| منوعـات
تحدثت قبل فترة عن كتابة المذكرات, كان همي فيما طرحته أن أقرأ تجارب الرواد في بلادنا, هؤلاء الناس الذين صنعوا جزءاً من تاريخنا, فنحن (جيلنا) نرى إلى الأشياء وكأنها خُلقت هكذا, فالإنسان عندما يشاهد تجربة من التجارب الكبرى في التاريخ لايذهب خياله إلى الجهود والدموع والتحديات التي صاحبت هذا المشروع الكبير, وإنما إلى النتائج التي يعيشها, وضربت مثلا بتعليم البنات, فنحن الآن نتحدث عن تعليم البنات وكأنه وُجد منذ الأزل, ولكن التاريخ يقول لنا إن صراعات طويلة ومريرة واكبت تأسيسه ونموه وتطوره حتى اصبح الآن كما لو أنه واحد من البديهيات في حياتنا, وقد تمنيت على الرجال الذين ساهموا بقيادة الملك فيصل رحمه الله في التصارع مع قيم بالية ورؤوس متحجرة وقيادات ظلام لفرض واقع إنساني عظيم (تمنيت) أن يعملوا علىكتابة مذكراتهم بأكبر دقة ممكنة.
ولا يقل تعليم الرجال عن تعليم البنات وان كان أقدم والصراعات التي واكبته كانت أكثر تخفيا ومراوغة, كنت ومازلت أتمنى ان يأتي اليوم ويعرف الرجال الذين خاضوا تجربة التعليم في المملكة مقدار ما ساهموا به، ومقدار التغير الذي أحدثوه في مجتمعنا, والإنسان لايعرف حجم دوره إلا اذا تأمل فيه, والكتابة هي أفضل وسيلة لعملية التأمل, ومن أشهر الرجال الذين خاضوا تجربة التعليم في فترة التحولات الكبرى هو الشيخ عثمان الصالح ومن الصعب ان أعبر عن سروري بتفضل خادم الحرمين الشريفين بمنح هذا المربي الفاضل وسام الملك عبدالعزيز, لم يتقلد الشيخ الصالح هذا الوسام وحده وإنما جاء له ولكل الرجال الذين ساهموا في بناء الحركة التعليمية الحديثة في المملكة.
وأظن ان الشيخ عثمان الصالح واحد من أهم رجال التعليم في المملكة لأسباب متعددة من أهمها انه أشرف تربويا على مجموعة كبيرة من أبناء الأسرة المالكة الكريمة وعدد كبير من الرجال الآخرين الذين يقودون بلادنا في كافة الميادين, فتجربة الصالح ليس تجربة تعليمية خالصة وإنما لها أبعاد ثقافية وفكرية وسياسية, فقد تعلم على يده عدد كبير من قيادات هذا البلد من الجيل الذي واكب التحديث ثم ساهم في صناعته.
كم أتمنى ان أقرأ تجربة الشيخ في كتاب مفصل يتعرض لعلاقته مع أنواع ومستويات الطلاب الذين اشرف على تعليمهم, خصوصا التفاصيل الحميمة, فعندما كنا صغارا كنا نرى ان المدرسين أعداء أما المدير فهو شيطان اكبر نتمنى موته.
فالشيخ الصالح هو الأجدر أن يكشف لنا منابع تلك القسوة التي كان المدرسون والمديرون في زماننا يتصفون بها, كما ان مذكرات الشيخ سيكون لها أبعاد أعظم وأطرف لأنها ستكشف لنا الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال, فنحن نعرف ان الأمير الصغير أرسله والده لكي يتعلم مثله مثل غيره، بينما هناك موقف سيكولوجي عند العوام يتمثل في العبارة التي تقول:(ولد شيوخ لا أحد يقربه), كيف كان الشيخ عثمان وزملاؤه في المدرسة يوازنون بين الشاب الذي يجب ان يتعلم وبين الموقف السيكولوجي السائد , ولاشك أن ولد الشيوخ أو ولد الناس يتساويان في واجب التعلم, ولكن المشكلة تكمن في سيكولوجيا الإنسان الذي يتعامل معها, والشيخ الصالح واحد من القلائل الذين نجحوا في تخطي هذه القضية السيكولوجية.
وأعتقد أن مذكرات الشيخ ستتعدى هذا ايضا لتصل الى تعريفنا بمنابع وسنوات التكوين لكثير من الشخصيات الهامة التي تقود بلادنا وتؤثر في مسيرته.
أمدّ الله في عمر الشيخ حتى يكمل مسيرته في خدمة بلاده سواء من خلال اثنينيته المتميزة أو من خلال كتابة مذكراته عن حياته الثرية, والشكر الخالص لخادم الحرمين الشريفين على هذه اللفتة الكريمة لواحد من إخوته الذين زاملوه في السنوات الصعبة في زراعة العلم (الشمس الحقيقية) في مملكتنا العظيمة.
لمراسلة الكاتب yara4me@ yahoo.com
|
|
|
|
|