| مقـالات
تتجه دول العالم المعاصر الى برمجة السياحة وتنظيمها، لاعتبارات عديدة منها:
كونها معلما من معالم الحضارة الحديثة، وعنوانا على التقدم.
أنها تشكل عنصرا مهما من عناصر الاقتصاد، ومصدراً ثراً لميزانية الدولة.
أنها وسيلة لاندماج الامم بعضهم ببعض، وتمازج ثقافاتهم ومن هنا أنشئت في كثير من البلدان السياحية مدارس لتعليم اللغات، وتاريخ الفنون والآثار، وادارة الفنادق, الى غير ذلك.
وقد بدأ الشعب السعودي يهتم بالسياحة منذ عقود من السنين، وصار يزداد عدد السياح السعوديين في الخارج، حتى اصبح معدل العدد يبلغ نحو ثلاثة ملايين سائح سنويا، ينفقون اكثر من واحد وثلاثين مليار ريال، أي ما يعادل 17% من إيرادات النفط، وفقا لأحدث إحصائية ذكرها أحد كبار المسئولين المعنيين بالسياحة.
لذلك جاء اهتمام الدولة في هذه البلاد الكريمة بالسياحة الداخلية، ولاسيما في هذا العام، الذي انشئت فيه الهيئة العليا للسياحة, وتوج ذلك بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان أمينا عاما للهيئة, وهو دون شك محل للمسؤولية.
وحيث قد اصبحت للسياحة هذه الاهمية، كان من المناسب طرح الموضوع بأسلوب موضوعي تأصيلي, في ضوء الفقرات التالية:
السياحة في لغة العرب:
جاء في لسان العرب لابن منظور (1) ما ملخصه: السياحة مصدر ساح يسيح سيحاً وسيحاناً: إذا جرى على وجه الأرض، ويقال: ساح في الأرض يسيح سياحة وسيوحاً وسيحاً وسيحانا: أي ذهب، والسياحة: الذهاب في الأرض للعبادة والترهب.
وقال ابن حجر: وحقيقة السياحة: ألا يقصد موضعاً بعينه يستقر فيه (2) .
السياحة في النصوص الشرعية:
جاءت مادة (ساح) في القرآن العظيم في أكثر من موضع كقوله تعالى: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) التوبة 1.
قال الطبري في تفسيره: يعني فسيروا في الأرض مقبلين مدبرين، آمنين غير خائفين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه، يقال من: ساح فلان في الأرض يسيح سياحة وسيوحاً وسيحاناً (3) .
وقوله تعالى في السورة نفسها الآية رقم 112: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشّر المؤمنين).
وهذه صفات من يحظى بالفوز العظيم المشار اليه في الآية التي قبلها، ومعنى (السائحون): الصائمون، في قول كثير من المفسرين, وقيل: السفر في طلب العلم، وقيل: سياحة القلب في معرفة الله ومحبته.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: (والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات، كالحج والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك) (4) .
وينبه ابن كثير الى أمر مهم فيقول: (وليس المراد من السياحة في الآية ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن ذلك ليس بمشروع، إلا في أيام الفتن (5) .
السياحة عند المسلمين:
عرفت السياحة عند المسلمين، ولكن باسم: السفر، أو السير في الأرض حسب التعبير القرآني.
حيث كان المسلم يجوب الآفاق، وبخاصة في دار الاسلام الواسعة، طلباً للعلم، أو التجارة، أو من أجل الجهاد، أو الاعتبار والادكار، وذلك استجابة لنداءات القرآن الكريم، في مثل قوله: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) العنبكوت 20.
وقوله جل وعز: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) الملك 15.
وعرفت السياحة عند علماء الاسلام باسم: (الرحلة في الطلب، حيث كانوا يتنقلون من مدينة إلى أخرى لذلك القصد.
وكانوا يحثون عليها، حتى قال قائلهم:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج همّ، واكتساب معيشة وعلم، وآداب، وصحبة ماجد |
ولم يكن أولئك العلماء يسيحون في غير هدف، أو من أجل التعبد، وإنما وقع في هذا بعض العباد والزهاد والمتصوفة الذين لم يرسخ العلم في عقولهم وقلوبهم، أسوة بالأمم السابقة الذين شاعت عندهم الرهبانية والسياحة في الأرض، كالنصارى.
