| الاقتصادية
إن الاقتصاد الحديث يعاني من أزمة كبرى ذلك لان واضعيه قد فكروا بأن الربح وحده كاف لتحقيق سعادة الانسان وتحرير شخصيته واطلاق طاقاته، فراحوا يحتقرون كل مالا يشكل في نظرهم البشري القاصر دخلاً ماديا مباشراً.
فكانت النتيجة مخيبة للآمال، لان الارباح المباشرة لم تعد تغطي ابداً الخسائر غير المباشرة, لذلك يطرح المفكرون الجدد أساسا جديدة لاعادة بناء التنمية الاقتصادية على توازنات اجتماعية واقتصادية أكثر شمولية وأقل كلفة، لعلّها تخلص الاقتصاد وتنقذ المجتمع من ويلات الأزمة الراهنة!!
لم يعد من الممكن بناء العمل على اساس الربحية هذه الصيحة التي هي ايضا بمثابة إنذار، اطلقها عدد ما فتىء يتزايد باستمرار من الشباب أمام الآثار الدرامية التي خلفها، على الصعيد الاجتماعي والانساني التصنيع القسري والمدننة اللذان يعيثان فسادا في الارض منذ ما يقرب من عشرين عاما.
ومع ذلك فإن احداً لم يستطع حتى الآن في ظل اي نظام مطبق، حتى ولو كان ذلك احيانا للأجل الطويل، ان يفلت من مقياس الربحية.
والحقيقة، انه حتى لو بدت هذه الصرخة في اول الامر منافية للاقتصاد الا ان هؤلاء الشباب محقون ومحقون اكثر من الناحية الاقتصادية نفسها.
وهم محقون لانه ليست هناك فعالية مستمرة واذن ربحية حقيقية عندما يكون الانسان شقيا غير سعيد، وعندما لا تتفتح شخصيته في الوسط الذي يعيش فيه.
وهذا بالطبع ردة فعل دفاعية حيال شروط حياتية معينة.
ومن أجل تقويم اقتصادي لهذه المشكلة الخطيرة الاجتماعية والانسانية التي تطبع عالمنا الصناعي، ينبغي ان نتذكر ان الربحية المزعومة التي سوغت جميع البرامج الاقتصادية او الصناعية او العقارية او الزراعية، هذه الربحية الظاهرة لم تكن الا قصيرة الاجل وجزئية.
واليوم ينبغي تغيير الاساليب في ادارة الاقتصاد واعتزام الاخذ بالاعتبار، في الحسابات الاقتصادية العناصر المساهمة في ظروف حياة الانسان وتفتحه, وهذه طريقة جديدة في التفكير واساليب جديدة للعمل.
ومن المفيد ان نتذكر اليوم ان النهضة العجيبة للصناعة قد غذاها الامل الذي وضعه فيها الانسان بأن تحمل اليه التحرر من الجهد الجسمي ومن صعوبة العيش وبهذا اصبحت رمزا لتحسن الوضع الانساني.
وهكذا، فإن ما يدعي بصورة شائعة (ربحية) ليس الا نتيجة حساب اقتصادي فاسد والاصلاح الوحيد الذي يستحق اجراؤه يقوم على إزالة الفساد من آلية اقتصادية أفرزت المضاربة بالمعنى الاقتصادي.
ان الاقتصاد اليوم مريض ومرضه انه يسيء ما كان ينبغي عليه من الحفاظ على التوازنات الرئيسية ولن يمكنه استعادة عافيته الا بعلاج بيئي للملفات الكبرى مثل ملف البطالة.
ان علم البيئة ينبغي تباعا لما سبق ان يدعم الاقتصاد.
فلا عجب، إذن ان صرح اكثر من اقتصادي من انه ليس هناك اليوم إلا الاقتصاد، فهو قادر بطريقته الاجمالية الشاملة على مواجهة المشكلات وتهيئة ظروف العودة الى التوازنات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى بشرط تصحيح الاخطاء وتقويم الاهداف وتحديد الغايات وتهذيب الربحية من أجل اقتصاد مفهوم.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية .
|
|
|
|
|