| مقـالات
لعل الأجواء التي تغلف هذه الأيام هي أجواء امتحانات، فالكل مستعد والكل في حالة تأهب وربما توتر لأنها فترة تحصيل الحصاد لمجهود سنة بكاملها بالنسبة للتعليم العام بالتحديد.
ورغم حالة القلق والتوتر التي تسببها فترة الامتحانات بالنسبة للأسر الا أنها تحمل مشاعر أخرى جميلة يصعب نسيانها بسهولة، لعل من أهمها على الاطلاق لحظات تلقي خبر النجاح وردود الفعل المتباينة حياله من كل طالب وطالبة، ردود الفعل التي تعطيك تصورا عاما عن شخصية كل انسان وأسلوب تفكيره.
هذا بالنسبة للكبار طبعا أما مع الأطفال فحال آخر لا يقل جمالا في لحظات عن تلك التي يعيشها الكبار.
عالم حينما تعيش أجواءه تتمنى لو عدت اليه من جديد لتعيش متعته الطفولية، حيث التعليم الآن يختلف عن السابق بوسائله ومشوقاته, ولك فقط ان تتخيل اولئك الأطفال وهم عائدون للتو من مدارسهم وقد حملوا شهاداتهم,, شيء رائع لا يوصف.
تخيل طفلك أو طفلتك، أخاك أو أختك عائدا من المدرسة لتوه وما ان يقبل على البيت حتى ينادي عليك بابا,, ماما,, أنا نجحت وبيده شهاده نجاحه ماهو شعورك حينئذ؟ هل تشكره فقط؟ أم هل تكتفي بالابتسامة في وجهه؟ أم,.
لاشك انك حينئذ ومن دون ان تشعر سوف تحتضنه الى صدرك وتقبله بلهفة وقوة وترفعه عاليا في الفضاء من فرط سعادتك به لشعورك انه أنت، ولشعورك انك وجدت فيه نفسك.
فما أجمل هذه اللحظات حينما يقبل اليك طفلك الصغير أو أخوك أو أختك وهو يردد عبارة أنا نجحت وهو لا يعرف مضمون النجاح نفسه سوى انه يعني فرحة من حوله به وافتخارهم لاجتيازه مرحلة ما من عمره ورضاهم عنه وتوقعه لمكافأة منهم نتيجة هذا النجاح الذي أسعدهم وأدخل البهجة الى قلوبهم.
انها بالفعل لحظات حلوة نتمنى ان نعيشها ولا يكدر صفوها سوى شيئين أما رجوع الطالب مكسور الخاطر ودمعته على خديه وهو لم ينجح كغيره او موضوع آخر مؤلم هو ما نريد ان نتحدث عنه اذا سمحتم لي نظرا لأهميته وبالذات في هذه الفترة من السنة.
هذا الشيء الآخر سوف أتحدث عنه من خلال قصة طفل جميل بريء كانت آخر كلماته بابا,, ماما,, أنا نجحت .
كان طفلا بعمر الورود في السنة الثانية الابتدائية، طفل لم ينقصه ذكاء ولا حيوية، طفل من حلاوة روحه وخفة دمه كان الكل يتمناه طفلا له ما شاء الله عليه.
وكان ذلك اليوم هو يوم تسلم شهادته، كان سعيدا ومبتسما، وكان واثقا من نفسه ومن نجاحه لدرجة انه كان يقول لأمه وهي تلبسه ثيابه كان يقول لها: أريد لعبة معينة وحددها لها بالاسم وخرج هذا الطفل البريء مصحوبا بدعوات أمه بأن يوفقه ويحفظه ويقر به عينها.
وخرج الطفل متوجها للمدرسة مشيا على رجليه للمدرسة القريبة جدا من المنزل ورجعت الأم للمطبخ لاستكمال مسؤوليات المنزل، وكانت الأم طوال غياب طفلها تبتسم وتنتظر رجوع ابنها بالسلامة كونها أول مناسبة لها تعيشها من هذا النوع واول تجربة لها.
وبالفعل وصل الطفل للمدرسة وتسلم شهادته وكان الأول على مدرسته كما هو متوقع وكما هو معروف كان كلما مرت عليه سيارة رفع شهادته وقال لصاحب السيارة أنا ناجح ببراءة الطفولة التي تتخيلونها, كان يمشي وهو مرتديا ثوبه الأبيض وطاقيته البيضاء المطعمة بخيوط ذهبية رفيعة أظنكم عرفتموها.
