| الاخيــرة
شرفت قبل حين بتلبية دعوة كريمة من وزارة الشئون البلدية والقروية والمعهد العربي لإنماء المدن للمشاركة في ندوة ناجحة عقدت بمدينة الرياض خلال الفترة من 4 الى 7 محرم 1421ه ، بعنوان (استراتيجيات التنمية الحضرية في المدن العربية)، وقد تمثّلَت مشاركتي في رئاسة الجلسة قبل الأخيرة من الندوة، قُرئِت خلالها أوراق عدة مقدّمة من أكثر من جهة اكاديمية وحكومية، محلية وعربية وأجنبية، وكانت الورقة الرئيسية في تلك الجلسة لخبير التنمية الحضرية الدولي الاستاذ الدكتور ل,نيلسون ، من مركز تطوير المدن بجامعة كانبرا باستراليا.
***
ولقد خرجتُ من تلك الندوة ببعض الخواطر والانطباعات، اعرضها موجزةً في التالي:
اولاً: إفتتحتُ الجلسةَ برؤيةٍ شخصية ل(المدينة الحديثة) كما رأيتُها، اقتطف منها السطور التالية:
* المدينة ، كما علّمتنا جغرافية المكان وتاريخ الزمان ،كائن حي، تبدأ صغيرةً، ثم تنمو، وتزهو صباً وشباباً، فنضجاً، ثمّ يدركها الكَبِرُ,, ويعوقها الترهّل، فتَشيخ، وقد تذبل اجزاء منها كأوراق الخريف،وقد تورقُ بعضُ أجزائها مرة أخرى إذا لم يُخن أهلَها الإهمالُ و الهجرُ والنسيانُ، فتموت وتغدو أثراً بعد عين!
***
*ومن المدن، مثل باريسَ، ماقد يشيخ فعلاً، لكنها شيخوخةٌ ترفض أن تُطأطىءَ هامتَها لمقصلة التعرية، وتقادم العهد، وعوادي المناخ! ويحالف أهلَها ومَن يعنيهم أمرُها التوفيقُ، فيوائموا في تنمية مدينتهم وصيانتها بين هيبة الماضي إجلالاً,, وروعة الحاضر ابداعاً، وتبقى المدينة عبر القرون والأجيال فتنةَ الحسِّ والبصر والفؤاد جميعاً!
***
* لذا، فإن من أهم وأخطر التحديات التي تواجهها مدينتُنا العربية المعاصرة تكمن في قدرتها على حماية احيائها من الترهل,, ومرافقها من التردِّي,, وآثارها من الاندثار!
والأهم من ذلك كله ان تحافظَ المدينةُ على توازن قاطنِها، فلا يفتنه الاحباط، وينالهُ القنوطُ حين يجد نفسَه يوماً ما عاجزاً أو شبه عاجز عن التعامل مع مرافقها المتداعية مع كلِّ خطوة يخطوها خارجَ حِماَه متّجهاً الى مقر جِدِّه أو لهوه!
***
*ثانياً: هناك خاطرة خاصة اتشرف برفعها الى المهندس المبدع لمدينة الرياض الحديثة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، ألخصّها في السطور التالية:
ذُهِلتُ ياسيدي حين اصطاد سمعي معلومةً احصائيةً أوردتها إحدى اوراق الجلسة عن حاضر ومستقبل مدينة الرياض اشارت الى ان سكان المدينة قد تجاوزوا في مطلع عام 1421ه أربعةَ ملايين نسمة، وانه يُتوقّع أن يتضاعف هذا الرقم مرةً ونصف تقريباً بعد نحو عشرين عاماً من الآن وربما أقل، ليصلَ الى اكثر من عشرة ملايين نسمة، ولاريبَ أن رقماً كهذا يطرح العديدَ من التساؤلات المقلقَة على المخطِّط والمنفذ والمراقب، ناهيك بالحاكم ومَن يليه في مراتب المسئولية، كما أنه يُؤرق ساكن هذه المدينة، وهو يرقب مدينته الغالية تدنُو من شَفَا الشيخوخة المبكرة!
***
وإن أعجبُ لشيءٍ في بعض مايُكتب ويُقال عن ظاهرة تضخم مدينةٍ كالرياض، عمرانياً وديموجرافياً وحضارياً، فهو الدعوة الى الاحتفاء بهذا التضخم، والتعايش معه ، بدلاً من احتوائه والحدِّ منه، وبالتالي، بذل الجهود لصدّ حُمّى الزحف السكاني الى هذه المدينة من المناطق والقرى المجاورة طلباً لفرص العلم والعمل والخدمات المتطورة، في حين يتعيّن تشجيعُ نموّ هذه القرى بنقل بعض مفردات البنيَة التحتيةّ اليها او تأسيسها فيها، كالمناطق الصناعية والمجمّعات الزراعية والكليات المهنية والعسكرية بل والجامعات ونحو ذلك.
***
نعم ياسيدي، مطلوب خطّة استراتيجية طويلة المدى لاحتواء التوسّع الرأسي والأفقي لمدينة الرياض سكّاناً وعمراناً، قبل أن يتفاقم الأمرُ عَبر السنوات القليلة القامة الى الحدّ الذي قد تصعبُ معه السيطرةُ على افرازات التضخّم السكّاني أمنياً وخدمياً وحضارياً.
***
الكل ياسيدي، يتمنّى من الأعماق ألاّ ينالَ رياضَنا الغاليةَ ما أصاب مدناً أخرى في عالمنا الثالث، وفي أجزاء من مناطق الشرق والغرب، ومثلما أنّ الترهّلَ يرهقُ أبدانَ البشر، ويضعف عزمَهم، ويعطِّل حركَتهم، فإن تضخّم المدن يصادر منها إرادة الأبداع، ويحوّل متعةَ العيش فيها الى أرقٍ يومي لاينتهي، فيشقى به المواطنُ والمقيمُ معاً.
***
إنني لعلى علمٍ يقينٍ ياسيدي أن سموكم الكريم وسمو نائبكم حفظكما الله وكلَّ المسئولين المعنييّن ببناء وصيانة عاصمة العز الرياض، لمحيطُون بهذا الهاجس تخطيطاً وتوجيهاًوتنفيذاً ومتابعة، وإنكم باذن الله لفائزُون!
فاكس (4939533)
|
|
|
|
|