| تراث الجزيرة
ان الوقوف على وصفات حميدان الناجحة التي ليست بالقليلة، ربما يكون فيها متعة بداخلها العجب من أساليب الوصفة.
والطبيب حميدان: هو حميدان الشويعر هكذا اجمع مترجمو سيرته الذاتية فلم يذكروا اسم والده، وكل ما أمكنهم معرفته انه من السبايرة من الدعوم احدى فروع قبيلة بني خالد.
الذي سمعته من اكثر من مسن انه حميدان بن مانع، وانه سمى ابنه مانع باسم أبيه كعادة العرب، وهي عادة حسنة يجدد بها المرء اسم أبيه، وهي متبعة حتى الآن وان لم تخني الذاكرة، فانني سمعت وانا صبي من أحد المسنين يقول: حميدان الشويعر هو حميدان بن مانع بن ناصر بن مجلي الشويعر.
والحقيقة ان هذا لا يقدم ولا يؤخر في ترجمته التي تثبت بأنه من قبيلة بني خالد، وانما هو مجرد اضافة يعوزها الدليل القاطع، وان كانت قريبة من الواقع لو استقرأنا اشعاره المتعلقة بذلك.
وحينما اصف حميدان بالطبيب فانني لم اخرج عن اطار فلسفة المثل العامي القائل: فلان طبيب زمانه وحميدان كانت له توجيهات ووصايا، ونصائح وتحذرات بلغت فيها الحكمة مبلغا فمعظمها نتائج تجارب قام بها او شهدها، او حققها بالبراهين الدالة على وقوعها، او استوحاها ممن سبقوه من ذوي الحكمة.
ولست هنا اول من وقف على ما كتب عن حميدان او قرأ شعره الذي اهتم بجمعه عدد من المهتمين بالأدب الشعبي، ولا اتوقع انني آخر من يتحدث عن حميدان فهو شخصية فذة، والشعر الذي بين أيدينا ليس كل ما قاله من الشعر، فهو كشاعر امتدت به الحياة وبلغ عمره اكثر من سبعين سنة، حيث ذكر الدكتور عبدالله ناصر الفوزان في كتابه رئيس التحرير حميدان الشويعر انه عاش من الفترة ما بين نهاية القرن الحادي عشر الهجري وبداية الثلث الاخير من القرن الثاني عشر الهجري وان هناك ما يفيد بأن اسمه حمد وليس حميدان، وان اسم والده ناصر، وهذه الافادة من وثيقة لدى الراوية ابراهيم العبدالله اليوسف رئيس التحرير حميدان الشويعر ص11، 210.
وأشار الدكتور عبدالله الفوزان الى ان أقوالا غير ثابتة تفيد بأنه مات مسموما وان هذا الأمر ليس بمستبعد، فهو الجريء على الهجاء والتصريح به لكن الدكتور الفوزان قال انه يرجح انه مات حتف انفه في بلدة اثيفية .
أما وصفاته التي كان يصفها للناس فمنها قوله في هذين البيتين اللذين وجدتهما ضمن اوراق قديمة عندي:
لقيت دوا الظما القربه والحمار دواه القيد ودوا الحرمة الى فسقت ثلاث من قيود رشيد |
وقد وجدت الأخ محمد عبدالله الحمدان قد أوردهما في ديوان حميدان الشويعر ص 73 بنفس النص عدا عجز البيت الاول فهو عنده ودوا الحمار القيد وحيث قدم وأخر حصل فيه بعض العرج، فالاستقامة تكون في والحمار دواه القيد .
أما رشيد وقيوده فقد قيل ان شخصا كان معاصرا لحميدان وانه طلق زوجته طلاقا مبالغا فيه، حيث اخذ يكرر لفظة طالق 99 مرة وذلك امعانا منه في التأكيد على طلاقها وعدم الرجعة اليها، وحميدان يقول: يكفي للانسان الذي يريد ان يطلق امرأته بثلاث من التسعة والتسعين التي كررها رشيد.
ومن بين الاوراق القديمة التي لدي وجدت منسوبا لحميدان قوله وهو يشتغل في مزرعته في اثيفية بعدما انتقل اليها من بلده الاصلي القصب .
قال الدكتور عبدالله الفوزان: اسم المزرعة مبلج رئيس التحرير حميدان الشويعر ص 13.
قلت وقد ذكر انه وهو يشتغل وكان ابنه مانع واقفا ينظر اليه ولم يساعده قال:
واقف عندي يشوف كنه العير الصنوف لو يعاوني جبرني كان أخير من الوقوف |
والحقيقة انني لا أنفي ولا أثبت انهما لحميدان، وقد تتبعت بعض ما ذكر من قصائد ومقطعات لحميدان ولم اجد هذين البيتين من بينها، فلعلهما يضافان الى اشعاره واذا ما نظرنا الى اسلوبهما الشعري وجدنا انهما أقرب ما يكونان الى أسلوب حميدان وبما انه ساورني الشك في انهما للشاعر المعروف سليمان بن مشاري بن علي راعي الداخلة بسدير أحفيت السؤال عنهما فما وجدت من يحققهما، وممن سألته عنهما الاخ علي بن عبدالله الموسى من اهالي الداخلة بسدير، الذي تربطه علاقة قوية بالشاعر سليمان بن مشاري بن علي رحمه الله فأفادني بأنه يظن انهما لواحد من العصمة من عتيبة وانه كان يسقي غنما له من قليب في الداخلة بسدير، وكان الى جانبه رجل واقف لم يساعده فقال البيتين آنفا الذكر:
قلت لعل العصيمي سمعهما فتمثل بهما، وان حقيقتهما لحميدان الشويعر.
وتبقى الاشارة الى انني اكثر ما سمعت البيتين المذكورين وانا في صباي من الذين يعزقون الأرض بالمساحي، يوم كانت المساحي هي آلة عزق الأرض فهم يتغنون بهما بلحن ينسجم على ايقاع المساحي حينما يرفعونها ثم يهوون بها على الأرض بشكل جماعي وبصوت متناغم مع حركة عزف الارض ليثروا بذلك حماسا في نفوسهم، ويطردوا به الكسل والسأم من مواصلة العمل بل ويخففون به ما يمسهم من تعب.
|
|
|
|
|