| الاقتصادية
* تحقيق: فهد محسن الشملاني
شجع اعتدال الجو في منطقة حائل وقربها نسبيا من مناخ حوض البحر الابيض المتوسط بعض المستثمرين الزراعيين على ارتياد مجال زراعة الزيتون بشكل تجاري، وشهدت المنطقة في الآونة الأخيرة محاولات متفائلة لزراعة اشجار الزيتون المثمر على نطاق استثماري على هيئة مزارع مستقلة.
كما كان لنجاح تجربة بلدية منطقة حائل في تشجير المرافق العامة بأشجار الزيتون الاثر الفعال في توجه المزارعين للاستثمار في هذا المجال، اذ خاضت بلدية المنطقة في وقت مبكر من العقد الماضي تجربة زراعة الزيتون وانشأت حديقة متكاملة تحمل اسم هذه الشجرة المباركة وتختص بها، بالاضافة الى تشجير الحدائق العامة واحواض ارصفة الشوارع الرئيسة وبعض المنتزهات العامة باشجار الزيتون التي اضفت على المدينة منظرا رائعا وألبستها ثوبا قشيبا تزينه الوان الاوراق الخضراء المزرقة المستديمة على مدار العام ذات الترتيب المنتظم، ويزداد المنظر بهاء في اواخر فصل الربيع عندما تتفتح الازهار البيضاء التي يشكل تداخلها مع الوان الارواق لوحة فنية رائعة تتشكل هذه اللوحة مرة اخرى بعد ستة اشهر حينما تنضج الثمار ليعكس امتزاج جلدها اللامع مع لونها الاسود الارجواني جمال بلورة زمرد تأسر الناظرين.
زراعة الزيتون بالمنطقة
وقد افضت هذه المحفزات الى ظهور محاولات فردية بسيطة تمثلت في زراعة اسوار المنازل وحول برك المياه في بعض المزارع ثم توسع المزارعون في الفترة الاخيرة في زراعة اشجار الزيتون على نطاق تجريبي كنشاط مصاحب للاستثمارات الزراعية الاخرى في المزارع القائمة وظهرت النتائج الاولية مشجعة وتبشر بمستقبل زراعي جيد ذي مردود اقتصادي مجدٍ؛ مما حدا بالمزارعين الى خوض تجربة الاستثمار الزراعي في مجال زراعة اشجار الزيتون في مزارع مستقلة تم اعدادها وتهيئتها خصيصا لهذه النوعية من الاستثمار.
وتنامت زراعة الزيتون في مدينة حائل والمحافظات والقرى التابعة لها في السنين الاخيرة بشكل ملحوظ حتى اصبح منظر هذه المزارع امرا مألوفا لدى اهل المنطقة والمارين بها.
ويؤكد المستثمرون الزراعيون الذين خاضوا التجربة نجاح زراعة شتلات اشجار الزيتون وتأقلمها مع الظروف البيئية والمناخية السائدة بالمنطقة في وقت مبكر من زراعتها وضآلة نسبة موت الاشجار سواء كان خلال فترة الزراعة او النمو لاحقا وذلك عند اتباع الاسس والاساليب الصحيحة لزراعة اشجار الزيتون التي تتصف بالحساسية الزائدة عن بقية الاشجار المهجرة.
جدوى اقتصادية جيدة,, ولكن
ويعقد المستثمرون آمالا كبيرة على مستقبل زراعة الزيتون وجدواه الاقتصادية من واقع نتائج التجارب الاولى التي دفعت بكثير منهم الى زراعة المزيد من الاشجار وتوسيع المزارع السابقة التي انشئت على سبيل التجربة، الا ان حداثة هذه الزراعة, وغموض خفاياها لدى المزارعين بالمنطقة جعلت الكثير يتعامل معها بحذر شديد خصوصا وانها تتطلب جهدا ماليا وبدنيا كبيرين,, واصبح الاستثمار في هذا المجال يمارس بشكل اوسع من قبل المستثمر الكبير والمتوسط اما بعض المزارعين الصغار فيتخذ اشجار الزيتون للمتعة والزينة او كمصدات للرياح والاودية الجارفة دون النظر الى مردودها المادي.
صناعة الزيتون المفقودة
ويجمع المزارعون في حديثهم ل الجزيرة في الجولة الاستطلاعية التي قامت بها لبعض مزارع الزيتون بالمنطقة على افتقار المنطقة الى ادنى مقومات صناعة الزيتون الامر الذي يزيد من معضلة هذه النوعية من الزراعة ويكبح طموح راغبي الاستثمار فيها، وادى الى تدني سعر ثمار الزيتون التي تنقل بواسطة برادات الى خارج المنطقة لتباع على هيئة زيتون خام.
