| مقـالات
الطبيعي انه كلما ارتفع المستوى التعليمي والثقافي بالمجتمعات قلَّت السلبيات وتعززت الايجابيات على كل المستويات، وصارت الطليعة المثقفة تمارس قيادة التنوير الاصلاحي عبر الصحافة الوطنية بفاعلية اكثر كشريك للقطاع العام، وداعم له بالنقد البناء والطرح المفيد والتوعية للرأي العام باهمية ما يتخذ أو يجب ان يكون لخدمة الصالح العام, ومن عايش صحافتنا المحلية الماجدة قبل سنوات عندما كان المواطن المتعلم سلعة غالية والكاتب الوطني عملة نادرة يعجب كيف كانت صحافة الامس بامكانياتها المالية القليلة والتقنية المتواضعة والبشرية البسيطة تمارس دورها الوطني بمسئولية تاريخية فائقة النجاح، تنقد بجرأة وتحاور بصراحة وتقترح برؤية مستقبلية صائبة التوجه والتوقع , وكانت الحكومة وقتها تقرأ في الصحافة المحلية نبض الشارع العام وتجد في الصحفي المواطن فارس الكلمة الامينة للحكومة والمجتمع معا، مما وضع الصحافة في مقصورة القيادة الادارية والاجتماعية الناجحة, اما صحافة اليوم ورغم عصر العلم والعولمة وتوافر كل الامكانيات لها المالية الضخمة والتقنية الفائقة والقوى البشرية المتعلمة المتزاحمة على حجز الاعمدة والافواج الاخرى المتتابعة الواقفة خلف الابواب وامام النوافذ على أمل ان تجد لكلمتها موقعا في صفحة، فانها مع ذلك كله اثرها في الوعي الاجتماعي وتأثيرها في الاصلاح الاداري محدود وعندما يطرح تساؤل لماذا يحلو للبعض القول ان عصر الفضائيات والانترنت لم يدع مجالا لمقالة كاتب جيد ان تقرأ فتؤثر وان هامش الحرية الضيق حد من حركة الصحافة في السعي والمتابعة والقول بهموم البسطاء والضعفاء الذين هم جمهور القراء، والطرح بما يحقق تطلعات الوطن والمواطن وهذا القول عند شهود صحافة الامس واليوم هو قول مردود وحجة واهية، فالصحافة الجادة في كل وقت وظرف ورغم توافر كل وسائل الاعلام الاخرى تظل هي مائدة المواطن في كل وطن، وهامش الحرية المتاح لصحافة اليوم يسمح لها بممارسة دورها الوطني الفاعل في مشروع التنمية ادارة وانسانا, ودليل ذلك ما يجده القارىء في كتابات الندرة المتميزة بالنقد البناء والطرح الجيد، وما يطالعه المواطن عبر هذه الصحافة نفسها من تصريحات من هم على قمة هرم السلطة في نقد بعض الظواهر السلبية ودون ان يكون للصحافة دور السبق والمشاركة او المتابعة, وعلى سبيل المثال فان صاحب السمو الملكي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء اصدر كثيرا من التوجيهات التي تطالب الادارة بالحد من الممارسات الخاطئة والهدر المالي ومنها نشر التهاني بالتعيين او بالترقية او التعزية.
ومثال اخر فان صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية في لقائه مع رجال الاعمال والطلبة والطالبات سعى بنفسه لمعرفة النبض العام بصبر من لا يضجر من سؤل وثقة من لا ينصرف عن سماع رأي، وقام بتبني طرح محاربة الكثير من ظواهر السلبيات ومنها ظاهرة الاسراف في نفقات الحفلات.
ومثال ثالث ان صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل العضو المكلف من المجلس الاعلى للبترول برئاسة وفد التفاوض مع شركات الاستثمار أعلن في مؤتمر صحفي ان الدولة اتخذت قرارا صارما وحاسما بعدم افساح المجال لاصحاب النفوذ او السماسرة للاستفادة من عقود الشركات، ومع ان هذا حدث اقتصادي واداري هام تناقلته واشادت به كبريات الصحف العالمية باعتباره من مظاهر الاصلاح وتشجيع الاستثمار فان الصحافة المحلية بقيت صامتة ساكتة غير متفاعلة مع هذا الحدث.
وخلاصة القول ان صحافة اليوم لم تعد كما كانت بالامس صوت الموطن وعين القيادة على اجهزة الدولة وانما اصبح مسمى صحافة يكتسي بثوب القطاع العام ويأخذ عنه اكثر سلبياته في الادارة والممارسة ويتصف بصفاته بالتظاهر في المظاهر، فصارت صورة الكاتب تعلو اسمه واختيار مواقع النشر لا تعطى لأهمية موضوع وجودة مضمون، وانما لمصلحة او معرفة، وفيهم كتاب اعمدة اعطوا ما عندهم وتجاوز الزمن محور اهتماماتهم ولم يعد السبق على الخبر المفيد واكتشاف المستور للتحقيق هو الهدف، وانما اصبح المقصود هو التسابق بالمديح للانتفاع والنقد للاستعراض فيما يكتب لينشر.
|
|
|
|
|