كان يمشي وبعقله سيناريو معين حول كيفية استقبال أمه له، ومتى يذهب لمحل الألعاب لشراء لعبته المفضلة الى غير ذلك من الأفكار الطفولية الأخرى، أما الأم ففي سيناريو آخر هي الأخرى.
وبعد حوالي أقل من ساعة من خروج الطفل للمدرسة وبينما الأم منهمكة في مشاغل المنزل اذا بصوت فرامل سيارة قوية جدا أفزع قلب الأم المسكينة لدرجة انها تركت ما في يدها واتجهت لباب المنزل لتعرف ماذا حدث, واذا بها تفاجأ بحادث دهس شنيع في الشارع المجاور واذا بالضحية هو طفلها، حينها لكم ان تتخيلوا تلك اللحظة لقد مات الطفل في حينه.
لم تصدق الأم ما حدث بالطبع لأنها لم تر طفلها بعد، ولكنها خرجت مفزوعة تولول من البكاء وحينما وصلت مكان الحادث لم تر الطفل لأن هناك من أخذه للمستشفى ظنا منه ان هناك بقية من روح بينما هو أي الطفل عليه رحمة الله قد أسلم الروح لبارئها من اللحظة الأولى للتعرض للحادث.
والأم طبعا لم تصدق انه طفلها بعد من هول الصدمة وكانت منكرة لما حدث ولكنها سمعت صوت أحد الأشخاص المتجمهرين يحمل ورقة في يده ويقرؤها لمن حوله ويقول فيها: تشهد ادارة مدرسة,,, ان الطالب,,, قد نجح من الصف الأول الابتدائي الى الثاني ابتدائي بتقدير ممتاز وكان ترتيبه الاول على المدرسة .
حينها هبت كالمجنونة وأخذت الشهادة من يد الرجل ثم صرخت من كل قلبها مرددة صوت ابنها وأغمي عليها وأخذت للمستشفى بعده بساعات, وحينما أفاقت سألت عن شهادة طفلها فأحضروها وكانت بجانبها ملطخة بدمائه وملوثة بأسفلت الشارع فضمتها الى صدرها وأجهشت بالبكاء لدرجة أبكت معها كل من حولها.
يا الله كانت لحظة قاسية مرة بكافة المقاييس، لقد كانت تنتظر طفلها ومعه شهادته كي تقبله وتضمه اليها واذا بها في أقل من ساعة تحتفظ بالشهادة وتضمها اليها فقط أما صاحب الشهادة فقد رحل الى غير رجعة.
والغريب انه على بعد خطوات منها وداخل المستشفى كان ينام طفلها في غرفة أخرى جثة هامدة ينتظر توديعه لمثواه الأخير.
أنا حقيقة لا أستطيع أن اكمل تفاصيل القصة وبالذات حينما أصرت الأم على رؤية طفلها للمرة الأخيرة وهو في الثلاجة وكيف كانت ردة فعلها وما الى ذلك وأظنكم تعذروني في ذلك لأنني لا أستطيع بالفعل من كثرة تأثري بالموقف ولك ان تتخيل أخي القارىء أختي القارئة هذا المنظر بكل لحظاته المؤلمة يحدث لك فكيف كنت ستتصرف؟
يا الله ما أقساها من لحظات ولكني حينما شاركتكم هذه القصة ليس من باب استحضار الألم واستثارة الدموع وان كنت أعلم انها قد خرجت بالفعل أو كادت ولكن من باب التذكير بأننا مسؤولون عن فلذات أكبادنا فالمقدور مكتوب ولاشك ولا راد لقضاء الله ولكن بأيدينا كأولياء أمور ان نتخذ اجراءات وقائية تحمي أطفالنا من الخطر والأذى وتحمينا من الشعور بالذنب طول عمرنا باذن الله.
هذا الطفل الصغير وأمثاله كان بامكان أهله ان يرافقوه للمدرسة لمدة نصف ساعة حتى يرجع سالما باذن الله ولا اعتراض لقضاء الله.
