أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 18th May,2000العدد:10094الطبعةالاولـيالخميس 14 ,صفر 1421

الثقافية

نهار جديد
لغة للشعر، لا للشعارات
عبدالله اللحيدان
كيف يمكن ابتكار لغة تماثل الشعر في وحدته، وحدته التي لا يتفرد جزء من عناصرها بالمهمة الرئيسة دون الآخر، عناصره التي (إذا أخل واحد منها بوظيفته جاء التعبير في مجموعه ناقصاً مختلا) { .
وهل بالإمكان ابتكار لغة تتجاوز ما يحلم به من شكل أو مضمون أو تأثير,, إلى آخر ما يحلم به، تتجاوز ذلك كله وتتخطاه إلى امتلاك رؤية تمنحها له حتى يتمكن من تجاوز(الظواهر التي تمثل ذواتها)
لو فكرنا بالهدم (الهدم بمعناه التشذيبي الذي يعني تشذيب اللغة من زوائدها لاستلالها من الاستهلاكات اليومية التي قيدتها كثيراً والتي لا تريد لها أن تبتعد عن حدقة العين ولا تكسر الإطار اللفظي وهذا ما يجعلها تدور في دائرة التشبيه ومحاكاة ما حولها ووصفها لما يقع نظرها عليه فتلغي دور الروح وتكرس عجزها بعدم توغلها في روح الأشياء)
السنوات التي قضيتها في مختبر اللغة وتحت الإشراف القاسي والمباشر للشعر ماتزال غير كافية، ربما لأنني لم أستطع التخلص من عفويتي وميلي إلى اللعب والعبث، ربما، ولكنها سنوات التقطت أثناءها بعض الإشارات والرموز والأسرار، قليلة جداً وصغيرة إلى حد لا متناه، ولكنها في موازين حاجتي الفنية إليها كبيرة وكثيرة إلى حدود لامتناهية مثل (إن الترميز يحيل الداخل إلى الخارج والعكس)
في البدايات كان يؤلمني التفكير في التوفيق بين الصراحة في الحياة والصراحة المباشرة في الشعر، إلى أن قال لي الشعر ذات مرة (استعمل في الرمز المجرد والتلميح والإيحاء بدلاً من التصريح، والتصوير بدلاً من الإخبار)
( ضمن بدل أن تصرح بما تريد قوله، صور الاحساس أو الفكرة بدلاً من الاخبار بها)
( وبي اخلق موقفاً معيناً يثير الاحساس المطلوب في نفوسهم)
(فاللغة رمز) ولكن اللغة التي نتحدث بها لا تحمل كل هذه الطاقة ولا تتحمل تغييراً أو تطويراً، أو ربما لا أحد يقبل أن تتغير أو تتطور أو تخرج عن إطار ما تعارفوا عليه، ولست أدري لماذا يقبلون التطور في كل شيء إلا اللغة، هذه اللغة التي ما زالت تعاني ضعفاً وفراغاً ونقصاً في قدرتها على مجادلة وتجسيد العلاقات الجديدة بين الإنسان الجديد وأشيائه ورؤيته إليها وموقفه منها، وليس الذنب ذنب اللغة، بل ذنب من يستخدمها، وذنب من يحاول منع الآخرين من استخدامها استخداماً جديداً يفجر طاقاتها لتعبر عن حياته الجديدة، وذنب من يحاول الدفاع عن كل قديم لأنه قديم حتى ولو كان غير قابل للتداول الآن، حتى ولو لم يعد هذا القديم قادراً على التعبير عن حاجات وأشياء وتفاصيل العصر المدني الجديد ومشاهده وهوامشه اليومية الصغيرة وما يعتري السلوك العام والخاص من هزات ومفارقات وتناقضات بدأت تتشكل وتسابق الإنسان الجديد في تطوره وقفزاته إلى المستقبل، وبلغة غزيرة وغير مألوفة ولها (غزارة الصور الشعرية وكثافتها، والتي تأتي على أشكال غير مألوفة لدينا)
كل شيء جديد، اللغة والصور والشعر والحياة والأحاسيس والرؤى والمواقف الإيجابية، حيث الإحساس العنيف بوحشة الإنسان الجديد وتمزقه في عالم يلاحقه بالكوابيس.
بعضهم يتأنى فيما يقول، يقطر حياته ولغته تقطيراً، وبعضهم يندفع مرة واحدة وكأنه (يريد للقصيدة أن تقول كل شيء وللمرة الأخيرة، وكأنما لم يبق مجال لاعادة القول بكل أثقافه وتفاصيله في أمسية لا تأتي أو صبيحة لا تجيء)
بعضهم يتمرد عليه الكلام، فتأتي لغته غامضة مبهمة، وبعضهم يتمرد على الكلام فتأتي لغته مفتعلة وسقيمةو وبعضهم ينجح في أن يقول كلاماً متمرداً، ولا تنفع في الحالات الثلاث المراجعة أو إعادة الصياغة أو التنقيح لأن (الشاعر مثل الشهرة يصعب إعادة تركيبها في لحظات توتر محسوب)
ربما لأن الشعر (دهشة وتأويل واجتراح المعنى وتشويش اليقين ولأن القصيدة عادة تقوم بإعادة صياغة كل ذلك)
الشعر يعمل وحده، دون تدخل واعٍ من الشاعر أو قصدية، يتشكل وحده، لغة وصوراً وإيقاعات، إيقاعات حسية ومعنوية روحية وجسدية وليست لفظية فقط، إيقاع التجربة، مشكلاً الإيقاع الكلي، إيقاع اللغة، الهادئ المهموس لا الجمهوري الصاخب ولا الباحث عن المنابر والجماهير والتصفيق والهتاف حيث (حلت الآن القراءة الصامتة للشعر محل المنبر,, وهذا هو الانتصار الحقيقي للشعر) وحيث انهزمت اللغة التي استهلكتها الشعارات والخطب في العالم العربي وتجسدت للشاعر الجديد في اتحاد كامل مع تجربته جسداً وروحاً، يحياها وهو يكتبها ويكتبها وهو يحياها.
* من كتاب ما هو الأدب لرشاد رشدي (بتصرف)

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved