أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 23rd May,2000العدد:10099الطبعةالاولـيالثلاثاء 19 ,صفر 1421

محليــات

لما هو آتٍ
اللغة العربية,, مشروع التزام (3)
د, خيرية إبراهيم السقاف
عندما درجتُ واحدةً في سلك التدريس الجامعي، وتحديداً في معقل اللغة العربية أدركت حقيقة حاجة هذه اللغة لأن تزهو على شفاه أبنائها، لكنها كانت حزينة تتوارى في خجل كلما نهضت طالبة للتحدث فتتكسر عند مخارجها، ولا تستقيم على لسانها، وكلما كتبَت أخذت بالهمزات والحروف لتسافر بها من محطة إلى أخرى في مجاهل دروب جعلتها في غربة داخل وطنها,,,، ولم يقف الأمر قط عند الطالبات، بل لحقه إلى المخاطبات الرسمية، حتى أُسندت إلىّ بعض الأمور الإدارية الرئيسة، فجعلت أُعيدُ أيّ خطاب يرد بأخطائه وأحيط الخطأ بدائرة,,,، وأرفض لمن تعمل معي مباشرة تقديم أي عمل فيه خطأ لغوي على اختلاف أخطاء اللغة الإملائية، والطباعية، والأسلوبية، والنحوية, ولا أنكر أنني قد أقع في كثير منها، ولكن عذري أنني أجتهد,, حتى استوت اللغة زاهية بين القلة اللاتي يعملن معي مباشرة, وأذكر أنني خاطبت معالي أستاذنا القدير الدكتور أحمد بن محمد الضبيب عندما كان على رأس إدارة جامعة الملك سعود بأن يعمم على إدارات الجامعة وأقسامها بضرورة سلامة المخاطبات الرسمية من وَهَنِ اللغة، وقد فعل حفظه الله وكنتُ كلما جاء وفد لزيارة أقسام الطالبات وكان مكتبي أول المستقبلين لأعضائه أرفض التحدث باللغة الأجنبية وأفسح للمترجِمات المختصات في كلية اللغات في الجامعة القيام بشأن الترجمة في الجلسات الرسميةليس جهلاً باللغة الأخرى، وإنما تعزيزاً للغة الأم, ولم تكن تعنيني في كثير تلك الهمزات أوالنظرات من الزميلات اللاتي يحرصن على التحدث باللغة الأجنبية التي كنَّ يجدنها، على تفسير منهن كي تدرك الاجنبية أننا في مستوى مماثل لها في لغتها ، وكان موقفي يؤكد: أن هذا يمكن أن يتحقق عندما تُقَابِلنَها خارج مواقعكن الرسمية الذي لابد أن تعزَزّ فيه اللغة الأم .
وما كان يُعجزني أن أعوج لساني مثلهن بتلك اللغة ولن يكون, وأذكر أن هذا القلق لم يكن لينتهي حتى ألحقت بمكتبي مسؤولة لُغوية للمتابعة والتدقيق,,.
وأمر اللغة العربية وضعفها ووهنها كان موضوعاً يؤرقني بمثل ما أرقّ ويؤرِّقُ مختصيها، والحريصين عليها وهم كثر على امتداد رقعة هذا العالم العربي والمسلم, ولايقف الإحساس به عند فئة أو قلة بل هو إحساس عام، ولكنه لايحتاج فقط إلى هذه الانفعالات والمشاعر دون أن يواكبها عمل جاد يؤديه كلُّ من بيده أن يقوم بجزء فيه على الأقل في موقع قدرته الإدارية وممارسة القرار في هذا الموقع,.
من هنا جاء احتفائي كبيراً بمشروع الأمير النابه الشاعر المتميز صاحب الريادات الملموسة في عسير تلك الريادات التي بهرتني وهو يوصلنا بكل يسر إلى أعالي الجبال وبطون الأودية ومواقع الصقور واندساس كتل الغيوم، ومخابىء الرمل، وبيوت النسمات التي تلجأ في المناطق الموحشة التي يتجاذب فيها الصدى وحشة الغربة والوحدة فلوَّنها وزخرفها وأرسل إليها صوت الإنسان وآلته,.
