| تحقيقات
*تحقيق : تركي السهلي
كثيرة هي الأفكار التي تدور في عقول الشباب في هذا العالم المتغيّر,, حريّ بنا ان نعرف ما هي او بعضاً منها كي تسهل علينا عملية التنوير والأخذ بأيديهم الى سبل الخلاص, ونحن اذ نتطرق الى محور رئيسي وهو (شبابنا والغرب) فنحن نريد معرفة الآخر وكيفية التعامل معه من منطلق ثوابت راسخة لا يمكن ان تتغير بإذن الله تعالى مهما تقدم الفكر الغربي او حتى هيمن, وفي هذا التحقيق توصلنا الى وجوب التأكيد على الثوابت لا الخوف عليها من التغيير او التبديل من خلال آراء الشباب والمختصين المشاركين في طرحنا هذا عبر جولات للجزيرة في اماكن تواجد الشباب.
فماذا قال هؤلاء عن تلك الثوابت والمتغيرات.
بداية التقينا الشاب محمد الخيمي حيث قال بكل أسف فمعظم الشباب لدينا ينظرون الى الغرب نظرة قاصرة بحيث يتركون تركيزهم منصباً على ما يحملون من هوامش في جوانب حياتهم أو أسلوب المعيشة لديهم، مع الاعتراف بأن هناك شبابا أجادوا في تعاملهم مع الغرب عندما اتيحت لهم الفرصة وأخذوا منهم الاشياء الجيدة مثل احترام المواعيد وحب العمل والتفاني فيه ولم يتأثروا بتوافه مكونات الشخصية الغربية، وعن تجربته الشخصية في ذلك يقول الخيمي: بحكم عملي مع مجموعة من الغربيين في إحدى الشركات الكبرى بمدينة الرياض فإني رأيت فيهم اشياء كثيرة جيدة، وتعاملهم معي لا بأس به وان كان يشوبه كثير من الخلط إلا انني مرتاح من العمل معهم ولا اخفي تأثري بهم واعجابي بأسلوب حياتهم ولا انكر انني احاكيهم في كثير من تصرفاتهم، وسألته ألم تحاول ان تتحاور معهم بفكر أكثر نضجاً بدلاً من محاكاتهم والتأثر بهم؟
فتبسم الخيمي وقال: لم أحاول! وهم لايحبذون ذلك صراحة تاركين التعامل بيننا مقتصراً على العمل وان كان بودي ان اقترب منهم أكثر.
انفتاح حذر على الغرب
اما سليمان العتيبي فيقول: بلا شك فكثير من طلبة الجامعة يطمحون للسفر الى الغرب والتزود من العلم المتقدم هناك, فسألته لو أتيحت لك الفرصة بالسفر والتعلم هناك ماذا عساك ان تفعل؟ هل ستندمج مع اسلوب الحياة الغربي ام تتقوقع على نفسك؟!
فأجاب: أنا خائف!! خائف! من ماذا لا أدري,, ربما من المجهول, لكن لو اتيحت لي الفرصة فسأهتم بما انا آتٍ إليه دون ان أتأثر بهم, لأنني لا ارى ان الغرب نموذجيون في كل شيء ولابد من إزالة هذه النظرة.
اما خالد آل زايد فيقول: انا لا أرى أي عائق من انفتاحي على الغرب وتعاملي معه فالعالم الغربي ليس مخيفاً وكذلك ليس بالعالم المغري الذي يجعلني احلم بالعيش فيه، صحيح انهم متقدمون ونحن نوعاً ما متأخرون ولكن هذا لا يجعلنا كشباب خجلين من التعامل مع الغربي بل على العكس تماما فنحن لدينا اشياء تجعلنا نواجه ونحاور وأحيانا نفرض, وأسأل خالد عن فرضية العيش والتعايش مع الغرب فيرد: لا أرى في أسلوب الاصطدام والتناحر طريقة مثلى للتفاهم.
ويضيف,, أقول لكل شاب يرى الغرب عمالقة ونحن اقزام,, صحح مفاهيمك وانظر الى ماهو ابعد من ذلك وعليك بتقوية ثقتك بنفسك كشاب مسلم ولا تنخدع بالشعارات والصور الكاذبة التي ينقلها الاعلام الغربي عن عالمه وتصويره بالمثالي المتحضر,, ولو وقفت في حياة المجتمعات الغربية لوجدت الكثير من الخلط والزيف.
