| أفاق اسلامية
ترى ما الذي يدفع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ورجل الحسبة الى هذا العمل الذي يجعله غير محتفى به، ولا مرغوب فيه من قبل بعض الناس؟!
وما الذي يحمل رجل الحسبة على هذا العمل الذي له من التبعات والمسئوليات ما له؟! وما الذي يجعله مقدما عليه راغبا فيه؟! وأي شيء يجنيه من عمله ذلك ؟ وما مقصده من الاستمرار عليه، وقد علم بما يقوم في قلوب أولئك الذين اصطدم معهم وقطع عليهم شهواتهم؟!
ان هذه التساؤلات وغيرها الكثير نعرض اجاباتها على لسان فضيلة الشيخ سعد بن عبدالله البريك المدرس بكلية المعلمين الذي تحدث في خطبة له حول دور رجال الحسبة ومدى اهمية ما يقومون به وخطر التحدث في اعراضهم موضحا فضيلته انه في هذا الزمان الذي يعج بمختلف المصائب والفتن والملاحم والبلايا واشكال ملونة لا يحصيها العبد من امور نعرفها ونذكرها، يبقى دور الطائفة المؤمنة ودور الطائفة المجاهدة ويبقى دور الذين لا يدعون مع الله الها اخر، يبقى دور الذين يودون ان يحشروا الى ربهم وقد رضي عنهم ورضوا عنه، يبقى دور الطائفة التي لا تريد علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين، يبقى دور العلماء ودور الدعاة والمصلحين ودور الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وما اقل من يعرف قدرهم وما اقل من يعرف منزلتهم، وما اقل من يعرف مكانتهم في هذا الزمان!
الطائفة المحتسبة
وعن هذه الطائفة المؤمنة المحتسبة يقول الشيخ البريك: كثيرا ما نسمع عن لقاءات ومقابلات وتسليط اضواء على ذوات وصفات وجهات مختلفة في المجتمع؛ لكن طائفة بقيت في كثير من مجالسنا وعند كثير من إخواننا بقيت في عالم النسيان بقيت مجهولة القدر، بقيت مجهولة المنزلة، متسائلا فضيلته: اتدرون من هذه الطائفة المنسية؟ أتدرون من هي هذه الطائفة التي ربما ذكر الناس ولم تذكر الا قليلا؟ انها الطائفة المحتسبة، طائفة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ما اقلهم في غربة هذا الزمان، وما اندرهم في فتن هذا الزمان، جاهدوا بصدق ومضوا بعزيمة وارخصوا الدنيا وباعوها لله وبذلوا الروح واشتروا الجنة وقبلوا في ذلك كل بلاء وفتنة ومصيبة، مشيرا الى انه لا يشك احد في ان هذه الطائفة المباركة، رجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يقومون بدور عظيم، بل عده بعض علماء الاسلام ركنا سادسا من اركان الدين، هذه الطائفة تقوم بهذا العمل العظيم الذي جاءت الشريعة بتحصيله، مستدلا بما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ان من اعظم مهمات الشريعة ومقاصدها تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ويطرح فضيلته هذه التساؤلات قائلا: وهذه الطائفة قامت بهذا العمل، من الذي امرها؟ ومن الذي اوجب عليها؟ ومن الذي ألزمها؟ ومن الذي وجهها؟ ثم يجيب فضيلته مؤكدا ان الله تعالى هو الذي امرها ووجهها بقوله: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ووصفوا كذلك بهذا الوصف:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).
وعدّ هذا في مناقبهم (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) مؤكدا فضيلته بقوله: ابعد هذا يشك مسلم في ان وظيفة هذه الطائفة جاءت بتكليف من فوق سبع سماوات؛ لا والله بل دعم هذا وأيد بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) ايد هذا وزين بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب أو عذاب ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم).
ثم يواصل الشيخ البريك حديثه قائلا: والآيات والاحاديث كثيرة في وجوب الامر بالمعروف ووجوب النهي عن المنكر وفي ضمان سلامة المجتمع وصمام امانه عن الحروب والفتن والفيضانات والزلازل والبراكين والمصائب ضمانها بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر (ثم أنجينا الذين كانوا ينهون عن السوء)، موضحا فضيلته ان الامة لو ابتليت بعداوة داخلية او خارجية لا يرد عنها الا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع ما أوجب الله على الامة ان تأخذ به.