كان بامكاننا ان نستمتع بعبارة الطفل حينما يقول بابا,, ماما,, أنا نجحت حتى بعد ان يرجع للمنزل وكان بامكاننا ان نشاركه فرحته وسعادته في المنزل ولكن,,! ان المشكلة يا أخوان ليس في الطفل نفسه فقد يكون طفلا هادئا مسالما مطيعا يتجاوز الشارع بحذر كما هو حال طفلنا الصغير رحمه الله ولكن المشكلة في أولئك السائقين المتهورين الذين يعتقدون ان الطرق كلها لهم، يتجاوزونها متى شاؤوا والمشكلة أيضا في عدم وجود ضوابط مرورية داخل الأحياء السكنية حيث تكثر مدارس الأولاد والبنات وياما سمعنا عن أطفال صغار أولادا وبناتا خرجوا لتوهم من المدرسة فكانوا ضحية السائقين المتهورين.
والمشكلة أيضا تكمن في عدم وجود التنسيق بين مدارس الأولاد والبنات من جهة وبين الجهات المعنية لجهاز المرور لتنظيم خروج الطلبة والطالبات من المدارس بعد انتهاء اليوم الدراسي أو بعد الامتحانات، حيث تكثر الفوضى والتصرفات الهمجية اللا مسؤولة من السائقين وحتى من بين بعض أولياء الأمور معذرة أليس هذا هو الواقع؟ وكل هذا بالطبع في غياب تام عن الأجهزة المعنية التي يفترض ان يكون لها دور فعال وواضح في هذا الشأن.
اننا نتحدث عن أطفال، فهل نعي ماذا تعني كلمة طفل؟ هل ندرك حرقة الأم أو الأب حينما يفتقدون طفلهم بسبب حادث مروري لا مسؤول؟ هل نتخيل اخوة هذا الطفل الصغار وهم يسألون أمهم وأبيهم كي يلعب معهم كالعادة, بل هل نضع أنفسنا في نفس الوضع ونتخيل أنفسنا في نفس الموقف؟
حمى الله أطفالنا وأطفالكم من كل شر ومكروه وأقر بهم أعينكم,, ان الحماية يا اخوة ليست بالحرص الزائد المفروط وليس بالاهمال المفرط أيضا بل بالتعليم والممارسة وعدم الاكتفاء بندب الحظ.
اننا ما زلنا في فترة امتحانات وكل شيء جائز في ظل تهور البعض وعدم احساسهم بالمسئولية وفي ظل عدم وجود ضوابط مرورية صارمة وفي ظل أشياء كثيرة مشجعة، لذا فهل ننتظر حدوث ما لا يحمد عقباه ثم نقول ياليت اللي صار ما صار .
انها مناشدة صادقة بأن نستمتع بنجاح أطفالنا دون منغصات تذكر ودون ذكريات أليمة تدمي القلب وتعصر الفؤاد وكل سنة وأطفالكم من نجاح لآخر وأنتم كذلك.
همسة
كان طفلا صغيرا,.
في السابعة من عمره,.
في عمر الزهور,.
يجري هنا وهناك,.
يضحك هنا وهناك,.
***
خرج ذات يوم,.
من منزل أبيه,.
مودعا أمه,.
خرج مبتسما,.
لتسلم شهادة نجاحه,.
فرجعت الشهادة,.
وغاب هو!
***
خرج ليحضر شهادة مستقبله!
فرجع ومعه شهادة رحيله,.
رحل ولم يبق من الشهادة,.
سوى اسم جميل,.
***
وهاهي أمه,.
بكل حسرة تقول:
آه يا حبيبي!
ماذا حصلت من الشهادة!
ماذا حصلت من النجاح!
سوى رحيلك عني!
سوى ذكرى مؤلمة!
ستظل ماثلة أمام عيني!
سوى آهات حرى!
تلازمني ما حييت!
سوى شهادة غالية!
ملطخة بالدماء!
اضمها لصدري,.
كلما تذكرتك,.
***
ذكرى مؤلمة ولاشك.
ولكن فيها كل شيء منك,.
شيء مما تريد تحقيقه,.
شيء مما تريد ان تسعدني به,.
رحمك الله يا عمري,.
وإنا لله وإنا إليه راجعون,.
|
|
|
|
|