السياحة في المفهوم الحديث:
من خلال العرض السابق يتبين أن مفهوم السياحة مرتبط بالدين والعبادة، أو أنه سيحان إلى غير هدف محدد.
وهي بهذا نوعان:
أ نوع مشروع، أو جائز، وهو الصوم حسب المفهوم الشرعي, أو السفر من أجل طلب العلم، أو الجهاد أو التجارة، ونحو ذلك.
ب نوع ممنوع، وهو التبتل والانقطاع للعبادة، واعتزال الناس في البراري بيد أن مفهوم السياحة تطور في العصر الحديث، بحيث لم يعد مرتبطاً بالدين والعبادة، بل أصبح من الشؤون الدنيوية العادية.
ولذا عرّفها المجمع العلمي بالقاهرة بأنها: (التنقل من بلد الى بلد طلباً للتنزه، أو الاستطلاع والكشف) (6) .
ويبدو ان هذا المفهوم هو السائد والمتبادر الى ذهن معظم الناس، بمعنى أن الانسان يسافر ويتنقل من مكان الى آخر، من أجل الترفيه، أو الاستطلاع.
لكن الموسوعة العربية الميسرة أشارت الى أغراض اخرى، منها: حضور الاجتماعات الدولية، والسفر للعلاج، والتجارة (7) .
أغراض السياحة:
في ضوء المفهوم السابق، ومن خلال استقراء واقع السياحة في دول العالم السياحية، يمكن استنتاج الأغراض السياحية الآتية:
1 أغراض سياسية:
ويأتي في مقدمتها، تجسيد العلاقات الدولية، وتفعيلها عن طريق الأفراد والشعوب، والعملية الدعائية، غير المباشرة، للبلاد، جراء ما يجده السائح من الخدمات والتسهيلات.
2 أغراض اقتصادية:
حيث تعتبر السياحة من الموارد المالية المهمة لكثير من دول العالم، بل تعتبر المصدر الاساس للدخل في عدد من الدول، كإنجلترا وفرنسا واسبانيا وبعض الدول العربية.
3 أغراض ترفيهية:
وهي أغراض رئيسة بالنسبة للسائح نفسه، لأن السياحة تجيء بعد عمل (روتيني) جهيد، فيخرج السائح من بؤرة الرتابة وينعتق من كثير من الكوابح والتقاليد، بل ربما تصور بعضهم أنه في حل من الانضباط الديني والخلقي، ولاسيما أنه يرى الأسباب مهيأة، والأبواب مشرعة في بلد السياحة، كما هو ملحوظ في الدول الغربية بعامة، حيث توافر أماكن اللهو بأنواعه، وأنواع المطعوم والمشروب، والشواطىء المختلطة والمتبرجة، والمعالم الأثرية والجديدة,, الخ.
فيقبل عليها السائح بنهم شديد، ليشبع رغبته قبل إيابه وعودته.
خصائص المملكة العربية السعودية:
تتميز هذه البلاد بخصائص وسمات تنفرد بها عن معظم بلدان العالم، ويجيء في مقدمة ذلك:
1 خصائص جغرافية (مكانية)، حيث يوجد الحرمان الشريفان في مكة والمدينة.
فمكة بلد مقدس ليس له نظير في العالم، نظراً لوجود الكعبة المشرّفة والمسجد الحرام، ومقام إبراهيم، وماء زمزم، هذه الى بقية المشاعر المقدسة (منى، ومزدلفة، وعرفات).
وقد ارتبطت بها أفئدة المسلمين، فصارت الكعبة وهي أبرز الشعائر قبلتهم، وصار المسلمون يفدون الى هذه المشاعر من أقصى الأرض الى أدناها لأداء شعيرة الحج والعمرة.
وأما المدينة ففيها المسجد النبوي الشريف، ومسجد قباء، ومقبرة البقيع، وكلها له شرف ومكان في نفوس المسلمين.
بل ان للمنطقة عموما (جزيرة العرب) خصوصية شرعية، حيث لا يجتمع فيها دينان.