وعن اسباب توجه المزارعين الى الاستثمار في مجال الزيتون ومدى نجاحه والمعوقات التي تعترض سبيل زراعته وجدواه الاقتصادية يقول المزارع حمد الصالح: الزيتون شجرة مباركة ورد ذكرها على سبيل التمجيد والتعظيم في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتتمتع هذه الشجرة الخيرة بجاذبية خاصة، لدى جميع المزارعون وبعد نجاح التجربة الاولى قبل حوالي عشر سنوات اقبل المزارعون على زراعتها بشكل اوسع حتى شهدت المنطقة اخيرا زراعة منظمة لاشجار الزيتون على نطاق استثماري.
ويرى الصالح ان الاقبال على زراعة الزيتون بطريقة استثمارية في المنطقة لايزال في بداياته، وذلك لحداثة هذه النوعية من الزراعة وقلة خبرة المزارعين في التعامل معها من حيث طرق زراعتها وحاجتها من الماء والمواد الغذائية الضرورية التي تضاف الى التربة ومكافحة الامراض التي تصيب الاشجار بالاضافة الى ان المردود الاقتصادي من استثمار اشجار الزيتون يتطلب وقتا طويلا نسبيا حيث لا تثمر شجرة الزيتون قبل ثلاث او اربع سنوات من زراعتها كما انها تتصف بقلة الثمر في السنوات السبع, الاولى من فترة الاثمار، ويزداد تحسن الثمر كماً ونوعاً كلما تقدم عمر الشجرة الطويل.
ويستثمر الصالح في مزرعته حوالي 400 شجرة تتراوح اعمارها بين خمس الى سبع سنوات زرعت بطريقة هندسية على هيئة شبكة تربيعية، وهو اسلوب زراعي متخذ في جميع مزارع الزيتون التي زرناها في المنطقة ما عدا الاشجار التي وضعت لصد الرياح او تقنين مياه السيول والحد من خطورتها، ويشير الى ان شجرة الزيتون الواحدة تنتج في هذا العمر ثمارا تتراوح بين 5 الى 7 كيلو جرامات السنة.
وتتقارب اعداد وانتاج اشجار الزيتون في المزارع الاخرى التي تحتضنها المنطقة الارقام المشار اليها اعلاه سوى مزرعتين مشهورتين تعدان رائدتين في هذا المجال تتخطى اعداد الاشجار فيها 3000 شجرة.
تدني الأسعار وعوائق الاستثمار
ويعد الصالح مشكلة عدم وجود مقومات صناعة الزيتون في منطقة حائل كالعصارات وادوات التخليل اكبر عائق امام المستثمرين، مضيفا ان المزارعين يقومون بجني المحصول وتخزينه في برادات ثابتة وضعت خصيصا لهذا الغرض حتى يتسنى شحنه في نهاية الموسم بواسطة شاحنات مبردة الى منطقة الرياض ويباع هناك بحوالي (1,75) ريال للكيلو جرام الواحد وهو سعر متدنٍ قياسا بتكلفة الانتاج وحساب الربح.
كما ان هناك معوقات اخرى اقل اهمية مثل حساسية شجرة الزيتون وضرورة زيادة العناية بها عند الغرس وتوفير العناصر الضرورية كالمواد الغذائية والري المنتظم خلال السنوات الثلاث الاولى ثم يخفف الري بعد ذلك، اضافة الى عدم مقاومتها للرياح القاسية مما يتطلب زراعة مصدات لحمايتها، وكذلك تأثر انتاج شجرة الزيتون بدرجة الجو المحيط عند الازهار فتتطلب فترة برودة في فصل الشتاء بمعدل (10) درجات مئوية لمدة شهرين لتعطي الاشجار مردودا اقتصاديا جيدا اذ ان البراعم الزهرية تحتاج الى درجة حرارة منخفضة بينما تحتاج عند تفتحها لدرجة حرارة اعلى، ولا تزهر الاشجار في الشتاء الدافىء بل تنمو خضريا فقط مما يعني وجود نسبة خسارة وخطورة في الاستثمار في هذا النوع من الاشجار.
وقت وطرق الزراعة
اما زراعة اشجار الزيتون فلا تختلف كثيرا عن زراعة بقية الاشجار عدا بعض العناية المؤقتة التي لا تجهد المزارع كثيرا، ووقت زراعة الزيتون حسب خبرة الصالح هو شهرا مارس وابريل حيث تجهز الشتلات وتعد لها حفر بعمق 60 سم وتبعد الشتلة عن الاخرى حوالي 7 امتار حتى لا تتشابك فروع الاشجار اذا كبرت ثم تسمد وتجهز الحفرة قبل وقت الغرس بفترة مناسبة، ويلاحظ عدم تعريض الشتلة للهواء سواء في عملية النقل او الزراعة وكذلك عدم تعريضها لاشعة الشمس المباشرة ويتفادى ذلك بتغطيتها بقطعة قماش ودهن جذورها بالكلس، كما يجب تثبيت الشتلات بعيدا وربطها حتى لا تتحرك او يؤدي الهواء الى كسرها او اقتلاعها وعند التثبيت في الحفرة يجب تفادي تشكيل الجيوب الهوائية وذلك بوضع الرمل الناعم حتى لا تكون هذه الجيوب مرتعا للحشرات التي تفتك بجذور النبتة فيما بعد، ثم تسقى بكمية مناسبة من المياه يوميا، هذا في حالة رغبة المستثمر زراعة الاشجار عن طريق الشتلات الجاهزة، اما اذا رغب ان تكون الزراعة عن طريق البذور فلابد ان تمر عملية الزراعة بعدة خطوات تبدأ باستخراج البذور من الثمار بعد نقعها بالماء ثم هرسها وفركها بالرمل وغسلها الى ان يزال لحم الثمر العالق بها، بعد ذلك تحفظ في رمل رطب حتى تتم زراعتها بواسطة احواض او صناديق خشبية تحت مظلات، وتباشر البذور بالانبات بعد حوالي شهر من زراعتها، وعند بلوغ الشتلة حجما مناسبا تنقل الى المزرعة وفقا للخطوات المذكورة آنفا.