من واقع مجالسنا
ويتطرق الشيخ البريك الى ذكر امثلة بعض المجالس التي تلمز في رجال الهيئة فيقول: ومن واقع مجالس حضرتها وجلستها وسمعت ما فيها اذ باحدهم يتكلم مستهزئا بالآمرين والناهين فاحدهم يقول كنت في السوق فأوقفني (مطوع)، والآخر يقول كنت في ذلك الطريق فقابلني رجل وقال من الذي جاء بك، والثالث يقول كنا في كذا فأخرجنا من منزلنا وعمالنا، والرابع يقول كنا كذا ثم تجسسوا علينا وظنوا بنا، ولا تخلو المجالس من حديث في اعراض هذه الطائفة المجاهدة، فلماذا نتسلط على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في مجالسنا؟! أسألكم بالله!! هل نال الفنانون منا نقدا كما نال رجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! هل نال اهل الربا الذين يحاربون الله صراحة ويبشرون الامة بلعنة ويقدمون ويزفون الى الامة لعنة، هل نالوا منا هذا النقد وهذا التجريح؟ الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا هل نالوا منا هذا التجريح؟! الذين يروجون الدعارة والخنا هل نالوا منا هذا التجريح؟! الذين يبيعون كل مُلهٍ ومضل عن سبيل الله هل نالوا منا هذا الانتقاد؟ اهكذا يكون شأن المؤمنين مع اخوانهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟ ويستدرك فضيلته قائلا: اذا كان هذا حظ احبابنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر منا، يا من ننتسب للاسلام ونعيش في افضل دولة في هذا العصر فما حظهم من اعدائهم وممن يتربصون بهم الدوائر، فينبغي ان ندرك لهذه الطائفة فضلها ومكانها ومنزلتها.
فلنسأل عن أحوالهم
واضاف الشيخ البريك: اما رجال هذه الطائفة المحتسبة اعني بهم الرجال الذين يتقلبون غيرة لله وغيرة على محارم الله وغيرة على دين الله، اولئك فلنسأل عن احوالهم كيف مواعيدهم بالليل، سهر الى آخره, ثم يطرح فضيلته المقارنة التالية بقوله: نحن ندخل دوامنا في الساعة السابعة والنصف ونخرج في تمام الثانية والنصف والويل ثم الويل لمراجع يخرج لسانه علينا، لو ان المراجع اخرج لسانه علينا ورفع صوته لكان حظه ربما عند بعضنا ان تنسى معاملته زمناً او اسابيع، نحن في اعمالنا على مكاتبنا، قلم جميل ومكيف هادئ وفرش رائع وخادم يأتي بمختلف الطعام والشراب واعمال هادئة، اما عضو الهيئة رجل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو قائم قاعد في صراع وفي مشاجرة وفي مواجهة وربما قل ادب الذين يأتون بهم من المخالفين فمد يده عليهم، مع ما يناله من السب والشتيمة والاستهزاء والسخرية، انا في مكتبي وهو في ميدانه وفي جولته وفي متابعته، الفرق واسع والبون شاسع ولكن اذا عميت البصائر عميت الابصار.
ويشير الشيخ البريك كذلك إلى ان الواحد منا يخرج بعد العصر لربما يبيع سيارة او يشتري سيارة او يبيع ارضاً ويشتري ارضاً، وقد يعقد صفقة ويفرق اخرى، واولئك اين يكونون؟ لا سبيل الى تحصيل البيع والشراء، لماذا؟ مشغول اما بمركزه او بميدانه او بقضية يتابع فيها، اما اذا كان الحديث عن وقت دوامه فكم هو دوامه؟ دوامه قضيته، فمنذ ان يبلغ عن قضية مخدرات او حشيش او دعارة او منكر من المنكرات فهنا يبدأ الدوام وربما انتهى الدوام بعد يومين او ثلاثة وربما انتهى الدوام في ساعة متأخرة من الليل، وبعد هذا كله نجد من يمد لسانه (وإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير)، شحيح احدهم ان يقول لهم دعوة بظهر الغيب او كلمة تثبيت لهم.
