| الثقافية
في القراءة:
تتفيأ هذه الكتابة محاورة رواية (الياطر) للروائي العربي (حنا مينه) (1) من خلال البحث عن النوية الموضوعاتية المهيمنة على النص والتي تعد أهم محاور بنيته العميقة (في مستوى التشكيل البنائي) وبنيته الظاهرية (في مستوى الشخوص والأحداث) ولعل ثيمة "التحول" هي تلك النواة المشكلة لبنية العمل السردي هنا فقد استطاعت أن تدشن العالم السردي من خلال مساهمتها في إحداث التشكيل المعماري للنص الروائي ككل ولأطوار الشخصية الأساس (البحار) بخاصة، لذا تبدو ثيمة التحول الأداة البنائية التي بها استطاع النص الروائي أن يبني ذاته وهيكليته المشهدية بشخوصها وفضاءاتها، من خلال نظرية شكلانية صورها (تودروف) في (نحو القصة) إذ يعتمد على آلية التحول لتشكيل البناء المعماري عبر تصويره على أنه اضطراب بين سكونين متغايرين(@2).
في النص :
يبدأ النص بخاتمته إذ يبدأ النص بالسرد بعد أن عبر الحدث، فهاهو (المرسلني) يسرد حكايته السيرية بعد قتله الحوت( أنا زكريا المرسلني، رابط الحوت في الماء الراقص على ظهره) (الرواية:9).
"أنا زكريا المرسلني"
هكذا بدأ السارد منطوقه في الحكي، راسماً صورته بصوتنا وكتابته بقراءتنا.
ال (أنا) المفردة الممتدة/ الناطقة والكاتبة في مقابل مفردة أخرى: العنوان الياطر (وتعني المرساة في السفينة) ليتطابق اسم البحار المغامر مع مرساته إذ ينسب إليها (المرسلني تلك المرساة التي تعود به إلى أرضه ودفئها وسكنه، لينذر ذلك التقابل ما بين الصفة (البحار) والاسم (المرسلني) بخلق أجواء الثبات والترحل، وتمد المرساة في النص عبر حضورية الأنثى المحبوبة إذ تمثل أرض الثبات التي تقابل البحار المغامر، فكما تبدو المرساة للسفينة كانت المحبوبة للبحار، ليتشكل النص بفعل نغمتين متناغمتين أولاهما تمثل العالم الخارجي للشخصية الرئيسية، وثانيتهما: عالمه الداخلي، فمن خلال تتبع حركة "المرسلني" مكاناً وزماناً (المستوى الخارجي) نلحظ تشكيلاً إيقاعياً يرتبط بإيقاع المواقف والانفعالات (المستوى الداخلي) لتعني مقولة التحول أساساً على البعد الأنطولوجي وأعني به الشقاء المصيري داخل المتخيل السردي ويبدو أن هذا النوع من الشقاء هو الممتد في إنتاجية (حنا مينه) الكتابية، إذ يرتكز على هذا البعد الأنطولوجي في تصوير حيوات شخصياته الروائية، لذا تبدو (الياطر)بوجه ما ملحمة سردية ترصد تحولات ديناميكية لمفرزة بيئية محلية تشكل في ملمح من ملامحها رمزاً وطنياً يقابل الأخر المغاير(شخصية زخردياس) التي تمهد الخطر القادم للقرية ومواجهته في النهاية، وبهذا لا يخرج (المرسلني) عن بحارة "حنا مينه" وصياديه، أو فلنقل نموذجيه البشري،
ومن خلال تفكيك النص الروائي واعادته تراتبياً في مفاصلة الأساسية نحدد مقولة التحول لدى شخصية "زكريا المرسلني" لتفصح عن نظرته للأشياء والعالم.
الطور الأول:
"أعيش كما أعيش" الرواية (32)
يظهر النص (زكريا المرسلني) صيادا صاحب سلوك متهور، ومستلبا ذا قدرات استثنائية (صيد للحوت) ينظر للمرأة على أنها أداة للفعل الحسي "ذئب في مقابل نعجة" يسفه آراء الأصدقاء، مولع باللذة المادية وبعد أن سمع أحقاد الصيادين على صاحب الخانة حدثت قصة قتله له (الرواية 27)
معول التحول:
ويبدو أن لظهور حادثة القتل (لحسن الجربيدي) الأثر الأهم في تحولات شخصية "زكريا المرسلني" والد القاتل (فؤاد) مما يجعلنا أمام حكاية الابن التي تعد الحكاية المدشنة لحكاية الأب إذ أن حكاية الأب لم تتسلل في ثنايا النص إلا من خلال آلية الاستطراد والبوح والتذكر التي استخدمها السارد (الأب) لرواية حادثة القتل، إذ الذات تعيد كينونتها من خلال ترميم مستوى الحكي، فمن خلال تلك الحكايات المتشظية من حكاية المحور (كحكاية صراعه مع ابنه، صيده للحوت، حكايته مع صديقه في الكوخ) (الرواية:33) يعيد النص رغبة الأنا في الظهور في فترات انهزامها بفعل القتل الذي يعد معول التحول إذ به ومن خلاله انتقلت الشخصية من عالم:
المدينة/ المسكن الى عالم الغاية/ المنفى
الصائد/ المغامر إلى عالم المطارد/الخائف
الفاتك حسياً إلى المذلل عشقاً لذا يصبح إيقاع الرواية متمثلاً في حوادث الموت أو شبهه ورود فعل الشخصية تجاهها:
قتل الابن فؤاد لحسن الجربيدي.
قتل زكريا المرسلني لزخريادس.
عراك الأب مع الابن.
موت الحوت والكلب.
لذا تبدو حالة القتل من أهم عوامل التحولات في مراحل الشخصية.
يتبع
أسامة الملا
|
|
|
|
|