| مدارات شعبية
عندما أشعل العرب أول موقد احتفالي بنبوغ شاعر لم يكن يشغلهم هاجس الابداع المبني على روح الابتكار ولقد غافلتهم فرحة التوصل لوسيلة تعبيرية عن مشاعر النفس الجياشة,, وكانت هذه الوسيلة اداة يلجأون اليها عند الحاجة,, ولم يصلوا لدرجة الافراط في نتاجهم الشعري لأنهم في مرحلة بدائية تحتم عليهم احترام الظروف الزمنية التي يعيش فيها الانسان.
ولكن بعد ان جاوزنا تلك الطفرة,, وبعد ان مررنا بسنوات كثيرة,, حللنا على عتبة الافراط, وانهالت الاصدارات المقروءة التي تهتم بالقصيدة الشعبية,, وتضاعف هذا الاهتمام لدرجة المطالبة باكاديمية القصيدة النبطية وتدريسها لطلاب جامعاتنا,, وكان العزاء الوحيد أنها تنبع من الأدب الشعبي القائم بحد ذاته والذي له هويته الضاربة في أعماق الأصالة العريقة,, عندها,, تبدل الحال,, فكان لزاما علينا ان يشغلنا هاجس الابداع,, وهاجس الابتكار,, ابتكار الفكرة ابتكار الصورة,, ابتكار المفردة النادرة التي لها اصل لغوي في اللغة الام.
فليس من المعقول ان يأتي شاعر قادم فيقول في قصيدته: البارحة ما نمت سهران,,! او حبيبي نساني ,, هجرني,, آلخ,,!! فلقد سبقك آلاف مؤلفة من الشعراء على هذا المعنى,, !! وهذا لايعني اني ادعو للتخلي عن هذا المعنى, الاصيل,, والصادق,, وانه ليس حكراً على احد دون الآخر,,!!!,, ولكننا اصبحنا مطالبين باظهار القصيدة الشعبية بوجهها الحضاري لكي تتوافق مع ادب العصر,, مع عدم التخلي عن جذور القصيدة العربية الاصيلة.
وباستطاعة اي شاعر ان يعبر عن حالة السهر لديه,, وعن هجر محبوبته,, وعن حزنه ,, ولكن من غير ان يسير خلف السائد والمتداول ,, حتى لو تطلب ذلك تغليف المعنى بكلمات نادرة الاستخدام تجعل القارىء او المتابع يبحث ويفتش عن المعنى المراد لانه هو الاخر مطالب بتثقيف نفسه,, وحتى لو كانت بعض الابيات تستغرق مساحة شاسعة من التفكير,, الا ,, ان تمكن الشاعر يتضح دوره في هذا الجانب الذي يستوجب امتلاك مركبة لغوية يستطيع من خلالها ان يسبح في فضاءات الخيال,, يقول (عناد المطيري):
على رصيف الشمس في رحلة الذات ناداك تيار الغرام,, ووقفتي!! في يديك نور وفي عيونك مسافات لو الحقيقة مرَّتك ,, ما عرفتي!! |
ايضا يحضرني بيت للشاعر (علي المفضي),, (وأتصور ان هذا الشاعر يمتلك اداة سحرية في الوصف) يقول:
تمشي وكن الريح في هجعة الليل تبحث عن أسرار السواد بشعرها,,!! |
ودمتم بخير وعافية.
سعود البديري
|
|
|