مراقبة الأسواق أفضل لهم من التراويح
ويواصل الشيخ البريك حديثه قائلا: في رمضان المنصرم سألت عددا من الدعاة من رجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، كم تصلون التراويح؟ قالوا والله نصلي العشاء ثم تبدأ مهامنا في الاسواق، اما نحن معاشر المؤمنين فنتلذذ بسماع الآيات ونتلذذ بالركوع والسجود في مساجد مفروشة ومكيفة ومبخرة ومعطرة ورجل الحسبة يدور في الاسواق خشية ان يأتي ذئب مفترس فيرمي برقم على بنتي وبنتك او رسالة لاختي واختك ثم تحصل الخلوة وتكون الفاحشة وتقع الجريمة، وقد سئل بعض اهل العلم عن ذلك فقال:
انما تفعلونه من الطواف بالاسواق ومراقبة اهلها والحيلولة دون حدوث المنكرات افضل عند الله من التراويح ، فهنيئا لهم بهذا الفوز لان الله جل وعلا يقول: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) بقدر ما في قلب المحتسب وهو يحترق ان يكون معنا في ركوع وسجود يحصل له هذا ومع تحصيله يدفع مصيبة عظيمة، نعم لو صلى التراويح في المسجد لنال مصلحة شخصية لوحده؛ لكن الحيلولة دون وقوع المنكر والامر بالمعروف مصلحة عامة للامة, ثم يمضي في حديثه متطرقا الى اهم اعمالهم فيقول: انتم في يوم الخميس والجمعة تقضون اوقاتكم تتنزهون لكن شدة العمل عند رجال الهيئة ليلة الخميس وليلة الجمعة وفي ازدحام الاسواق جميعها، ثم الا نشكر لهم انهم يحفظون اعراض المسلمين من اولئك الفجرة، حينما تدخل بنات المسلمين السوق ليقضين حوائجهن، من الذي يقف دون ان يزاحمهن او يضايقهن فاجر من الفجار؟! لا يقف لها الا رجال الحسبة، وكم لقي احدهم من التعديات والاحوال الشديدة من اجل مسلمة لا تعرفه ولا يعرفها، فحسبه لهذا شرفا ويكفيه لهذا منزلة ان يعرف قدره باذن الله جل وعلا.
هل حصل لك موقف مع الهيئة؟
ثم يقول فضيلته مسترسلا: بعد هذه المعاناة العظيمة التي يجدها اعضاء الهيئة التي لربما يغيب احدهم عن زوجته باليوم والليلة ويغيب ربما ابعد من ذلك ويتعرض لاخطر من ذلك نجد ان بعض افراد مجتمعنا لا هم له الا السب والشتيمة والتجريح! نجد من يسخر بهم ومن يستهزئ بهم، نجد من يتحدث بهم في المجالس ولو سألته هل حصل لك موقف مع الهيئة؟ فسيرد: لا,, انما سمعتهم يقولون شيئا فقلته؛ فلا تجد أحدا يسند على امر او ربما روى بعض حادثة فغيرها وقلبها ولفقها ثم رواها حسب ما يشتهي قلبه.
نحذر ونخوف
ويحذر البريك في ختام خطبته قائلا: إنا نحذر ان يستهزئ المسلم بالهيئات او برجال الهيئات لان من استهزأ بوظيفتها، فوظيفتها جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله ومن استهزأ برجال الهيئة استهزأ بسنة والاستهزاء مخرج من الملة (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) ويقول الله جل وعلا في الحديث القدسي (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب) وكم رأينا اناسا عادوا اولياء الله وكم رأينا رجالا كانت امانيهم واقصى غايتهم ان يجد زلة على رجل من رجال الهيئة لكي يتكلم عليه ويستهزئ به ففضحه الله على رؤوس الاشهاد والخلائق!.
ويواصل البريك حديثه مطمئنا رجال الهيئة بقوله: ليكن ما يكن,, وليحصل ما يحصل؛ فان استهزئ بك فاعلم ان الله جل وعلا لا يضيع اجر من احسن عملا، انك لو دافعت عن واحد من البشر في مجلس لاعطاك جزاء وثناء ودعاء بظهر الغيب؛ فكيف بمن يذود ويدافع عن حدوده وحرماته فليبشر ان الله جل وعلا يحفظه ويدافع عنه.
ويختتم الشيخ البريك خطبته بقوله: من الذي يقول الواقع؟ من الذي يخبر الناس بجهود الهيئات؟ هل نظفر برسالة اعلامية في التلفاز لكي تعرض جهود الهيئة؟ هل نظفر برسالة اعلامية ليعرض للناس على الملأ كما يعرض عليهم اخر التطورات في جميع مجالات الحياة والخدمات ليعرف حقيقة ما يلاقون؟ هل نظفر بهذا حتى نعرف اهمية هذا الدور ولكي يعرف الناس ان كل من التحق بهذا السلك وانتظم انما هو رجل امن من اهم رجال أمن الدولة باذن الله تعالى.
|
|
|
|
|