2 خصائص جغرافية (سكانية) تتمثل في كون سكان هذه البلاد مسلمين 100%، وليس للكفار وجود أصلي فيها.
بل إن هؤلاء السكان هم في الجملة من معادن العرب وأصولهم، وقد حافظوا على أنسابهم، كما حافظوا على دينهم وعقيدتهم.
3 خصائص اجتماعية: وتتمثل في الأصالة الاجتماعية لهذا الشعب كما سبق التنويه فهو عريق في أصله ومحتده، وفي عاداته وتقاليده، وأعرافه وعلاقاته.
وقد قامت علاقاته الاجتماعية على تشريعات الاسلام وأخلاقه وآدابه، سواء بين الأفراد، أو بين الفرد والجماعة، أو بين الأفراد والدولة.
ولذا يتميز بقوة العلاقات الأسرية والعائلية، مع سلوك اجتماعي فريد في هذا العصر.
خصائص دستورية (حاكمة):
حيث إن الدولة تلتزم الوحي دستورا لها، وتقوم على حراسة الدين، وتدعو اليه على بصيرة، وذلك واضح في نظام الحكم للمملكة العربية السعودية.
5 خصائص فكرية: وتتمثل في استقامة الفكر والاعتقاد عند هذا الشعب، حيث النهج السلفي الذي جدده الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وقامت عليه فلسفة الدولة السعودية منذ نشأتها.
ونظراً لوجود هذه الخصائص لهذه البلاد نلحظ أنها أصبحت محط أنظار العالم كله، فالكل ينظر اليها بعين التقدير والاحترام، وربما نظر اليها بعضهم من منظور الحسد والغبطة، وكل ذي نعمة محسود.
إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئيم القوم حساداً |
لهذا كان من المفترض ان يكون للسياحة هنا مفهوم أعمق من المفهوم السائد، وأن يكون ثمة أغراض سياحية اخرى اكثر بعداً من الأغراض المشار اليها.
ملامح التميز السياحي لهذه البلاد:
من خلال نظرة سريعة لواقع بلادنا الحبيبة، وفي ضوء الرؤى السابقة نستطيع إبراز ملامح التميز السياحي في النقاط الآتية:
1 أن ابرز مقصد للقادمين الى هذه البلاد من خارجها هو الحج او العمرة او زيارة المسجد النبوي الشريف.
ومن ثم فإن معظم القادمين إنما قدموا لأداء هذه الشعائر، وعنده لا نستغرب اذا كان يقدم الى هذه البلاد سنوياً اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مسلم من اجل هذا الغرض فقط، حسب تقدير أحد المسئولين الكبار.
2 أن القادم الى هذه البلاد من غير المسلمين قد وضع في اعتباره ان هناك مواطن لن يسكنها، بل قد لا يمر بها، وهي مكة والمدينة.
3 أن القادم الى هنا مهما كان عنده من رقة الدين، يعلم انه لن يسمح له بالمجاهرة بالتفحش، كشرب الخمر، ومظاهر الميوعة، وتبرج النساء,, ونحو ذلك.
بل انه يعلم ويرى انضباط المجتمع الديني والسلوكي، والتزامه بالشعائر الاسلامية كالصلاة والصيام، وحجاب المرأة.
4 أنه لا يوجد في هذه البلاد مسارح ونوادٍ ليلية على غرار ما هو موجود في اكثر بلاد العالم، ولاسيما في العالم الغربي، الذي يحيي ليله بالسكر والعهر والرقص.
5 كما أنه لا يوجد شواطىء بحرية تجمع أراذل الناس وأوباشهم من الجنسين في صور وأزياء مزرية.
6 ان من يفعل جريمة تستحق العقوبة فإنه سيؤخذ بجريرته أيا كانت جنسيته، أو ديانته.
7 أنه لا بد من مراعاة النظام العام للدولة، والآداب العامة الاجتماعية القائمة على التقاليد الأصيلة، كالعفة والحياء.
8 أن النظرة الى الآثار الموجودة في المملكة لا تنطلق من منطلق التعظيم والتقديس، كما هو الشأن عند بعض ذوي الاتجاهات المنحرفة، بل إنها مثل غيرها من المعالم.
وأما ما يقدس فهو المشاعر في مكة والمدينة مما قدّسه وعظّمه الملك القدوس جلَّ ثناؤه.
9 انه اذا كان أكثر بلدان العالم السياحية يفتخر بوجود كثرة الآثار فيها، فإن هذه البلاد تفتخر بوجود الحرمين الشريفين والبلدين الآمنين (مكة والمدينة)، وبكثرة المساجد التي تشهد عليها مآذنها ومناراتها الشاهقة، والمنتشرة في المدن والقرى، وعلى الطرق والمتنزهات.
10 وإذا كانت تلك البلدان تفتخر بالزخم الاعلامي الهلامي سواء منه المقروء والمسموع والمرئي, فانه عندنا ينطلق وفق سياسة محكمة متعقلة، تهتم بالحقيقة وتقريرها، أكثر من اهتمامها بالإثارة.
11 وأخيرا اذا كانت اكثر بلدان العالم تفاخر وتعتز بشعارات براقة كالحرية والمساواة والعلمانية، فإن هذه البلاد تعتز بالاسلام، وتنضوي تحت لوائه، وتستظل بظل عدالته، وحكمته وتسامحه.
أجل,, إن السائح في هذه البلاد سيجد نمطاً فريداً من السياحة لا يتوافر في أي من بلدان العالم، قوامه العبودية لله رب العالمين، وشعاره: كرامة الإنسان، ودثاره: القيم الخلقية، ومظاهره، المتعة بالجمال والسحر الحلال.
السياحة التي نريد:
لا شك أن المعنيين بالسياحة هنا يهمهم أمرها كثيرا، ويسعون الى تحقيق أهداف سامية.
وبصفتي واحداً من مواطني هذه البلاد العزيزة، أجدني تواقاً الى رسم خريطة للسياحة المأمولة.
ولعل ذلك يتحقق في الوقفتين الآتيتين:
الأولى: أهداف السياحة الداخلية.
إن نجاح كل شيء مرتهن بوضوح هدفه، وفي ظني أنه متى وضحت أهدافنا السياحية وتكاملت، فإن هذه السياحة ستنجح وتحقق مكاسبها وثمارها المرجوة، والعكس بالعكس لا قدر الله.
فما الاهداف والأغراض التي ينبغي علينا ان نسعى اليها في مسيرتنا السياحية؟
أعتقد جازماً بأن أصحاب القرار في هذه البلاد حينما عُنُوا بتنظيم السياحة لم يكن الغرض من ذلك مجرد ترفيه السائح وتسليته، بل إن الأمر أعمق من ذلك.
وهذه هي الأهداف المنشودة:
1 أهداف اجتماعية: ويأتي في مقدمتها: التعارف مع شعوب العالم، والتعاون على الخير في مجالاته المختلفة، تطبيقا لقول الحق سبحانه: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم,,,) الحجرات 13, وقوله: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة 2, (والمؤمن مألف) كما في الحديث الشريف.
2 أهداف سياسية، ويأتي في مقدمتها: الانفتاح على العالم الآخر، وتجسيد العلاقة معه، ليعرف هذه البلاد وتميزها عن كثب.
3 أهداف اقتصادية، وهو من أهم الاهداف للسياحة في كل دولة, وسبقت الإشارة الى ذلك.
4 أهداف ثقافية: وتتمثل في اكتساب أو إكساب السائح معرفة ثقافية اصيلة واسعة، من قنواتها المختلفة، مثل:
أ المكتبات العامة، كمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، ومكتبة الملك عبدالعزيز، ومركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الاسلامية، ومكتبات الجامعات السعودية,, وغيرها.
وكلها مكتبات نفيسة تحوي ثروة علمية ثرة.
ب المحاضرات والندوات الثقافية العامة، والأمسيات الشعرية، والمسابقات الثقافية المفيدة.
ج الدورات العلمية والثقافية في شتى مجالات المعرفة.
د , معارض الكتب، وما يتخللها من ملتقيات ثقافية.
ه هذا الى ما تحويه وسائل الاعلام في هذه البلاد من برامج ثقافية منوعة.
فكل ذلك وأمثاله من الفرص الثمينة التي ينبغي استغلالها سواء من قبل السائح نفسه، أو من قبل من يعنيه الأمر.
