| مقـالات
قد نتساءل ما الذي يمنع الفكر الإعلامي العربي من ان يعيد ابتكار نفسه؟ ان يجدد اساليبه ومفاهيمه في عصر العولمة والإنترنت، اللتين ادتا الى تصدع كثير من الابنية الإعلامية الكلاسيكية وساهمتا في إرباك الفكر الإعلامي العربي الذي ظل حبيسا لتلك الاقبية دون ان يكون مشاركا ومواكبا يحدث من تحولات كبرى، فلم يعد الرقيب حارسا للبوابة الإعلامية Gate Keeper ولم يعد الجمهور سلبيا منتظرا لتلك الوجبات المعلبة، والرسائل المؤدلجة، والجرعات المقننة (جمهور السبعينات) فرغم التقدم التقني الكبير والتحولات التي طرأت على صناعة الإعلام، ظل الصحفي في العالم العربي تابعا للسياسي وظلا له، رغم انه لم يلعب إلا أدوارا ثانوية في العمل السياسي العربي، او ربما ولأسباب عدة منها التخلف الاجتماعي والثقافي، وانعدام الروح المهنية، وتواضع الإرث الصحفي، والتقاليد المهنية تخلفت صناعة الإعلام في العالم العربي وبات الجميع يركض وفي كل الاتجاهات ومع ذلك خطا هذا الإعلام خطوات جيدة في بداياته، ولعب دورا في مراحل حرجة في التاريخ العربي المعاصر، ولاسيما الإعلام المصري واللبناني.
وعندما نتحدث عن الإعلام لابد ان نتوقف أمام الهيكل الإعلامي السعودي الذي لعب دورا بارزا في المسرح الإعلامي العربي، حتى سميت بعض الحقب التاريخية بحقبة الإعلام السعودي فالقطاع الإعلامي في المملكة حظي بعناية فائقة منذ تأسيسها على يدي الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، الذي وضع اللبنات الأولى للأبنية الإعلامية، وأسس فيما بعد للهيكل الإعلام السعودي، بناحيه الخاص والعام، بل ان بدايات الإعلام السعودي كانت من القطاع الخاص قبل ان يتجه رجال الاعمال السعوديون للاستثمار في اقتصاديات الإعلام على المستوى الدولي، بدءا من إصدار صحيفة الشرق الاوسط عام 1976م وتملك مطبوعتي الحياة والوسط عام 1990م.
وتأسيس اول فضائية عربية خاصة (مركز تلفزيون الشرق الأوسط Mbc) عام 1991م والتي تعتبر نواة الاعلام السعودي الفضائي، ثم توالت الاستثمارات السعودية في اقتصاديات الاعلام، فبعد نجاح Mbc Fm ثم شراء محطة سبكتروم للاقليات العرقية في لندن، تلاها وكالة الأنباء الدولية المتحدة UPI مما دفع بعدد آخر من رجال الاعمال السعوديين الى الدخول في هذه الصناعة لاسباب مختلفة.
فقد أسست الشركة الاعلامية العربية عام 1993م شبكة ART، وأسست مجموعة الموارد بعدها بعام شبكة قنوات اوربت، إضافة الى عدد كبير من التجارب والمشاريع الاعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة التي لايتسع المكان لحصرها، ولكن دعونا نتساءل، هل ساهمت هذه المنظومة الاعلامية وهذا الاسطول الاعلامي الضخم في تأسيس صناعة إعلامية في المملكة العربية السعودية؟ والتي تعد اكبر سوق للمنتجات الاعلامية واكبر سوق اعلامي في المنطقة (أكثر من مليار ريال سنويا)، فرغم ان الآلة الاعلامية السعودية ساهمت في عملية البناء الوطني الداخلي والخارجي، والتزمت بخطاب اعلامي متزن موسوم بالهدوء والاعتدال ويستند في طروحاته ومعالجته للمرجعية الإسلامية والتقاليد العربية الأصيلة، وموروثاتنا الحضارية، إلا ان الاستثمارات الاعلامية السعودية لم تؤسس لصناعة إعلامية راسخة، فقد صارت ظاهرة ان نجد الكثير من المطبوعات السعودية تحصل على تصاريح إصدارها من قبرص وتطبع في بيروت وتستهلك إعلاميا في المملكة، الأمر الذي افضى إلى إهدار ملايين الدولارات سنويا، وفوت الفرصة على اقامة صناعة إعلامية بأيد سعودية لتدريب مئات الفنيين السعوديين على العمل الصحفي، ولتحريك الساحة الثقافية والفكرية هذا السناريو الذي اضر كثيرا بالاقتصاد الوطني وبهذه الصناعة الحيوية انتقل من الاعلام المطبوع إلى الاعلام المرئي فالفضائيات السعودية (الخاصة) باتت مراكزها وإدارات إنتاجها في القاهرة وبيروت وقبرص ولندن وروما، وتحصل على إعلاناتها وتمويل برامجها من السوق السعودي!.
