| شرفات
كان قد صدر عن (دار المعرفة) للنشر بدولة الكويت كتاب هام تحت عنوان (الطفل العربي والمستقبل) اشراف الباحث الدكتور سامي عزيز بالتعاون مع منظمة اليونيسيف وهو مجموعة ابحاث ودراسات تخصصية كتبها نخبة من المهتمين بقضايا الطفل العربي ومراحل نموه وما يلاقيه في مسيرة حياته من مشكلات, وطفل اليوم هو رجل الغد، لذا فان ما نقدمه له الان يحدد شكل سلوكه في المستقبل، ويؤشر طبيعة المجتمع الذي سوف يعيش فيه ايضا وقد قسم هذا الكتاب الى اربعة فصول وهي في السنة الاولى آباء وابناء خبرات وتجارب والرسوم المتحركة يقول الدكتور عزيز حول السنوات الاولى من حياة الطفل بانه من الضروري متابعة حياة الاطفال في سنواتهم الاولى من حيث تكوينهم النفسي واحتياجاتهم وما يمكن ان يواجهوه من مشاكل في هذه المرحلة التي تتكون فيها المفاهيم والصور والحروف في ذهن الطفل ويقول ايضا: (ان اطفالنا يستخدمون قبل النطق لغة الاشارة اداة الاتصال والتعبير والمدهش ان هذه اللغة واحدة لكل الاطفال في المجتمعات المختلفة وفي دراسة جديدة اكتشف العلماء ان توجهات ابنائها ومشاعرهم وسماتهم النفسية تتضح من خلال هذه الاشارات التي يعبرون بها عن انفسهم وتشير ملاحظات عالم فرنسي (مونتاجز) الى ان بعض الاطفال يميلون الى استخدام بعض الحركات التي تنتمي الى مجموعة معينة من المجموعات, فالملاحظ ان نسبة غير قليلة من الاطفال تستخدم الحركات التي تنم عن العنف بصورة اكثر في سن مبكرة قبل اتمامهم العام الثاني في حين ان هناك نسبة اخرى من الاطفال تميل معظم حركاتها الى الود والحب والصفاء ولا يعرفون شيئا عن العنف والوعيد او التهديد الا ان هذه التصرفات جميعها غير متعمدة وغير مقصودة وهي غالبا ما تتزايد مع نمو الاطفال وانتقالهم الى مراحل العمر المختلفة لتصبح طريقتهم الثانية في تصرفاتهم مع الاخرين,, ويمكن التنبؤ بتصرفات الاطفال في المستقبل كما يقول العالم الفرنسي اذ ان ما يقومون به من حركات في السنوات الثلاث الاولى يكشف العديد من خفايا المستقبل,ويستطرد الدكتور عزيز: اما الطفل العدواني والغضوب الدائم الشجار مع الاخرين الذي لا يعرف الود او العطف فلن يحبه احد من الاطفال ولم يؤثر في المحيطين به ,, وبالتالي فهو لا يصلح لقيادة احد اما الاطفال الذين يصلحون للقيادة فانهم غالبا ما يرددون لغة واحدة فهم لا يخلطون بين حركات الحب والعنف كما يظهر في تصرفات بعض الاطفال فالطفل الذي يمسك بيده احدى لعبه ويقدمها لزميله بينما يجذب شعره باليد الاخرى بعد ثوان اي انه يجمع بين حركات مجموعتين مختلفتين فهو طفل عدواني ايضا لا يعرف الحب ومثل هذا المزج بين الحركات لن يجعله مقبولا من قبل الاطفال الاخرين,ويتساءل الباحث ما هو السبب في تباين هذه التصرفات بين اطفالنا هل هي العوامل الوراثية؟ هل هي البيئة؟ هل للمحيطين دور فاعل؟ ومااثر العلاقة بين الام وطفلها في نشأة ونمو هذه الممارسات وتغيرها؟
يعتقد (مونتاجز) ان العوامل الوراثية ليست ذات اهمية في تشكيل تصرفات اطفالنا لكن هذه التصرفات ترجع بنسبة قد تصل الى 85% الينا نحن الاباء والامهات مع اطفالنا وبخاصة علاقة الام بطفلها حيث انها العامل المؤثر التي لها القيمة الملحوظة في نشاط وتصرفات معينة دون غيرها وعلى الام ان تتذكر دائما ان الطفل يجب ان يعامل حسبما تقتضيه حالته وسلوكه.
ويقول الباحث الدكتور زكريا ابراهيم في دراسته حول نشوء العقد النفسية لدى الاطفال مشيرا الى انه حينما يتحدث علماء النفس عن (العقد) فانهم يعنون بها تلك الانماط المبكرة المنظمة للسلوك في مرحلة الحياة مما تم تكوينه في العادة على نحو لا شعوري في مرحلة مبكرة من مراحل الطفولة نتيجة لخبرات معينة كانت سببا في اصابة الشخصية بضرب من الاضطراب او الاختلال ولعل في مقدمة (العقد) التي قد يعمل الآباء والامهات على غرسها في نفوس ابنائهم (عقدة الذنب) وربما كان من اهم اعراض هذه العقد والرغبة في العقاب الذاتي واذا كان ثمة عقدة نفسية اخرى وثيقة الصلة بعقدة الذنب فتلك (عقدة النقص) ومن اهم اعراض هذه العقد الشعور المرضي بالحياء او الخجل والخوف من مواجهة الاخرين اعتبار نظرة الغير بمثابة حكم او ادانة او لوم او سخرية ومن هنا فان المصابين بهذه العقدة يخشون المجتمعات ويهابون الناس ويعجزون عن الكلام او التعبير عن انفسهم امام الغرباء ويشعرون بقصورهم وعجزهم وفشلهم في الحياة وقد دلتنا التجارب على ان الآباء والامهات قد يعملون من حيث لا يدرون على غرس وتنمية هذه العقد في نفوس ابنائهم عندما ينمون فيهم مشاعر النقص,اما الباحث الدكتور عبدالقادر يوسف فيتحدث في الكتاب عن الاطفال الموهوبين مشيرا الى اهتمام الناس منذ اقدم الازمنة بالاذكياء من الاطفال باعتبارهم قادة المستقبل في مختلف ميادين المعارف الانسانية ولم يكن العرب اقل من غيرهم اهتماما بمن تظهر لديهم النجابة والنبوغ من الاطفال بغض النظر عن اصولهم وبيئاتهم الاجتماعية ولابد للعباقرة من الاطفال من يبحث عنهم ويأخذ بيدهم ويلفت الانظار اليهم كي يمنحوا العناية اللائقة وتستفيد الامة منهم والطفل الموهوب ذو طاقة عقلية هائلة يجب استغلالها على اكمل وجه والا اصيب بخيبة امل وربما اصبح عبئا على المجتمع يمتلىء نقمة وحقدا وعندما يصعب علاجه واعادة تسييره في الاتجاه الصحيح.
ويطرح الباحث الدكتور ملاك جرجس سؤالا يقول لماذا يكذب الاطفال؟ وفي اجابته على السؤال يقول: (ان الاطفال لا يولدون صادقين، لكنهم يتعلمون الصدق والامانة والمناقب الاخرى شيئا فشيئا من البيئة هذا اذا كان المحيطون بهم يراعون الصدق في اقوالهم واعمالهم ووعودهم اما اذا نشأ الطفل في بيئة تتصف بالخداع وعدم المصارحة والتشكك في صدق الاخرين فأغلب الظن انه سيتعلم الاتجاهات والاساليب السلوكية نفسها في مواجهة الحياة وتحقيق اهدافه ومن الخطأ الظن ان الطفل الصغير لا يفرق بين الكذب والصدق فالطفل في مقدوره تماما ان يفرق بين ما هو صادق وما هو كاذب لا سيما المتعلق بالامور والرغبات الخاصة به اما الطفل الذي يعيش في وسط لا يساعد على تكوين اتجاه الصدق والتدريب عليه فانه يسهل عليه الكذب خصوصا اذا كان يتمتع بالقدرة الكلامية ولباقة اللسان وكان ايضا خصب الخيال,,فكلا الاستعدادين مع تقليده لمن حوله ممن لا يقولون الصدق ويلجؤون الى الطرق الملتوية وانتحال المعاذير الواهية يدفعانه منذ طفولته الى الكذب وعلى هذا الاساس فان الكذب صفة او سلوك مكتسب يتعلمه مثلما يتعلم الكذب وليس صفة فطرية او سلوكا موروثا.
وفي الفصل الثالث (خبرات وتجارب) يتحدث الباحث الدكتور محيي الدين توق عن اللعب في حياة الاطفال ذلك النشاط الذي يعبرالطفل من خلاله عن ذاته ويتعلم اساليب الاتصال بالناس وبالاشياء وغالبا ما ينظر الى اللعب على انه نشاط يقوم به الانسان من اجل المتعة المرتبطة به دون اعتبار لما قد يترتب عليه من نتائج ويمكن ان يكون اللعب فعالا نشيطا ,, كما يمكن ان يكون هادئا ويضيف الدكتور توق: ان هناك عددا من الاعتبارات التي يجب ان توضع في الحسبان عند اختيار طرائق وادوات لعب الاطفال منها: ان الاطفال يكتشفون العالم من خلال العابهم وينجزون هذا الاكتشاف عن طريق الرؤية والسمع واللمس والذوق ولذا يجب ان تكون لعب الاطفال ذات الوان براقة واوزان خفيفة وملامس مختلفة كما انها يجب ان تكون من النوع الذي يمكن غسله وتنظيفه ومن احجام لا يمكن ابتلاعها وألا تكون حادة الاطراف كي لا تؤذي الاطفال ويجب ان تتناسب الالعاب مع اعمار الاطفال.
ويتحدث الفصل الرابع من الكتاب عن الاداب والفنون في حياة الاطفال حيث يقول الدكتور عماد زكي ان الرسوم المتحركة تلعب دورا مهما في تكوين شخصية الطفل وهي تحتل مكانة مرموقة في اعماقه لانها تقدم له المعلومات في قالب قصة جذابة او حكاية مثيرة تجري احداثها في تلك العوالم التي طالما سأل عنها وتمنى رؤيتها واذا كان للطفل رصيد محدود من الكلمات والرموز فان له ثروة كبيرة من لغة الاحساس,ويتحمل التلفزيون مسؤولية حمل الاطفال على العيش في عالم الكبار بآلامه وأفراحه وتعقيداته هذا وان هناك حوالي مائة مليون طفل عربي وهؤلاء يمثلون ما يقارب 45% من عدد سكان الوطن العربي.
وتقول الاحصاءات ان اطفالنا هؤلاء يشكلون اعلى نسبة من نسب الاطفال مقارنة بأي شعب آخر فالنسبة هنا ليست قليلة ومهما قدم لهذه الشريحة الكبيرة من البشر في محيطنا فانه سيظل متواضعا اذا لم يؤد ما يقدم من خدمات الى تمويل هذا القطاع من تواجد بالعدد الى تواجد مشارك في التنمية بالفعل ,, ذلك ان اطفال اليوم هم رجال الغد وما نقدمه لهم الان يحدد شكل سلوكهم في المستقبل ويحدد طبيعة المجتمع الذي سوف يعيشون فيه.
|
|
|
|
|