وفي هذه المناسبة اجدها فرصة للتنويه بالبرامج الثقافية الصيفية التي تنظم في عسير، وبإشراف من سمو أميرها سدد الله خطاه.
وأتمنى أن تتضاعف هذه البرامج نظراً لأهميتها في ظل الهيئة العليا للسياحة.
5 أهداف توعوية (دعوية)، مهمتها توعية السائحين وإرشادهم الى ما فيه صلاح دينهم ومعادهم، وأخلاقهم، وذلك بالاساليب والوسائل المناسبة، كالدروس العلمية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، والمحاضرات، والخطب، والمسابقات، وتوزيع المصاحف، والكتب والمطبوعات المناسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وغير هذا مما نيط بالجهات المسئولة، كوزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد، والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أعان الله الجميع.
6 أهداف ترويحية، وهذه مجالها واسع جدا، والمأمول ضبطها من الانفلات كي لا ندخل في جحر الضب.
الوقفة الثانية:
استحضار نقاط مهمة عند التخطيط للسياحة:
1 أنه ليس في الاسلام ما يسمى بالسياحة الدينية، أي تلك التي تتخذ عبادة في ذاتها، كما هو الشأن عند بعض أصحاب الديانات القائمة على الرهبانية كالنصرانية، والبرهمية.
إذ لا رهبانية في الاسلام، وليس هناك انقطاع للعبادة وسياحة في الارض غير هادفة.
2 أنه ليس هناك شيء معظم ومقدس غير ما عظّمه الله وقدّسه، والآثار القديمة ليست مما يعظم، ومن ثم فالنظرة اليها كالنظرة الى غيرها من المعالم السياحية الاخرى.
وعلى هذا فتاوى علمائنا حفظهم الله.
ولذا من الخطأ أن نسمي زيارة مثل هذه الآثار بالسياحة الدينية.
3 أن الشعائر والمشاعر المقدسة التي عظّمها الاسلام ليست في حكم الآثار الموجودة في كثير من دول العالم، بل لها شأن آخر، اذ ليست مجرد شخوص تزين وتجدد من اجل المشاهدة والنظر والترفيه، بل هي مكان عبادة وتعظيم.
4 انه لا يليق إطلاق اسم (سائح) على من قصد الحج والعمرة والزيارة، حيث لا علاقة بين عمل السائح وعمل الحاج والمعتمر والزائر، فالاعمال الاخيرة هي طاعات لله تعالى، أما عمل السائح فهو مجرد عادة دنيوية وفق ما هو شائع أو عبادة مبتدعة ذات طابع رهباني.
إن الحجاج والعمّار والزوّار (وفد الله)و وهو اللقب اللائق والمناسب لهم، ومثله لقب (ضيوف الرحمن) الذي اشتهر، وحفلت به الدولة الكريمة المضيفة.
5 واذا اخذنا بمبدأ (لا مشاحة في الاصطلاح) وأطلقنا مصطلح (السائح) على كل من قدم إلى هذه البلاد بغض النظر عن مقصده الأساس، فالذي يتعين هنا فك الارتباط بين السياحة، والحج والعمرة والزيارة، بحيث تكون السياحة منفصلة تماما عن شعائر الحج والعمرة والزيارة بمعنى ان السياحة تمارس مهنتها بعيدا عن جو مكة والمدينة، فالسياحة كما قلت غير الحج والعمرة والزيارة، إذ إنها السياحة ذات طابع دنيوي ترفيهي، وهو ما لا يتمشى مع مقاصد الحج والعمرة والزيارة.
ولعل القارىء الكريم يشاركني الرأي بأن دمجهما سيكون على حساب العبادة، حيث يتعكر جوها بغبار الدنيا وبهرجها.
والله الموفق.
هوامش:
(1) لسان العرب 2/ 492.
(2) فتح الباري 7/233.
(3) تفسير الطبري 14/111 تحقيق محمود شاكر.
(4) تيسير الكريم الرحمن ص 311.
(5) تفسير القرآن العظيم 2/407.
(6) المعجم الوسيط ص 467.
(7) الموسوعة العربية الميسرة ص 1042.
|
|
|
|
|