هذا الرائد في مشروعه الالتزام باللغة العربية في المدارس والإدارات في عسير هذا المشروع العلمي الأصيل الذي يبدأ بتجربة التحدث والكتابة باللغة العربية بدءاً بالقائمين على التعليم وذلك بتجديد معارفهم اللغوية وتحديث خبراتهم وبلورة قدراتهم، وتوظيف ألسنتهم لإتقانها وصولا إلى الطلاب لهو مشروع بالغ الأهمية يحتاج إلى تأكيد ممارسة، وعدم تهاون، ومتابعة حريصة كي يؤتي ثماره, ويبدو أنه قد أعدَّ لهذا المشروع أولويات ذات آليات جيدة تبدأ بتعبئة نفسية تشمل الطالب والمدرس والإداري وكافة مسؤولي المدارس، كما تشمل أولياء الأمور الذين تقع عليهم مسؤولية التماثل في التجربة كي يتم لها النجاح.
وفي الخطوات المنظمة المدروسة التي وردت عن الامير خالد الفيصل ذاته في حفل المدارس عندما ذكر ان نجاح هذا المشروع في المدارس النموذجية سيتبعه تطبيق هذه التجربة في مدرسة واحدة في كل إدارة تعليم في منطقة عسير ما يؤكد أنه مشروع قائم على دعائم نجاح متوقع، ذلك لأن التدرج في التجريب لأي مشروع هو دليل استعداده للنجاح, كذلك تطبيق هذا المشروع في الكليات وفي جامعة الملك خالد بعسير يؤكد شمول خطوات المشروع, كما أن ما أشار إليه سموه من بدء برنامج مماثل يتمم هذا المشروع على مستوى القطاعات الحكومية هو برنامج اللغة العربية للعاملين في الحقل الحكومي والدوائر المختلفة في منطقة عسير للارتقاء بمستوى اللغة العربية كتابة ونطقاً وقراءة , ما يؤكد أهمية هذا المشروع، وأبعاده المثمرة في الحفاظ على لغة الضاد، وجعلها سيدة الموقف التعبيري والإبلاغي على ألسنة وأقلام أبنائها فهي كما ذكر صاحب المشروع الرائد لغة القرآن الذي حفظه الله تعالى بها لأمة العرب، ولابد من الحفاظ عليها والتحدث بها، وجعلها حصينة في معاقلها وبين أبنائها.
إننا نتطلع إلى هذه التجربة الرائدة في هذه المشاريع المتميزة لأن تنجح، ولأن تكون نبراساً لبقية المناطق، وعلى وجه الخصوص في مجال التعليم,,.
ونهيب بمعالي وزير المعارف، والرئيس العام لتعليم البنات باتباع هذه الخطوات التي من شأن تطبيقها إعادة الألسنة العربية إلى قواعدها الأساس,,, وليكن البدء بالمعلمين والمعلمات، وذلك بإقامة برامج تحسين لغاتهم، وتدريب ألسنتهم كي يكون ذلك منطلقاً إلى الطلاب, وأن يلحق بكل إدارة مختصون في هذه اللغة كي لا ترد ولا تصدر أية مخاطبات أو مكاتبات لاتخلو من الأخطاء فيقوِّمونها ويصوِّبونها,, إن تعزيز اللغة العربية غدا من المشاريع الحيوية الضرورة التي يقتضيها الزمن الذي نحن فيه,, فلتكن لغتنا سلاحنا لأن القرآن الكريم دستورنا.
تحية للأمير الرائد,, تحية تقدير وتهنئة لكل مشاريعه الرائدة.

أعلـىالصفحةرجوع






















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved