| مقـالات
شهد حقل الدراسات السياسية الاقليمية ازدهارا في العقدين الماضيين، حيث بدأت أقسام العلوم السياسية في مختلف الجامعات العالمية والأمريكية على وجه الخصوص بالعناية بالدراسات المتخصصة لكل منطقة من مناطق العالم, وجاء هذا التوجه منذ بداية الثمانينيات، نتيجة لفشل المناهج السلوكية والتنسيقية التي سادت في الستينيات والسبعينيات في تقديم شرح متكامل لكثير من الظواهر السياسية, لذا عاد علماء السياسة والأمريكيون منهم على وجه الخصوص الى الاهتمام بالعوامل الثقافية cultural factors وأهميتها في فهم كثير من الظواهر السياسية, وفي بداية التسعينيات لعبت العوامل الثقافية القومية والدينية دورا هاما في تفكك الاتحاد السوفيتي مما عزز من الاهتمام بتأثير العوامل الثقافية على الظواهر السياسية واعتقد استاذ العلوم السياسية الأمريكي البارز هنتنجتون في مقال له في العام 1987 ان عدم قدرة النظرية السياسية المقارنة على ملاحقة التطورات التي تحدث في العالم قد يعود على خلو هذه النظرية من أي جهد حقيقي لأخذ الثقافة بالحسبان عند دراسة الأنظمة السياسية المقارنة, لذا فقد اقترح توزيع الأنظمة السياسية في العالم اعتمادا على ثقافاتهم, وبهذا فقد وزع العالم الى تسع ثقافات كما يوضحه الجدول التالي:
1 نورديك: والديانة الرئيسية هي البروتستانتية وتوجد في شمال وغرب أوروبا، والبلاد الناطقة بالانجليزية.
2 اللاتينية: والديانة الرئيسية هي الكاثوليكية وتوجد في جنوب أوروبا وأمريكا الجنوبية.
3 العربية: والديانة الرئيسية هي الاسلام وتوجد في شمال افريقيا والشرق الأوسط.
4 السلافية: الارثوذكسية: والديانة الرئيسية هي الارثوذكسية وتوجد في شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي.
5 الهندية والديانة الرئيسية هي الهندوسية وتوجد في الهند.
6 الصينية: والديانة الرئيسية هي الكنفوشية وتوجد في الصين، وتايوان، وكوريا، وسنغافورة وفيتنام.
7 اليابانية: والديانة الرئيسية هي شنتو وكذلك الكونفوشية والبوذية توجد في اليابان.
8 الملاوية والاندونيسية والفلبين : والديانة الرئيسية هي الاسلام والبوذية والكاثوليكية وتوجد في ماليزيا واندونيسيا والفلبين.
9 افريقيا: والديانة الرئيسية هي الوثنية والمسيحية وتوجد في افريقيا جنوب الصحراء.
ومن منظور اكثر عالمية، يزعم هنتنجتون في مقاله الشهير صراع الحضارات clash of civilication 1993 ان الاختلافات الثقافية والحضارية ستكون مصدر الصراع الجديد في العلاقات الدولية, وفي هذا المقال الأخير قسم هنتنجتون ثقافات وحضارات العالم الى ثماني حضارات رئيسية على الرغم من انه لم يكن متأكدا من الحضارة الثامنة وهذه الحضارات هي:
1 الحضارة الغربية والتي تسيطر عليها القيم اليهود مسيحية وانظمة الحكم الديمقراطي الليبرالي وتقع في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.
2 الحضارة الكنفوشية في الصين وشرق آسيا.
3 الحضارة اليابانية.
4 الحضارة الاسلامية في الدول الاسلامية من باكستان الى المغرب ومن البوسنة والهرسك الى ماليزيا ومن اندونيسيا الى السودان ووسط افريقيا.
5 الهندوسية في الهند.
6 السلافية : الارثوذكسية في روسيا وشرق أوروبا.
7 اللاتينية في المكسيك وأمريكا الوسطى والجنوبية.
8 الحضارة الثامنة احتمالية هي الأفريقية.
وبصرف النظر عن إن كنا نتفق أو لا نتفق مع مشروع التقسيم الأول أو الثاني لهنتنجتون وخصوصا اذا كنا نتفق أو لا مع زعمه بأن الاختلاف الحضاري سيكون مصدرا للصراعات الدولية المستقبلية، فان المهم هو ان العامل الثقافي والحضاري بدأ يأخذ مكانا مهما في الدراسات السياسية المقارنة.
والمعروف ان حضارة وثقافة أمة من الأمم هي نتاج عشرات السنين من العيش المتقارب والتاريخ والخصائص النفسية والجسمانية والعادات والتقاليد، لذا فانه من الجهل الاعتقاد انه بزوال حلف عسكري سياسي مثل حلف وارسو ودعوة بعض دول الكتلة الشرقية السابقة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي ان أوروبا أصبحت واحدة, ان بعض دول وسط أوروبا لا تنتمي الى أوروبا الشرقية من الناحية الثقافية والدينية ووجدت نفسها بعد تقسيم أوروبا سياسيا بعد الحرب العالمية الثانية في الكتلة الشرقية رغما عنها وهذا سيسهل عملية انضمامها لأوروبا لكن تبقى دول شرق أوروبا وبالذات في البلقان وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مختلفة تماما ومحاولة ادخال بعضها الى الاتحاد الأوروبي وتهيئتها لهذا الدخول الجاري الآن قد تنجح وقد تفشل نتيجة للاختلافات الثقافية وعموما فان عملية دمج بعض هذه الدول الشرقية في أوروبا تحتاج عشرات السنين لذا لابد من التعامل مع دول أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق باعتبارها دولا في حالة تحول، وحالة التحول هذه بالرغم من انها بدأت قبل عشر سنوات الا انها قد تستمر لمدة عشر سنوات أخرى.
لقد نشأ حقل الدراسات السياسية المقارنة بعيدا عن وربما لمعارضة الدراسات الاقليمية, ان المهتمين بالدراسات المقارنة يعتقدون ان فهم التغير في أي مجتمع معين يأتي من خلال التعميم Generalization الذي نصل اليه من خلال الدراسة العامة للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكيفية تفاعلها, بينما ان المهتمين بالدراسات الاقليمية يعتقدون ان المعرفة بتاريخ، ولغة وثقافة المؤسسات الاجتماعية لكل دولة هي مفاتيح فهم سياسات هذه الدولة, نحن هنا كما هو حال هنتنجتون نرحب بالعودة الى الدراسات الاقليمية على ألا تكون عمياء من كيفية ان الظاهرة محل الدراسة من الممكن زيادة أهميتها من خلال التعميم المقارن, بعبارة أخرى ان العودة القوية للدراسات الاقليمية جيدة لكن لا ينبغي لها ان تحيد بنا عن الإدراك بأن الظاهرة محل الدراسة من الممكن زيادة فهمها من خلال التعميمات المقارنة مع الأخذ بالحسبان الخصوصيات الاقليمية, ان ما نطالب به هنا هو ارتباط أكبر بين المهتمين بالدراسات المقارنة والمهتمين بالدراسات الاقليمية، ومن خلال هذا الارتباط يكون من الممكن أخذ العوامل الثقافية والحضارية بشكل جدي للمهتمين بالدراسات المقارنة.
|
|
|
|
|