| وَرّاق الجزيرة
شاعر الحجاز في عصره قاطبة ، ذو الصيت الرائع والذكر المشهور بديوي الوقداني علم من أعلام الجزيرة العربية يتهافت محبو الشعر بشقيه إلى قصائده الرنانة البليغة، فهو شاعر قوي السبك سلس الألفاظ، لاتكاد تخلو أي من قصائده من حكمة، وبخاصة في مجال الشعر الشعبي,,التقى به المؤرخ أحمد بن محمد الحضراوي (ت 1327ه) عدة مرات، وحصل بينهما جلسات أدبية ومطارحات شعرية، فترجم الحضراوي له ترجمة حاز بها قصب السبق في رصده لجوانب عديدة من حياته إذ أنه يعد الوحيد من بين المترجمين لاعلام القرنين الثاني عشر والثالث عشر الذي ترجم لهذا الشاعر، ترجم له الحضراوي في كتابه القيم نزهة الفكر فيما مضى من الحوادث والعبر الذي قامت بنشر القطعة الموجودة منه وزارة الثقافة السورية، إذ أن جزءا من هذا الكتاب لا يزال في عداد المفقود حتى يومنا هذا.
فقد قال في ترجمته من كتابه النزهة: بديوي بن جبران بن جبر بن هنيدي بن جبر بن صالح بن محمد بن مسفر الوقداني السعدي العتيبي,,,, نزيل الطائف المأنوس، ولد بوادي النمل، وهو محل على فرسخ من الطائف سنة 1244ه، وتربى به ثم سكن الطائف لتحصيل العلم والمعاش، وكانت له قريحة بالعربية ثم نظم القريض، ولقب بشاعر الحجاز يعني الطائف وما علاه ثم أردف الحضراوي يذكر محاسن شعره ومزايا قصائده وصفات قريضه قائلاً: فهو شاعر لطيف ومغوار غطريف، تخضع لشعره بلابل الأغصان، وتنصت لغزله مسامع كل إنسان.
التقى المؤخ الحضراوي بالشاعر الوقداني بالطائف سنة 1287ه كما أرخ لذلك الحضراوي نفسه أي قبل وفاة الوقداني بتسع سنوات، ولم يكن هذا الاجتماع الأول بينهما، لكن لعله الأكثر تأثيراً، ولذلك ذكر الحضراوي قطعتين من قصائده بعد أن أثنى على شعره الفصيح، وقد انفرد الحضراوي بذكرهما، حتى أن الأديب الطائفي المعروف محمد سعيد كمال (ت 1416ه) لم يذكرهما له في كتابه الأزهار النادية حيث إنه لم يذكر له من شعره الفصيح سوى قصيدته الرائية التي مدح بها الوزير محمد رشدي باشا، ولعل جنوح الوقداني إلى مدح هذا الوزير بالفصيح لأن هذا الوزير قد لا يفهم ألفاظ ومعاني الشعر النبطي، فهو ليس من أبناء الجزيرة العربية، بل عاش إما في مصر أو تركيا الاستانة ، فضلا عن ان الوقداني يريد أن يدلل على براعته وقوة شاعريته أمام هذا الوزير، وأنه يستطيع أن يقرض الشعر الفصيح.
وهذه القصيدة التي مدح بها الوزير استهلها بالغزل كما هي عادة الشعراء القدامى، ثم أثنى على الممدوح بجملة من الأوصاف، ولكن يبدو ان الأديب الطائفي محمد كمال لم يورد القصيدة كاملة أو أن هذا هو الذي وقف عليه من الرواة, والدليل على أنه لم يورد هذه القصيدة كاملة أن الوقداني عندما استهل قصيدته الرائية بالغزل ذكر محبوبته الخيالية قائلاً:
أبرق لاح أم قمر منير ومسك فاح أم ند عبير سرت جناح الظلام فقلت بدرا يكاد بنوره الساري يسير |
إلى آخر القصيدة، وبعدما ذكر احد عشر بيتا في هذه المحبوبة قال مادحا الوزير:
سما ملك الحجاز وأرض نجد محمد باشا رشدي الشهير |
ثم أردفه بيتاً ثانياً فقط، وختم القصيدة الأديب محمد كمال، إذا ليس من المعقول أن يذكر الوقداني كل هذه الأوصاف في أول القصيدة، ثم لا يخلع على ممدوحه الوزير وهو شخصية لها مكانتها سوى بيتين من الشعر ومن ثم يختم القصيدة.
ولنعد الآن إلى جانب آخر من حياته فنقول: انه اختص بالأشراف أمراء مكة المكرمة، فلقد مدحهم ومجدهم بقصائده، وقربوه فأصبح نديما لهم لايكاد يفارقهم ونال جوائزهم، كما أن جل قصائده فيهم كانت بالشعر النبطي، وبعضها بالفصيح، إذ أنه ممن أجاد النوعين وبرع فيهما،
هذه نبذه عن الشاعر بديوي الوقداني رحمه الله تعالى المتوفى سنة (1296ه) وسنه عند وفاته كان (52) سنة، فهو لم يعمر طويلاً، ولو أن الله سبحانه وتعالى أمد في عمره، لكان عطاؤه أكثر، ولكنها الآجال وأقدار العباد، فلكل أجل كتاب.
وهنا لابد من دعوة لأخواني الباحثين المهتمين بتراثنا وتاريخ الجزيرة العربية إلى بحث ودراسة في سيرة هذا الشاعر الكبير، ومحاولة البحث في الكتب والتراجم الحجازية، لعلنا أن نقف على معلومات أوفى وأكثر عن أخباره، فهو علم جدير بالدراسة والبحث.
وختاما لابد من شكر للأستاذ المؤرخ الأديب فائز بن موسى الحربي على دلالته على ان بديوي من المترجمين في هذا الكتاب النفيس نزهة الفكر فله مني وكل مستفيد جزيل الشكر وأوفر الدعاء.
صلاح بن إبراهيم الزامل
|
|
|
|
|