نتعامل معهم مع اعتزازنا بما لدينا
ويقول الشاب مصطفى الفردان: علينا نحن كشباب دور كبير في قادم الأيام وعلينا ان نستعد لذلك جيداً فالعصر الحالي ألزمنا ان نتعامل مع الغرب بشكل أو بآخر ولكن ما هو ملاحظ ان شبابنا اعطى الغربي حجما أكبر من الحجم الطبيعي, وأنا ارى ان الغرب اوجدوا في نفوس الشباب ذلك الهاجس الخادع من وجهة نظري فعلينا ان نتعامل معهم بشكل عادي مع الاعتزاز الكبير بما هو موجود فينا ولدينا.
نحمل التصميم والعزيمة
اما زميله باسم الستري فيقول: لابد من ان نعي اننا شباب مسلم والغرب يخالفنا في معتقداته ولكن بشكل انساني نحن نعيش على كوكب واحد ومن الطبيعي ان نتأثر بما نرى ولكن ليس التأثير الذي يفقدنا الشيء الذي نحمله في الوجدان ويضيف الستري نحن نسير على درب قد تعترضنا فيه الكثير من العوائق ولذلك يجب ان نحمل في نفوسنا التصميم القوي والعزيمة الثابتة على اجتياز كل مايعترضنا.
اما تركي العبد اللطيف فيقول: منذ زمن ونحن شبه عاجزين عن فهم الغرب ولا ادري حقيقة ما السبب في ذلك.
ونحن والغرب الكل ينظر الى الآخر كالغرباء ولابد من الاقتراب أكثر منهم دون ان نسأل لماذا نحن بهذه الصورة ولا لماذا هم كذلك كلانا لابد ان يقبل الآخر كما هو, لا من هو الأقوى أو الصح ولاداعي ابداً للاختلاف ولا السعي من كل جانب الى اثبات فرضياته.
هل شبابنا يتأثرون بسهولة؟
انتهى كلام الشباب تاركاً أسئلة عريضة طرحناها على الاستاذ عبدالله بن حمد الحقيل امين عام دارة الملك عبدالعزيز سابقاً وأحد رجال التعليم الاوائل والمهتم بالرحلات الى الغرب وله كتاب في ذلك يقول مجيباً على تساؤلنا: هل الشباب السعودي من السهل التأثير عليه؟ وبماذا يتسلح؟! وكيف نحميه ثم كيف نساعده على التعامل مع العالم الغربي بشكل صحيح؟!, إن مقياس تقدم الشعوب وتطورها الحضاري يقاس بمدى رعايتها لشبابها وتربيتهم تربية سليمة والبحث عن مكامن قدراته وتنميتها وتطويرها بالوسائل العلمية الحديثة وغرس بذور الوعي, والشباب السعودي ليس من السهل التأثير عليه، حيث تربى في بيئة سليمة وحس إسلامي وركائز فكرية قويمة وثقافة اسلامية عريقة.
اما كيف نحميه ونساعده على التعامل مع العالم الغربي فبمزيد من الوعي الموضوعي بأساليب الآخرين وان نحسن التوجيه والكشف عن اساليبهم بحيث تكون لديه القدرة على التعامل والمواجهة متسلحين بالوعي والثوابت التي لا تقبل المساومة ولا ندعه ينخدع بالشعارات البراقة.
وهذا بالطبع يحتاج الى جهد ثقافي مستفيديين من وسائل العصر التربوية والتقنية والاعلامية ولنحرص على الحوار مع الشباب برؤية وصبر ونعطيهم حقهم في النقاش مما يكون عامل إثراء لثقافته وتسليحه بالعلم والفكر المستنير والمعرفة بقضية الحوار منهجاً ووسيلة في إطاره الثقافي والحضاري، حتى يكون ذا تأثير فاعل وليصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تروج في العالم الغربي عن العالم العربي وعن الاسلام والمسلمين وتاريخهم وحضارتهم.
مفاهيم قاصرة
وعما يلاحظ من ان بعض الشباب العربي حينما ينهي دراسته في الغرب يبقى مشدوداً له ويتمنى العودة اشار بقوله: إنهم قلة من شبابنا الذين يعودون ونفوسهم مشدودة للغرب أما الشباب الواعي المحصن بالعقيدة والثوابت فإنه بعيد عن منهج التبعية والتقليد والانحراف الذي قد يقع فيه البعض والخروج من دائرة آمنة وثقافتها بسبب الانخداع بثقافة الغرب بما تملكه من تفوق مادي وتكنولوجي وهي تؤثر في الشباب وتحيط بهم احاطة كاملة ومن جميع وسائل الإعلام وعلى الشباب ان يكون متصلا بتاريخه ومستهديا بعقيدته التي فيها صلاح امره وينبذ عوامل الضعف ويحقق قوته ويثبت ذاته وكيانه العلمي والثقافي حتى يحتل دوره في ركب الحضارة والتقدم والابتعاد عن عوامل الضعف واليأس واستخدام المعرفة ووسائلها وعلى كل من تكون نفسه مشدودة لعالم الغرب ألا ينخدع ببريق تلك الحضارة وانماطها الغربية ومظاهرها الهشة وان يتأملوا نقط الضوء ومواقع الإعتام والنفس البشرية كثيرا ما تخور بالاهواء والنزعات والرغبات والطموحات ويجب على الشاب الا ينسىحقائق الواقع ولقد قيل:
وما كل برق لاح لي يستفزني
ولا كل أهل الأرض أرضاه منعما
إذا قيل هذا مشرب قلت قد أرى
ولكن نفس الحر تحتمل الظما
وعن مدى تأثيرنا كمجتمع مسلم في المجتمع الغربي, أكد ان هذا السؤال جوابه طويل وممتد ونحن اليوم لا نملك على مانعرف ونرى ما يملكه الغرب من قوة وثورة علمية متلاحقة الحلقات تتغير فيها الأوضاع بسبب هذه الثورة تغيراً حاسماً وسريعا في هذا الإطار لابد من بناء جسور من الثقة وتجنب مغالطة الواقع ولابد من وضع قواعد موضوعية ضابطة للحوار مع الغرب للتأثير في وجدانه ويقول علماء الانثروبولوجيا والاجتماع ان اللغة هي حاملة الثقافة والتأثير في الوجدان وهي وعاؤها واللغة كما نعلم تحاصرها عدة عوامل ونقاط ضعف ووسائل حضارة واختراق ذلك يحتاج الى مجهودات ولابد ان ندرس الآليات بوعي وجد وصبر وبناء الثقة لقد نشأ في الغرب اليوم مدارس ومراكز اسلامية ومساجد وبعثات تعليمية وهي بوابات واسعة ومهمة لبناء التفاهم بالثقة.
وقد استطاعت هذه المؤسسات التخفيف من الهجوم على الاسلام والانتقاص منه والتشكيك في حقيقته فخطوط الهجوم كانت قوية ولقد تغيرت الطريقة فيما بعد وكان للحوار واللقاءات والندوات والمراكز الاسلامية والدعاة اثر كبير وصدى طيب ولمست ذلك خلال رحلاتي ومن ألتقي بهم من الغربيين واخذت تلك المبادرات تتجلى ابعادها وتغزو ربوع الغرب وعلماءه وجامعاته ولب المشكلة ان حضارة الغرب قائمة على اساس تقديس المادة بينما الاسلام قائم على القيم الروحية وعبادة الانسان لله عز وجل وهناك فراغ روحي لابد من ملئه بوعي وذكاء وبصبر حتى نستطيع ان نكون مؤثرين في وجدان المجتمع الغربي.
وعما لاحظه من خصال محمودة في العمل لدى شباب الغرب ويود ان يجدها في شبابنا الآن قال: لقد كان اسلافنا يأخذونا عن الحضارات الأخرى في عصرهم وهذا شيء معروف في عمليات الترجمة التي شجع عليها الخلفاء المسلمون في العصر العباسي فقد كانوا يأخذون من تلك الحضارة الاغريقية والرومانسية والفارسية، ما يعينهم على اداء رسالتهم ودورهم الحضاري، ومتى كانت النفوس مليئة بالثقة والايمان فلا مانع من نقل الأشياء الحضارية وماهو نافع ومفيد من اهتمام بالعلم والتقنية وتسابق في ميادين العلم ومجالات المعرفة والحفاظ على الوقت والحرص عليه، حيث نرى البعض من شبابنا لايهتم بالوقت ولا يكترث به ولا يستثمره، وكذلك لاحظت في الغرب انخراط الشباب في العمل في مراكز الابحاث والجامعات والمكتبات والاهتمام بالمخترعات واحترام النظام والتركيز على التخصص في مادة علمية بحيث لايكون ذهنه مشتتاً والتعود على العمل في سن صغيرة وتحمل المسئولية ومهما كان نوع العمل فقد رأيت الكثيرين يعملون في المطاعم ومحطات الوقود والمتاجر وهم يحضرون رسائل الماجستير والدكتوراه وعندما تسأله يجيبك بأنه يستعين بذلك من اجل بلوغه مرتبة التقدم العلمي والحضاري.
مقارعة الثقافات بالتحاور لا التصادم
وكان للاستاذ عبد الله بن ابراهيم الكعيد رأيه المفيد مشاركة لنا في هذا الموضوع فأكد ان الغرب ليس هو الشقراوات الحسان فقط,, ولا المخترعات والمكتشفات المبهرة,, كما انه ليس ذلك العالم المتفسخ اخلاقيا المتحلل من القيم,, ولا القوة العسكرية والاقتصادية المهولة,, بل مجتمع انساني يتشكل من خلايا اجتماعية تبدأ من الاسرة وتنتهي بتكوين الدولة,, ويعاني الغرب من مشاكل اجتماعية كما تعاني بقية المجتمعات الحضرية,, ولكن الاختلاف في شكل وماهية تلك المعاناة,, فما نعاني منه هنا قد لا يعني شيئا مما هناك وما ننظر اليه كأمر هامشي هنا ينتظر اليه الغرب كأمر له الأولوية في الحياة هناك,, لهذا ولاختلاف وتباين النظرة نحو مسلمات الحياة بيننا وبينهم ناهيك عن اختلاف العقيدة وتفاوت العادات والتقاليد,, تولد لدى البعض من افراد مجتمعنا خوف وشك وريبة من ذلك الغرب,, وانغرست مفاهيم بأن الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا على اي صعيد,,!!
وكانت المخرجات لكل تلك القناعات,, عدم فهم كل منهما للآخر,, فالغرب قد صورنا مجتمعا متخلفا,, تنحصر اهتماماتنا في شهواتنا وملذاتنا,, نبذر أموالا لم نتعب كثيراً في الحصول عليها,, قد اتتنا طائعة تسيل بين ايدينا بلا حساب,, فلم ندرك قيمتها,, ونثرها (البعض) منا تحت اقدام المغنيات,, ونظم البعض الآخر اوراق العملة الصعبة عقوداً قلد بها صدور الراقصات,,!! تلك صورة واحدة من عدة صور رسمنا بها الغرب في ذهنه,, ناهيك عن آبار البترول في منازلنا,, والجمل يسير بجانب (الرولز رويس),,والخيمة نصبت في سفح ناطحات السحاب,, وهكذا من صور,, ثم كانت الطامة في الصاق تهمة (الارهاب) بكل من هو عربي,, أو مسلم,, وتلك الصفات (أي العروبة والاسلام) نحن في هذه البلد مصدرهما بل نحن رموزهما والحمد لله,, إنما الارهاب فنحن في ذيل القائمة بفضل من الله علينا,, لكن الغرب لا يفرق ولايود ان يفرق بيننا وبين مدعي العروبة والاسلام,, اولئك الذين حشرونا في زمرتهم حشراً,, هذه هي النظرة السلبية التي ينظر من خلالها الغرب لنا,, فكيف ننظر نحن للغرب هل اتحدث عن غطرسة الغرب,, اوتحيزهم لليهود على حسابنا,, ام استعمارهم للبلدان العربية عقودا من الزمن,,,, ام سيطرتهم على اقتصاديات بعض الدول هنا ام النظرة العنصرية التي ينظرون بها الى لون بشرتنا ام ذلك الغرب المبهر للبعض بتجربتهم السياسية والاجتماعية,, فالديمقراطية,, وحقوق الانسان,, والحريات الشخصية,, وحريات الأديان,, والتسامح الاجتماعي,, كل هذه القيم المرتبطة بحياة الإنسان ولدت شعورا بالخوف الممزوج بالغيرة,, والكره احيانا,, وتتفاوت النظرة للغرب بتفاوت التجربة,, فمن تعايش مع تلك المجتمعات,, واختلط بهم عن قرب,, لاشك ستكون نظرته وحكمه اقرب الى الواقعية بعكس ذلك الذي لا يعرف عن الغرب إلا ما يسمع عنهم ويقرأ.