ورغم فخرنا بالريادة السعودية في الاستثمار في صناعة الاعلام العربي، والدور الذي لعبته المؤسسات الاعلامية في الساحة الثقافية العربية والمسرح الاعلامي إلا ان الهيكل الاعلامي السعودي يفترض ان يكون راسخ الجذور في موطنه، لا أن تنتقل اعمدته (المؤسسات الإعلامية) من لندن إلى دبي او بيروت ومن روما الى البحرين، دون ان يساهم هذا التزاوج بين رأس المال السعودي والخبرات الاعلامية في دعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير، وفي تدريب وتفريخ إعلاميين ومهنيين في عصر بات الاعلام المتعدد ابرز ملامحه، بل ان هذا الابتعاد عن الداخل كرس نمطية واحادية العمل الاعلامي السعودي المحلي، مع وجود رقابة ذاتية متضخمة لدى الاعلاميين ساهمت في تكرار النموذج والابتعاد عن الابتكار والتجديد رغم التوجه السياسي والاقتصادي للقيادة السعودية للانفتاح والتحديث حتى بات من مهام اولويات القيادة السعودية التجديد والتحديث، وجذب الاستثمارات الاجنبية، والإصلاح المؤسسي والشفافية.
ورغم ان الملف الإعلامي يحظى باهتمام بالغ لدى القيادة السعودية، من خلال مجلس اعلى للاعلام يرأسه رجل الاعلام الاول الأمير نايف بن عبدالعزيز (وزير الداخلية) ومع تقديرنا الشديد للسياسة السعودية التي تقوم على عدم التدخل في القطاع الخاص، انطلاقا من مبدأ حرية السوق، واستنادا على أسس الاقتصاد الحر، إلا ان المجلس الاعلى للاعلام بصفته الجهة المختصة بوضع سياسة التنمية الاعلامية والاشراف عليها، مدعو الآن اكثر من أي وقت مضى للتدخل للمساعدة في إثراء ودفع بعض التجارب والمشاريع الاعلامية المتعثرة، واعادة ترتيب القطاع الاعلامي الخاص، على أسس اقتصادية واعلامية متينة، فكثيرا ماتتدخل بعض الدول المتقدمة بطريقة او بأخرى لترتيب تناغم وعطاء ادواتها الاعلامية بطريقة تخدم المستثمرين والصناعة، بل ان بعض الدول تتدخل في تحديد بعض البرامج نوعا وكما لخدمة المجتمع المحلي كشرط من شروط تجديد التصاريح الاعلامية، والمؤسسات الاعلامية السعودية الخاصة محسوبة على المملكة اقتصاديا واعلاميا وسياسيا، وهذه حقيقة.
بل هي في الواقع منابر سعودية، نعتز ونفتخر بها وكثير من المؤسسات الاعلامية اصبحت معالم لدولها،ف BBC معلم بريطاني و CNN معلم امريكي ومن هنا تبرز اهمية التنسيق بين اطراف العملية الاعلامية السعودية، تنسيقا يعتمد على التعاون والتكامل او الاندماج، كما ان اشراك رجال الاعمال السعوديين المستثمرين في هذه الصناعة في المجلس الاعلى للاعلام من خلال لجان استشارية وفنية يعد مطلبا هاما لمعاضدة المجلس في مسئوليته الوطنية، ولمساعدة المؤسسات الإعلامية السعودية للمضي في مسارها الإعلامي، على أسس راسخة وهذه الاستثمارات الاعلامية الضخمة نحن بحاجة الى توطينها لتساهم في تأسيس صناعة إعلامية تدعم الاقتصاد الوطني، وتساهم في تحريك الساحة الثقافية التي يشوبها شيء من الركود.
Alfarem @ hotmail. com
|
|
|
|
|