التقليم ووفرة الإنتاج
ويضيف ان شجرة الزيتون تحتاج الى تقليم عند بلوغ السنة الثالثة من غرسها الى ان تحمل محصولا مناسبا بهدف تقوية هيكلها بحيث تقطع القمة النامية وتترك بأربعة فروع فقط اسفل القمة المقطوعة وعند السنة الرابعة تزال جميع الفروع ما عدا الفروع الاربعة الرئيسية، اما في السنة الخامسة فيكون التقليم خفيفا بحيث تكون الشجرة متوازنة مع ملاحظة ان يتم التقليم بعد فترة قطف الثمار مباشرة حتى تتمكن الشجرة من بناء فروع جديدة قبل الموسم القادم لان التقليم المُلحُ يقل من انتاج الثمار.
للنضج وجني الثمار
وتتطلب نبتة الزيتون كما يوضح الصالح الى عناية اكبر خلال فترة تشكل الثمار من حيث توفير العناصر الضرورية كالاسمدة والري الكثيف لكي تعطي انتاجا وافرا وبخاصة من الزيت وذلك لارتباط زيادة كمية الزيت بكبر حجم الثمرة، مشيرا الى ان مرحلة النضج النهائي للثمار تتم بعد مرور 6 7 اشهر من التزهير الذي يبدأ في اواخر فصل الربيع حيث تصل الثمار الى اقصى وزن لها واعلى معدل من الزيت حين يتحول لون الثمر الى اللون الاسود خاصة لاصناف الزيت، اما اصناف التخليل فيجب قطفها قبل تحول لونها من الاخضر.
وعملية جني ثمار الزيتون في المنطقة لا تزال تمارس بطريقة بدائية وذلك باستخدام الايدي وقطف حبات الثمار واحدة تلو الاخرى وهي عملية مكلفة ومجهدة في نفس الوقت ولذا تستمر عملية الجني لعدة ايام مما يوجب على المزارع تهيئة مكان مناسب تجمع فيه الثمار لحين اكتمال عملية القطاف بالكامل.
وتشير تقديرات الاحصائيين الاقتصاديين التي بنيت على دراسات ميدانية امكانية نجاح الاستثمار في محصول الزيتون في المناطق الشمالية من المملكة ومنها منطقة حائل وذلك لملائمة ظروف الطقس ودرجات الحرارة لهذه الزراعة بخاصة اتصاف المنطقة بشتاء بارد وهو مطلب ضروري لتكوين الازهار الكثيفة التي تعطي فيما بعد ثمارا بكميات اقتصادية مجدية.
فرص صناعية زيتونية للمستثمرين
يؤكد الاقتصاديون وجود فرص استثمارية متاحة امام المستثمرين في صناعة وزراعة الزيتون بالمنطقة نظرا لتباشير نجاح تجربة الاستثمار في زراعة الزيتون وتوجه كثير من المزارعين الى هذا المجال الزراعي الجديد.
يذكر ان تجربة زراعة الزيتون في منطقة حائل تعد ثاني تجربة ناجحة يخوضها المزارعون في المملكة وتأتي بعد نجاح التجربة الاولى بمنطقة القريات في مجال زراعة الزيتون وانتاجه، حيث تضاعف خلال السنوات الاخيرة ليصل في العام الماضي الى حوالي (2000) طن، عصر منه في معاصر الجمعية الزراعية ومعاصر القطاع الخاص (1,219,755) كيلو جرام، وبلغت كمية زيت الزيتون المنتج من هذا المحصول (218499) فيما تم بيع حوالي (700) طن من الزيتون المخلل (المائدة).
وتعد هذه الكميات مؤشرا اقتصاديا جيدا وحافزا قويا لجميع المستثمرين الزراعيين للاستفادة من هذا المجال الزراعي المجدي الجديد في المناطق الشمالية من المملكة التي تتشابه ظروفها الطبيعية والمناخية الى حد كبير.
وبعد هذه المحصلة يبقى ان نقول ان ملك المائدة في انتظار المستثمرين في منطقة حائل لتتويجه.
|
|
|
|
|