شخصياً لي تجربة عن المجتمع الغربي من خلال معايشتهم والعيش معهم اثناء دراستي هناك,, وقد شدني احترام الناس هناك للفرد الذي يتمسك بمعتقده ويمارس شعائر عبادته فالاسرة التي اقطن معها كان افرادها صغيرا وكبيرا يهيئون لي (الجو) المناسب لاداء العبادات,, ويحترمون تعاليم ديني,, ولم يستهزئوا يوما او يفعلوا او يقولوا ما يجرح شعوري في معتقدي,, ثم انني وجدت هناك كل ما تنص عليه التعاليم السماوية فيما يتعلق بالسلوك فالصدق والأمانة واحترام الوقت والرأفة بالحيوان وعدم التبذير في المطعم والمشرب والملبس,, الخ وهذه الصفات للأسف قد أهملها الكثيرون هنا مع اننا اولى بها منهم!!
هناك امر آخر أود ان اضيفه هنا حول ريبة وخوف البعض من اكتساح ثقافة الغرب بكل مقوماتها,, لمجتمعاتنا,, فأقول,, نعم,, له,, ومعه كل الحق ان يخاف من هذا الاكتساح,,؟؟
لماذا,,؟؟ لأن ماتراه الآن من قيم اجتماعية تمارس من قبل الصغار في هذا الجيل قد اصطبغ بتلك الثقافات الوافدة,, وتأثر بها,, فالأزياء,, واللغات,, والأغذية,, والعلاقات مع الآخر والفنون بكافة حقولها,, والمباني والعلوم,, كلها قد تأثرت تأثرا واضحا لايخفى على احد ومن يقول غير ذلك فهو يغالط الواقع,, إنما والحمد لله,, نستطيع ان نقول وبكل فخر ان عقيدتنا الاسلامية لم ولن تمس بإذن الله! لماذا,,؟؟ لأنها ارادة الله سبحانه وتعالى الذي أمر ان يكون الاسلام هو دين البشرية حتى تقوم الساعة هذا أولاً,, وبسبب ان هذا الدين العظيم ليس بتلك الهشاشة الذي يتأثر من أي أمر أو قرار هو من صنع البشر,, وهذا لا يعني ان نركن الى ذلك,, ونترك اطفالنا يتشكلون بعيدا عن تعاليم الدين الحنيف فهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم يولدون على الفطرة,, ويتأثرون بوالديهم,, فهم من يغرس الدين في وجدانهم وهم من يقوم بصياغة عقيدتهم.
أخيراً,, اذا يجوز لي المقام هنا بان أدعو الى صياغة مشروع فكري وثقافي,, كبير يحوي ويحتوى كل ماهو مشرق في هويتنا الثقافية والفكرية,, ويبرزها بشكل راقٍ مشوق للأجيال هنا كي يتأثروا,, ويؤثروا,, ثم يفاخروا بها بين الأمم,, ونكون بذلك قد خطونا خطوة نحو مقارعة الثقافات الاخرى و(التحاور) لا (التصادم),, معها كما بشر بذلك أحد مفكري ومنظري الفكرالغربي,, والذي يصل للعقل والقلب لاشك طاغ.
المتسلح بالثقافة الإسلامية
لا يلتصق بالثقافة الغربية
أما الأستاذ سعود الضحيان فشاركنا في هذا الموضوع بقوله ان الثقافة الغربية تعد من أكثر الثقافات إبهاراً للفرد أيا كان مجتمعه وهذا راجع لما تتضمنه تلك الثقافة من تنوع يرضي جميع الأذواق وتتصف الثقافة الغربية بأنها سهلة في تقبلها متنوعة في مادتها غزيرة في إنتاجها رخيصة في تكلفتها متنوعة في لغتها,, غير انها في نفس الوقت تحمل جوانب هدم وبناء فهي سلاح ذو حدين ووجها عملة، وجه بناء ووجه هدم، ويتمثل الجانب الإيجابي في ه ذه الثقافة في الاطلاع على كل ما هو جديد في هذا الكون كما ان هذه الثقافة تدمج المستخدمين في قالبها الأم الذي يساهم في بناء شخصية الفرد سواء من خلال المعرفة أو تكوين الاتجاه، والرأي من هنا يحدد مجال الهدم أو البناء لهذه الثقافة.
فالبناء يتمثل في إحداث التغيرات التي من شأنها انعكاس مزيد من التغير في كل من:
اولاً المعرفة: ويتركز هذا الجانب في نقل جزء من الكم الهائل لتلك الثقافة سواء كان مادياً أو معنوياً ولعل هذا الجانب أكثر الجوانب فائدة وأقلها مضرة على الفرد الذي تستهويه تلك الثقافة.
ثانياً: تكوين الاتجاه: يتوقع البعض ان الاتصال بالثقافات الأخرى لا يشكل ضرراً، والواقع ان هذا يصح للبعض وينتفي للبعض الآخر فتكوين الاتجاه هو آلية تنتج عن التعلم, والتعلم هو كل موقف يمر على الإنسان سواء كان هذا الموقف مقصوداً أو غير مقصود, فتكوين الاتجاه يحدث شيئاً فشيئاً ويعطي بحيث لا يشعر الفرد بتكوين اتجاهات جديدة عليه إيجابية كانت أو سلبية خاصة إذا كان ذلك الفرد لا توجد له مرجعية قوية تشكل إطاراً يسمح بقبول الاتجاهات الإيجابية,, تلك الثقافة تحترم الوقت وحب العمل والتفاني فيه واحترام رأي الآخرين وحرية التعبير عن الذات.
ثالثاً: السلوك: يُعد السلوك من العمليات المعقدة التي تحدث لمحصلة مقدرات الفرد ومهاراته, ويحدث التغيير في السلوك عندما تتكون اتجاهات جديدة ويتم الحكم على ذلك السلوك من واقع الثقافة التي ينتمي اليها الفرد, فإذا كان هذا السلوك متوافقاً مع ثقافته فانه في هذه الحالة لا يعد رفضاً من ثقافته الأصلية في حال كون ذلك السلوك مختلفا وبشكل سلبي, فإن هذا السلوك يرفض من المجتمع الاصلي من خلال ذلك تبدو ان هناك قضية هامة تتمثل في كيفية التعامل مع الثقافة الغربية ومدى قبولها في مجتمعنا.
واضاف الاستاذ الضحيان:
في الواقع اننا لايمكن ان نعزل انفسنا عن تلك الثقافة, وفي نفس الوقت قبول تلك الثقافة برمتها هنا تبدو الحاجة الى وضع معايير لتحديد مجال القبول والرفض، ونحن في المجتمع السعودي لا نحتاج لتلك المعايير فشريعتنا السمحة ساهمت وبشكل فعال في وضع تلك الآلية، فالفرد المؤمن بالله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) يمكنه التعامل مع اي ثقافة وهو مرتاح البال فلديه مصدر للحكم على كل ما يتعرض له من خلال عمليات الاتصال بتلك الثقافة ولعل ذلك يفسر قبول البعض للثقافة الغربية دون تفريق بين الصالح والطالح.
فتلك الفئة وبدون أدنى شك انهم يفتقدون تلك الآلية السمحة، ولعل أكبر مثال على ذلك ما يتعرض له مجموعات الطلاب وأسرهم اثناء دراستهم في الخارج حيث يتغير نمط المعيشة والتعليم والاتصال بشكل محير كما ان بعض تلك الثقافة مفتوحة من اوسع ابوابها، كما انه يصعب التحكم والسيطرة على الضار منها.
غير أني لاحظت كثيرا من شبابنا والحمد لله لم يتقبلوا جوانب الثقافة السلبية وان كان البعض ظهرت عليه، فقد كنا ضمن تلك الثقافة محصنين بثقافة أقوى منها وكان التماسك بيننا قويا بحيث نلحظ تغيرات سلبية, وعلى سبيل المثال كانت التجمعات في المساجد والأندية السعودية وحفلات الافطار الجماعي في رمضان والرحلات الخلوية من ظواهر تلك الفترة وهذه إشارة الى ان الاعتقاد بأن كل من تعامل مع تلك الثقافة سوف يتأثر بها.
من هنا نخلص الى ان التعامل مع تلك الثقافة لايعني اننا سوف نكتسب جوانب تلك الثقافة بايجابياتها وسلبياتها إلا اذا كنا عطلنا جوانب القوة في ثقافتنا الاصلية والمستندة على الشريعة السمحة فكل شاب وشابة مسلح بثقافته لن يتأثر بالثقافة الغربية مهما كانت درجة الاتصال بتلك الثقافة.
لِمَ نخشى الغرب؟
وتحت هذا العنوان شاركت الأستاذة سهيلة زين العابدين حماد رئيسة لجنة الأدبيات برابطة الأدب الاسلامي وعضو اتحاد المؤرخين العرب بقولها.
سؤال كثير طرحه ومناقشة أبعاده وردود فعله منذ ظهور مصطلح العولمة في التسعينيات من القرن العشرين ولا بد لنا أن نكون صريحين وواقعيين في الاجابة على هذا السؤال حتى لا نخدع أنفسنا ونوهمها بحسن نية الآخر تجاهنا، وحتى لا نعطي للآخر حجما أكبر من حجمه، أو نستهين بما يخططه ضدنا للتظاهر بأننا لسنا من ذوي نظرية التآمر التي نجح الغرب في أن يجعل عدداً كبيراً من مثقفينا يعتنقها، علينا أن نقرأ التاريخ، ونتعرف على حقيقة علاقة الشرق بالغرب، وأبعاد هذه العلاقة وأهدافها، ونتوقف عند علاقة الغرب بالاسلام وموقفه منه، ومخططاته لمواجهته، ونظرته للمسلمين عامة وللعرب بصورة خاصة، وما يفعله الآن معنا.
ان ما يحدث الآن ليس وليد التسعينات من القرن العشرين ولكنه حصيلة قرون عديدة تصل الى ما قبل عصور التاريخ، نحن لا نخشى الا الله عز وجل فلا نخشى من الغرب ولا من الغرب، ولكن ينبغي ان نحذر من الغرب لأنه يريد طمس هويتنا ومسخ شخصيتنا واقتلاعنا من جذورنا واحلال ثقافته ودينه وعقيدته وأمراضه وانحلاله محل ديننا وثقافتنا وقيمنا وأخلاقياتنا مع فرض هيمنته السياسية والاقتصادية والعسكرية علينا، وحرماننا من حق المعارضة وابداء الرأي، والدفاع عن حقوقنا الشرعية.
أليس هذا هو واقعنا الآن؟
قد يقول قائل الخطأ خطؤنا فنحن الذين أوصلنا أنفسنا الى ما نحن عليه الآن، وأنا أتفق مع هذا القائل، ولكن لكي نكون منصفين لا بد لنا أن نضع أيدينا على الأسباب التي أوصلتنا الى الحال هذه ومن وراءها علنا نستطيع تلافيها.
علاقة الغرب بالشرق
ثم طرحت عدة تساؤلات هي: متى تعرف الغرب بالشرق، وماذا كانت طبيعة هذه العلاقة، وما أهدافها وغاياتها، وكيف كانت نظرة الغرب الى الشرق,, ثم أجابت عليها مبينة بالسرد التاريخي كيفية العلاقة وما يشوبها من نوايا وتدرج هذه العلاقة ودور من يسمون المستشرقين في خلخلة ثقة أبناء المنطقة بثقافاتهم ومعتقداتهم وتراثهم وحتى قيمهم,, وقالت.
ان مخطط تجزئة الدول الاسلامية وشطرها الى شطرين مسيحي واسلامي، أو تقسيمها على أساس مذهبي أو عرقي كل هذا يؤكد أن هدف الغرب القضاء على الاسلام، وان أساس الصراع بيننا وبين الغرب هو الدين الاسلامي في المقام الأول ويظهر هذا بوضوح في الحروب الصليبية، اذ خشي الغرب من المد الاسلامي، وعندما فشلت هذه الحملات، ولم تحقق أهدافها نشأ الاستشراق الذي ركز هجومه على القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه الاسلامي والسيرة النبوية، والتاريخ الاسلامي، واللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم، وكذلك دراسة الأدب العربي، والعمل على احياء الفرق المنحرفة في تاريخ المسلمين كالباطنية، وقضوا السنوات في اخراج كتب ليؤثروا في المفاهيم الأساسية للاسلام، وذلك بثنائهم على البهائية والقاديانية وقد أوجد الاستعمار البريطاني القاديانية، اذ اشادوا بها لأنها كما زعموا جاءت بآراء حرة مستقلة ووصفوها بالعقلانية، والاستنارة والتجديد ليخدعوا بها بعض المسلمين، وليشوهوا تعاليم الاسلام، وللأسف هناك أقلية من المسلمين تأثرت بفكر هذه الفرق المنحرفة واعتنقت عقائدها.
كما أسهم المستشرقون بقدر كبير من احياء القوميات في العالم العربي خاصة في النصف الأول من القرن العشرين، فقد نبش المستشرقون في الحضارات الجاهلية القديمة لإحياء معارفها من ذلك بعث الفرعونية في مصر، والفينيقية في سوريا، والأشورية في العراق، والفارسية في ايران، والطورانية في تركيا، أما الجزيرة العربية فلقد بحثوا في آثار السابقين، وأسموا دراستهم التاريخ الحضاري للعرب قبل الاسلام وتعمدوا بذلك اظهار الحضارات القديمة ليطفئوا نور الاسلام، وان الاسلام ليس وحده هو الذي قدم الحضارة الانسانية، وترتب على مثل هذه الدراسات الآتي.
* تحسين سمعة الجاهلية القديمة، وتمجيد رجالها.
* بث النعرات الانفاصلية في الأمة الاسلامية.
* محاولة قطع صلة الأمة الاسلامية بماضيها الحقيقي الذي بدأ بظهور الاسلام.
* تهيئة بعض المسلمين لتقبل قيام حضارة لهم غير مهتدية بهدي الاسلام، كما نشأت في تلك الحضارات القديمة,كما سعى المستشرقون في نشر بعض الايدولوجيات الأجنبية في الأراضي الاسلامية كالشيوعية.
الاستشراق مهّد للعولمة
وأشارت الاستاذة سهيلة الى أن مما ينبغي لفت الانتباه اليه ان الاستشراق قام بدور كبير في التمهيد للعولمة الثقافية باحتواء كثير من المسلمين ثقافيا عن طريق خدمة المستشرقين للتراث وتحقيقه ونشره وفهرسته، وما الى ذلك حيث أصبح كل باحث مسلم لا يستغني عن بعض جهودهم في أبحاثه ومكتباته، فيعتمد عليها أو يتناولها بالدراسة، وتأثر بها شعر أو لم يشعر، ويرجع هذا الى نجاح الاستشراق في السيطرة على مصادر التراث العربي الاسلامي، وعلى الرغم من ان بعض الدراسات كانت تقترب من صفة النزاهة والحياد الا أنها في النهاية، وبكل المقاييس تبقى مظهرا من مظاهر الاحتواء الثقافي، وقدم نجم هذا الاحتواء الآتي.
* شعور كثير من المسلمين بضعفهم، ونقص امكاناتهم، وتأخرهم عن غيرهم في العصر الحديث، ونسبة كل الايجابيات الى الغرب.
* تبعية كثير من الكتاب والباحثين فكريا لهم، ودفاعهم عن مبادئهم ومناهجهم.
* وضع أسس لمنهج البحث والتفكير المادي، فكتبوا وبحثوا ونقدوا في ضوء هذا المنهج، كما نجدهم قد طبقوا المناهج الفكرية المادية على كثير من علومنا الاسلامية سواء في التفسير المادي للتاريخ، أو في كتاباتهم عن القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم فدعموا شهادتهم في هذه الجوانب الفكرية باسم المنهج العلمي، مما أدى الى رواجها واستسلام كثير من الكتاب لها ودفاع بعض المسلمين عنها.
* لقد رسخ المستشرقون مبدأ العلمانية وصدروه الى عالمنا الاسلامي سواء في الجانب الفكري أو السياسي، فأصبح من المسلمين من تبنوا مبدأ العلمانية، بل نجد هناك بعض الدول الاسلامية قد تبنت العلمانية، وأعلنت انها دولة علمانية، أو هناك من المسلمين من ينادي بعلمانية السياسة، ونحن لو رجعنا الى أصل نشأة هذه الدعوة نجد أن المستشرقين ممن روجوا لها ودعوا اليها، ولا ننسى أثر ميكافلي في ترسيخ العلمانية السياسية، وتجريد السياسة من معاني الدين والاخلاق وتبرير الوسائل باسم الغايات.
كيف نصنع إذن,,؟!
وحملت الأستاذة سهيلة حماد المرأة جزء من القضية وقدرت ان المواجهة تتطلب عشر وسائل,, وقالت: وبعد فهذه حالنا الآن من جراء تخطيط الغرب، وما سعى ويسعى لتحقيقه، ونحن للاسف كالدمى يحركنا الآخر وفق ما يريد، والاتجاه الذي يريد، وما زلت أحمل المرأة جزءا كبيرا، مما وصلنا اليه، اذ انشغلت بطموحاتها الشخصية وجريها وراء ما سمي بمساواتها بالرجل والمطالبة بالمشاركة السياسية والمشاركة في صنع القرار عن مسؤولياتها الأساسية وفاتها أنها صانعة القرار الأولى لأنها مربية صناع القرار، وإهمالها في تربية أولادها أوصلنا الى ما نحن عليه من استسلام وخنوع، وعليها أن تفيق قبل أن نفقد ما تبقى لنا من الحفاظ على ديننا وقيمنا وأخلاقياتنا وحشمتنا.
|
|
|
|
|