فقط عودي لثانية وأخبريني لماذا؟ وكيف حدث أن غيّرتِ بوصلتكِ ويمَّمتِ شطرَ الرحيل؟,,.
هل ذهبتِ صوب البدر لتقتاتي من ضوئه ما تتمِّين به الرحلة,,,؟
أم هل غادرتِ إلى مدن الرذاذ لتسقي شجراتكِ,,.
هل لحقكِ خريفي فهربتِ إلى الربيع؟,,.
أنتِ قد عَبقَرتِ الحياة من حولي وحولَكِ حتى استحال الضامرُ بكِ مترفاً، والدَّاكن بكِ مشرقاً، والعطِش بكِ ريَّاناً,,.
قولي بربِّكِ، كيف استطعتِ أن تكسري طوق النجاةِ الذي طوّقتِني به؟,,.
ألَم أحدِّثُكِ عن البحر,,, وكيف هي حكاياتي الموغلة في الموتِ معه؟,,.
أَلَم أبُح لكِ عن سرٍّ استقرت مفاتيحه عند حدِّ التلاحم بين طرفي طوقِ النجاةِ الذي أهديتِني؟
ألَم تكوني قد عَرَفتِ أنَّني أوشكتُ ألحقُ بالنهاية فأوقفتِني؟
كيف إذن تَفُضِّين عن الطوقِ لِحَامَهُ، وتكونينَ مَن يُغرقني,,, ويُوصلني إلى النهايات في بئر الوحشة والغربة؟!,,.
ربما تكونين ذهبتِ مع موجةٍ وتعودين مع أخرى,,.
لكنَّكِ تدرين أنَّكِ تسندين قدميكِ وهما تغادران الشاطىء إلى المركبة فوق ظهري، أنتِ تعلمين أنَّه سنُدكِ,,, ومرساتُكِ,,.
لكنَّكِ تجهلين أنني يمَّمتُ صوب المدى,,, عَبَرَت قافلتي منطلقةً إلى حيث لا تدرين,,.
وقد اندست قدماي في صندوقٍ محكمٍ كي لا تعودا إلى عكس الاتجاه,,.
فاهنئي في رحيلكِ,,.
فرتابة الزمن تمزج المواسم والمراحل حاضراً وآتياً,,.
فاسكبي شيئاً من الدموع كي تمحوَ نداءاتي,,, وأوغلي حيث تريدين
سأكون في كلِّ الحالات إليكِ,,.
وأنتِ تعلمين ذلك شئتِ أم لا,,.
فمنذ كنتِ، وعندما ذهبتِ، وكيفما يكون,,.
في صحوي ونومي، وحياتي ونهاياتي,,, أنتِ مَن يخطُّ لي نقطة الاتّجاه,,.
ويمتزج بخطوي,,.
* مهما أوغلت الراحلة في المدى، ولفَّتني الوحشة,,؟ وغرقتُ في صمتٍ أبدي لا أحد يخرجني منه,, وعندما تطويني عنكِ الأزمنة,,, والأماكن,,.
فأنتِ معي,.
أنتِ معي,.
أنتِ معي,.
ما هو أعلى: سطور من مروق الوميض د, خيرية إبراهيم السقاف
|