| مقـالات
** لماذا نهتم وننشغل بالمسألة السودانية بالذات,,؟
** لأن للسودان؛ أرضاً وشعباً وأمة؛ خصوصية في العلاقات التاريخية والحضارية والثقافية والاقتصادية في تاريخ هذه الأمة، من شرقها الى غربها، ومن جنوبها الى شمالها، فلا يوجد بقعة عربية الا وفيها حضور من أرض السودان، وفي مقدمة هذا الحضور الفريد للسودان على الأرض العربية؛ أبناء السودان أنفسهم، فكأن السودان ارتضى لنفسه ان ينقسم الى نصفين، نصف على ترابه الوطني، والنصف الآخر موزع على الخريطة العربية, هكذا يبدو الأمر، ومنه تتبلور هذه الخصوصية التي تجعل الهم السوداني هماً مشتركاً بين أبناء السودان وأبناء العروبة في كل مكان، ولهذا فإن المسألة السودانية في جوهرها، ليست مسألة خاصة فقط؛ لكنها مسألة عربية ايضاً، حتى لو ابت التقاليد السياسية الا التفريق بين الجزء والكل في هذا المعنى.
** قبل ايام فارطة؛ حاول أحد أبناء السودان المغتربين والذي يصر على أنه مغترب رغماً عنه حاول إقناعي بجدوى الاستثمار الاقتصادي في السودان، بضمان سلامة الوضع السياسي الحالي، الذي يبدو أنه قد (تعافى) من مرض السير برأسين، وراح يطل على العالم برأس واحد,,! هذا شيء جيد، وقد لمسنا كيف حقق السودان على مدى ستة أشهر انفتاحاً كبيراً على العالم من حوله، وقد كان يعيش طيلة سنوات مضت، حبيس شعارات ونظريات لا تسمن ولا تغني من جوع,, كنا هو وأنا أعني ابن السودان المروج لطرح الاستثمار في بلده، نتطارح هذا الشأن من زاوية المستقبل الذي يحلم به أبناء السودان في الداخل والخارج، أولئك الذين يتحدثون بإسهاب عن سودان ظل عشرات السنين، يسبح فوق بحور من المياه العذبة، وأراض خصبة تزرع كافة أنواع الحبوب والفواكه، ومنها الموز والمنقا وشتى الغلال التي تنتظم في غابات مكتظة، ولا تجد من يقطفها، وعن ملايين من السودانيين الذين ارتضوا الاغتراب والعيش بعيداً عن أرضهم وأهلهم في كافة قارات العالم طوعاً او إكراهاً، حتى لم يعد هناك من رابط يربط بعضهم بالوطن؛ سوى التعاطي النظري مع السياسة السودانية، التي تتقاذفها أطراف متنازعة من معارضة الخارج ومعارضة الداخل والسلطة الحاكمة,, وكان السؤال التقليدي في نهاية كل بحث في مثل هذا الوضع المعقد: متى يستقر السودان؛ ومتى يعود أبناؤه المغتربون لبنائه وتعميره,,؟ لأن في هذا الاستقرار وفي هذه العودة؛ دليل قاطع على سلامة الأوضاع، على الأقل؛ في المستقبل المنظور، وضمان كاف لاستثمار رؤوس الأموال السودانية والعربية والأجنبية، في الزراعة والصناعة، في هذا البلد الكبير بإمكاناته ومكنوزاته الطبيعية الفريدة.
** لم يمض يومان على حوارنا ونقاشنا هذا، حتى قفز السودان الى قمة الأحداث مرة أخرى، بعد عودة الشد والجذب بين رئيس الجمهورية عمر البشير؛ والهيئة القيادية للمؤتمر الوطني الحاكم، بقيادة الدكتور حسن الترابي، بعد قرارات رئيس الجمهورية التي عزلت الترابي ومساعديه من أمانة المؤتمر، وسعى الأخير الى إصدار قرارات مضادة بعزل رئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه من عضوية المؤتمر، وبهذا يعود السودان الى حافة الهاوية، ما لم يسع أبناؤه من معارضين وغير معارضين الى تقديم تنازلات لمزيد من التقارب بين وجهات النظر، وتكريس العمل في الفترة الراهنة على دعم الحكومة، التي تقود البلاد بروح جديدة، وتحقق للشعب السوداني المزيد من الانفتاح والانفراج، خاصة مع دول الجوار، ودول الجامعة العربية، بعد القطيعة التي مزقت اواصر هذا الجوار، ونزعت الثقة بين الجيران والإخوان، ووصل السودان معها مرات عديدة الى مرحلة الصدام المسلح، مع مصر وأرتريا وأثيوبيا، وحتى مع كينيا وأوغندا وزائير، وهذا وضع شاذ وغريب، تسبب فيه الدكتور حسن الترابي بطروحاته الفجة التي كانت تستعدي الكل ولا تستثني أحداً، واستطاع الرئيس عمر البشير حسم الموقف بقرارات الرابع من رمضان الفارط، والسير بالسودان من خط المواجهة الى خط المصافحة، ومن خط الصدام الأيديلوجي والعسكري مع الجوار؛ ومع المعارضين؛ الى خط التفاهم والتصالح، والتعاون وفق المصالح المشتركة.
هذا ليس مدحاً أكيله للحكومة السودانية، لكني أرقب سير الأحداث التي تفصح عن نجاحات حققتها هذه الحكومة في ظرف مدة وجيزة, والطرح المتبادل بينها وبين أقطاب المعارضة في الداخل والخارج؛ يشجع على مصالحة تاريخية منقذة للسودان، وليس أمام أبناء السودان حيال هذا الطرح الواقعي؛ إلا أن يرموا بالماضي وراء ظهورهم، ويتناسوا أيام الأحزان والآلام، المليئة بالشعارات والوعود التي لم تحصد لهم سوى الكثير من التشتت والتفرق والفقر.
** لقد حان الوقت أمام السودانيين لمنح حكومتهم مزيداً من الوقت والفرصة والثقة، من أجل العمل وفق النهج الجديد المنفتح، والذي يدعو للعمل وقيادة البلاد؛ مع كافة الفئات والأحزاب والأقطاب.
** إن الالتفات لاستغلال خيرات الأرض وبنائها؛ والعيش فيها بأمن وسلام لهو خير وأبقى من الركض وراء المنظرين و(المشعرين)، والمنادين بالقتل والتدمير من أجل مناصرة فرد أو مجموعة، ليس لها من غاية سوى التخطيط للزعامة، وادعاء الكرامات التي انتهت مع أصحابها من الرسل والأنبياء.
** ماذا لو استقر السودان؛ وهدأت عواصفه العاتية؛ وعاد أبناؤه من مهاجرهم ومغترباتهم؛ فذاقوا طعم الحرية والأمان والعيش الرغيد، في بلاد خضراء كلها زرع وماء ونماء,,؟ بكل تأكيد؛ سوف يصبح هذا البلد قبلة للمستثمرين من أبنائه المغتربين، ومن العرب وغير العرب، الذين يبحثون عن الربح والكسب، في أجواء آمنة مستقرة، بعيدة عن الهزات السياسية، والفوضى الناجمة عن الشعارات والمناظرات المتضادة، مرة باسم القومية، ومرة باسم الاسلام، ومرات بأسماء يبتدعها أصحابها، أو يلتقطونها من هنا أو هناك.
** في كل أنحاء الدنيا اليوم؛ نجد ان النوافذ والأبواب تفتح، والعالم يلتقي كما لم يفعل من قبل، وما أقدمت عليه الحكومة السودانية من انفتاح في هذا السياق؛ نقل السودان الى صدارة الثقة، وينبغي ألا تعاد الأقفال والأغلال، وعلى اخوتنا في هذا البلد الكبير أن يلتقوا مجدداً، وأن يتحدوا,, اتحدوا يا أبناء السودان، فإن في الاتحاد فلاح وصلاح وقوة.
|
|
|
|
|