لا غَرو أن تلقى أخاكَ حزينَا
فاليوم حتماً يكثُر الباكونَا
اليوم تَستَمري الدُّمُوع وإنَّها
أدنى سبيل للعزا يأسُونَا
فاجهَش بدمعكَ ما استطعت وَهَاتِهِ
حرَّانَ يَلتَذِعُ اَلَخدُودَ سَخِينَا
ليسَ العيونُ وإن غَلونَ مكانةً
بأعزَّ من مُهجِ القُلوبِ يَقينَا
لِلهّ أفَئَدةٌ تَذُوبُ وَأَنفُسٌ
ثَكلى على مُرِّ الُمصابِ طُوينَا
صُعِقَت بِهولٍ لَو يُصابُ بمِثلِهِ
رضوَى لأمسَى في التُّرابِ دفينَا
لولا اليقينُ بِأَنَّ كُلّاً راحلٌ
وإلى سَبِيلٍ واحدٍ يَغدونَا
والمصطفى لِلنَّاسِ أكبرُ قُدوةٍ
يُهدَى بها الماضونَ والباقُونَا
لَأَبَى الأُلى عَرَفَوا الحياةَ سعيدةً
لم تمتزج بالحادثاتِ سِنيِنَا
أن يَشهَدوا عَبَدالعزيزَ وَقَد قضى
وَلأقسموا ألَّا يَموتَ يقينَا
هَل مِثلُهُ بعد الخلافَةِ قَد أَتى
أو مثلَهُ هَل قَد رَأى الرَّاؤونَا
إِن كَانَ في شَرعِ الطبيعة فَلتَةٌ
تَأتي بأمرٍ لَم يَكُن مَظنُونَا
فَهُوَ الذي أعيا الزَمانَ قرينهُ
وبمثله كان الزمان ضنينَا
لَو كَانَ حَيٌّ قَد بكى حَيَّا لَهُ
خَوفَ المماتِ لأكثروا التأبينَا
مَن قَبل أن يَعلُو المناكبَ نَعشُهُ
ولَأَسبلُوا الدَّمَع الهُتَونَ سَخِينَا
سَل عَنهُ أرجاءَ الجزيرة إذ أتى
وَقَّدِ احتذت شَرعَ الضَّراغِمِ دِينَا
فِي كُلِّ صِقعٍ مِن حِماهاَ نَاعقٌ
وَلُكُلِّ نَهجٍ قَادةٌ يَدعُونَا
فِي حَيرةٍ حَاقَت بها وَضَرَاعَةٍ
أَودت بمجدِ رجالِها الماضوُنَا
فأرادَ أَن تَحيَا حياةً حُرَّةً
يَشدو بِخِالدِ مَجدِها الشُّادُونَا
وانصاعَ يَبعَثُها بِعزمٍ ثابتٍ
مَعَ قِلَّةِ الأنصَارِ والأَهلِينَا
فَتَأَمَّنت أرجَاؤُها وتَفَجَّرت
باليُمنِ من ماءِ الحياة عُيونَا
وسَرى بها نُورُ الحضَارَةِ واغتَدَت
تَبني وَتُنشِىء قُوةً وَفُنُونَا
مَن ذَا يظُنُّ بأَنَّها في فَترةٍ
لَماَّ يُجاوِزُ عَدُّها الخَمسينَا
تَغدُو بِأبهى حُلًّةٍ عُرفَت بِها
أُمَمٌ سَرى فيها الرُّقيُّ قُرُونَا
آثارُهُ كالشَّمس في رَأدِ الضُّحى
فَبأَيِّها يَتحدَّثُ الرَّاؤونَا
واللّهِ لَو كَانَ الفداءُ شَريعةً
لَفَدَتهُ أَرواحٌ لنا وَبَنُونَا
لكن قَدِ اختارَ الإلهُ لِقاءَهُ
كيما يُلاقي الصَّفوةَ الماضينَا
في مَقعدٍ لا تَعتَريهِ حَوادِثٌ
كَلاَّ ، ولا يخشى ذووه مَنُونَا
َولِئِن مضى بِيَد القَضاء فَإنَّهُ
مَازالَ حَيَّا في القُلوبِ مَصُونَا
ما دام أَبقَى صُورَةً مِن شَخَصِهِ
عَدلاً تُسَرُّ بِهِ البلاُد وَدِينَا
في مَاجدٍ عَرَفَ الأنامُ به الحِجَا
مُنذُ أصطفاهُ لَنَا الفَقِيدُ أَمِينَا
رَزَقَ الإلَهُ بِهِ الجزيرةَ غِبطةً
وحباهُ نَصراً خالداً ومُبيناَ