| الثقافية
الموت الذي يقابلنا في حادثة الابن (فؤاد) مع (الجربيدي) يقابله قتل الأب (زكريا المرسلني) (لخريادس) مما يدل أن النص يحكي تاريخاً لا يستطيع أن يرويه السارد (الأب) بل يسقطه على تاريخ (الابن) إيغالاً في ابتعاد النص عن السيرية.
لقد بدا القتل محوراً فعالاً في تحول النص وشخوصه من حالة الاتزان إلى حالة اللاتوازن.
الطور الثاني:
"الصيادون لا يطلقون النار في كل الفصول" (الرواية49)
بعد حادثة القتل تم تحول كبير إذ هرب (المرسلني) للغاية ليبدو شخصاً نادماً يرغب في الصلاح عبر الصلاة والطمأنينة مع الزوجة (بدا لي عندئذ أن الحياة حلوة هكذا بدون ذهب ولا ماس، وليس من صديق إلا البحر، هو وحده الذي يقبلني) (الرواية29) "وسرقت صنارة مع خيطها ولو طلبتها لأعطانيها" (الرواية31) وكذلك "لوكان القطيع الذي رأيت أغناماً لسرقت خروفاً وأكلته" (الرواية38) ليكتمل التحول بظهور الأنثى في هذا الطور.
معول التحول:
الأنثى (شبيكة) هي الفاعلة لذلك التحول "اهتمامي الآن محصور في نصفي الفوقي"، "أنا صرت مستريحاً ولا شأن لي بالمرأة" (الرواية: 40),تم له ذلك بعد أن تعامل معها بسياسة دون اندفاع وتهور، لا كما حدث سابقاً مع زوجته وصاحبة الخانة، مطبقاً نصيحة صديقه التي تبدو على خلاف ظهورها السابق"أنا لم أحفظ هذه الحكمة، لم أخلق لأحفظ أي حكمة" (الرواية:41) على الرغم من أن عمله يحتاج إلى كثير من السياسة والانتظار (الصيد) من خلال معادلة:
الطعم في مقابل السمك.
مرارة الانتظار في مقابل الفوز بالغنيمة.
يصل التحول إلى قمته عندما يعترف لها بأنه على "استعداد أن يترك لها السمكات ويمضي ,,,," (الرواية:48).
أما آلية التحول: فعن طريق إعادة المفاهيم التي لم يكن يتعامل معها بل لم يكن يصدقها في طوره الأول، كما نجد ذلك من خلال حواراته مع (خريدياس) (الرواية: 4849).
وبخاصة مع جملته المركزية "الصيادون لا يطلقون النار في كل الفصول" الرواية: 49)، يتقاطع ذلك عما عليه في طوره الأول من مبدأ (الصياد هو الصياد لا يمكن أن يترك طريدته تفلت) (الرواية49).
تتغير حضورية الأنثى بتغلبه على مفهوم "وضع المجيدي" ذلك العضو الجسدي المادي عند التعامل معها، إذ أنه يقدم على المساعدة (شواء السمك) من مبدأ كونها "مهجورة وجائعة أيضاً" (الرواية:49).
مظاهر التحول:
احساسه بجماليات الأشياء، إذ ظهرت لديه جماليات لم يكن يراها "رائحة القهوة"، لذا فقد بدأ واضحاً ظهور حاستي الشم والإبصار جلية في هذا الطور.
ظهور التفاعل مع الصديق: إذ أنه آمن بمنطق عبعوب، كما يبدو ذلك جلياً في حواره مع الصديق وقبوله النصيحة (الرواية: 5253).
ظهور الندم: "وفي الجبل الملاصق للبحر أعيش، الندم !الندم إيا إلهي أنا الضخم كجاموس,, أحسست وربما لأول مرة في حياتي بالرغبة في أن أركع وأصلّي (الرواية: 30).
حبه للكائنات: إذ بدأ حبه للكلاب والقطط والعصافير (الرواية: 82) بالإضافة لثبات محبته للسمك والبحر.
تغير مبدأ الاصطياد: حيث أنه في السابق مهنة ومتاجرة إلا أنه الآن لإقامة الحياة (في السابق ما كنت أفعل هذا ما كنت أبلل قدمي لأجلها، ها أنا أسبح في البحر وراءها أقامر بكل شيء حتى سمعتي كصياد,, لو رآني زميل لفضحني)
(الرواية: 94) وقوله (أحب لاسماكي أن تبقى قليلاً على الرمل المبلل,, الرمل المبلل يجعلها تموت وهي تحسب أنها تنام في الماء) (الرواية:96) وكذلك (الرواية :100).
بروز قيمة الغابة مقابل قيمة البحر: كما يبدو في نصوصه حول قيمة الغابة، لقد استشعر وكأن روحاً جديدة تدب فيه (تجولت في الغابة حتى أنساني التجوال همومي كانت الريح قوساً على الأغصان ذات الإبر تحتك وتولد همساً رخيماً,,,) (الرواية: 64).
التصريح بالتحول:
وقد صرح بهذا التحول، بقوله "زكريا، يا عبعوب لم يعد حماراً منذ رفس زخريادس "(الرواية: 53) وقوله "أنا الآن إنسان على نحو ما، يقينا تبدل في شئ، ندمي على ما اقترفت فجر نبعاً شحيحاً في الصحراء التي في داخلي "(الرواية: 96) كذلك موقفه مع التركمانية يغاير ما كان يعامل به زوجته وصاحبة الخانة "لعلها الأولى في حياتي التي تحض باعتبار الإنسانية مني وتنتزع المودة من ضعفي "(الرواية: 67).
أسامة الملا
|
|
|
|
|