| شرفات
في هذه الرواية يتشبث حنامينة بأسئلة جدية حول معنى الحياة، الموت ، والكفاح، ويستمر في البحث الروحي عن المعنى.
هذه المهمة، التي طالما شغلت يونغ، وفرويد اوادكر، وماي وفرانكر، وغيرهم من علماء النفس والمفكرين الرواد, ان مينة وهو المتفائل دائما (كما يقول عصام سليمان الناقد السوري المعروف)، يعرف نفسه بأبطاله، يشحنهم بالقوة والعنفوان الداخلي والشجاعة، والطاقة، يمكنهم من فهم اوضاعهم، وينير طريقهم المظلمة بفكر جديد، ويحرضهم على الثورة والانتصار على الارض، التي هي المجتمع الذي يريد ايقاظه، وفتح عيون ناسه على الحقيقة المؤلمة لحياتهم البائسة.
وقارىء هذه الرواية، يشاطر مينة في بحثه الوجودي، ويكتسب في النتيجة قوة روحية وأخلاقية.
في حين يعتبر مروان دراج، وهو ناقد ادبي عربي من فلسطين، الشمس في يوم غائم واحدة من اهم الروايات، في تاريخ الرواية العربية بلا استثناء، ولاشك بأن هذا البيان او الاقرار القوي المطلق، مؤسس على اسباب عديدة من بينها كما يرى سليمان تعقيد الرواية، والتساؤلات اللانهائية التي تطرحها، ومجال رؤيتها او تخيلها .
ان اهميتها في اختصار تكمن في تراثها الذي يتيح تعدد التفسيرات عند النقاد والقراء,ويرى الناقد عصام سليمان من جهته، ان هذه الرواية توصيف (بورتريه) صادق، ودقيق ، للصراعات الاجتماعية، والسياسية، وللكفاح الطبقي، وللتناقضات التي عصفت بسورية، ابان الانتداب الفرنسي.
وان مينة كما يبدو يستخدم هذه الخلفية ليقدم بيانا قويا، لتغيير هذه الحقيقة بالذات.
يقول سليمان:
حقا ان مينة بحساسيته الكبيرة وتوقه الى مجتمع عادل وحر، انما يتوسط رؤية، تمتد بعيدا والى حدود سورية، وانتدابها الفرنسي، وينطبق على أي مجتمع تحت حكم جائر.
والرواية بهذا المعنى عالمية.
ان مينة كما نستطلعه في هذه الرواية ليس مراقبا، أو شاهدا صامتا، ابدا.
بل انه ينزع قفازيه، ويولج يديه في اللحظات الحرجة في التاريخ، في خنادق المضطهدين والمخدوعين، وفي الفقر، والضعف، انه صوت من لا صوت لهم، ابطاله يرفضون التصالح مع الواقع، وهم ثورة دائمة، ضد شرطهم البائس والجائر.
ومن هنا يرى سليمان، ان مينة واقعي صادق مع التزام اجتماعي واخلاقي ، يستعمل قلمه كسلاح يستنهض به الوعي الذي يعتبر الخطوة الاولى لاي تغيير ثوري يضع حدا للبؤس، والاضطهاد.
د, نجاح العطار وهي ناقدة ادبية، ووزيرة الثقافة سابقا في سورية تقر من جهتها ان في هذه الرواية رؤية ابعد من الكفاح الطبقي، والصراعات السياسية والاجتماعية بل انها تذهب الى ما هو ابعد من ذلك بكثير حين تنظر الى هذه الرواية بوصفها توحد صوفي بالعالم .
لقد كتبت انها وجدت في رقصة زوربا، عنفاً، تحدياً، وكشفاً للاخطار، والمشاعر المكبوتة في اللاوعي,وكما يرقص راقص الخنجر في الشمس في يوم غائم بحثا من اجل الوصول الى الحقيقة، ليدرك ما الذي يوجد وراء الافق، ويحقق العدالة التي لابد منها، مثل شروق الشمس، رغم السحب الكثيفة الداكنة، التي تحاصر اشعتها.
انه أي راقص الخنجر يتوق الى عنان الكون، ويفتح ذراعيه واسعا ويرقص وفي رقصته تحد، ومواجهة رمزية، وصراع شرس مع الحياة وعسفها، وتأكيد قوي للوجود الانساني، واللافت في هذه الرواية ان الراوي فيها هو صوت الكاتب: قائد، ومعلم في الحياة والرقص، وفيلسوف فقير، ملاحق، ومطارد من البوليس السري، مقهور هو ومعذب ايضا, ولكنه صوت الحكمة، مشتق من تجارب الحياة، وليس من الكتب والمدارس.
يعلم بشرف واخلاص ، بطل الرواية وهو المثقف المنحدر من طبقة استقراطية يعلمه المعنى الصحيح للحياة ، والنضال، والمرح والأهم، هو يعلمه كيف يدق الارض حتى تستيقظ، وكيف يحب، ويرقص، وماذا يعني ان يخسر المرء نفسه في امر ينتج عنه الخلاص الكبير، الحياة جميلة، اشرب من نبعها، فما يبدو عكرا اليوم، سيصبح جليا كالكريستال غدا ,ان مينة كما يذهب الناقد عصام سليمان يحمل الى وعينا في روايته، حقيقة بسيطة لكنها هامة، وهي انه ينبغي ان يكون لنا أحد ما او شيء ما نعيش من اجله لان العيش من اجل لا شيء أكذوبة وزيف وعندها فقط يصبح للغناء والرقص واللعب معنى، فعند ما لا نملك شيئا ما نكرس ذواتنا لأجله، ينبغي ان نخلقه ولو في مخيلتنا، وكما يخلص مينة، فان التفاني، والوفاء، والاخلاص لما نحب، هي المفاتيح النهائية للسعادة، سعادة ان ينذر المرء نفسه لشيء ما، فهذا يعني ان يحبه، ويحبه بجنون اذ عندما نمنح قلبنا وروحنا لشيء ما، فلا بد أن يهبنا نفسه، وعندئذ فقط يبلغ المرء قمة سعادته.
دع آلتك تتكلم ان كنت موسيقيا، دع قدميك تتكلمان ان كنت راقصا، دع ذراعيك تتكلمان ان كنت مقاتلا.
سيفتح الباب عندئذ، اضرب الارض ، انفذ اليها .
وهنا يرى مينة في المثابرة والمواظبة على هذا التفاني والاخلاص، مفتاح النجاح في النهاية، المثابرة هي المفتاح، اضرب، دق بقدميك ارضنا النائمة، لتوقظها، وهي ستفيق من سباتها حتما، الباب الذي يقرع سيفتح، والسحر سينكشف ويتبدد، عندما تعمل باخلاص، وهنا نستشرف حنامينة من علياء روايته.
كاتب ذو هم اصيل، وهو كما يؤكد بسام فرنجية في مقدمة الطبعة الانجليزية للرواية.
يسعى الى تغيير نظام المجتمع القائم الممهور بالشروط اللا انسانية انه يظهر التزاما اخلاقيا عميقا،بتطوير وعي جديد، سيعود الى تغيير ثقافي وسياسي واجتماعي وشخصي، انه رجل استعمل فنه وموهبته ليبدع رؤية للمسحوقين في هذا العالم، وقد كتب هذه الرواية بأمل ان يعطي للكثير من الناس نهماً اكثر وضوحا عن انفسهم وعن العالم,, نعم ان رواية الشمس في يوم غائم تتطلب القراءة اكثر من مرة، لانها مثل اللوحة تكشف عن نفسها بالتأمل فقط .
بقي ان نذكر اخيرا، بان مينة هو كاتب سوري وفير الانتاج ، وله تقريباً ثلاثون عملا روائيا وكتب اخرى كثيرة، وقد اصبح مدرسة بحد ذاته للواقعية الاصيلة الصادقة الممزوجة بالرومانسية الثورية.
|
|
|
|
|