| مقـالات
تتمة لحديثنا الماضي عن الحمار وأنثاه نقول:
* وللحمارة معان أخرى غير دلالتها على أنثى الحمار، منها: وتجمع على حمائر، منها: خشبة تكون في الهودج, ومنها: الدلالة على ثلاثة أعواد من الجريد، تشدّ أطرافها العلوية إلى بعضها، ويخالف بين أرجلها، تعلّق عليها الإداوة أو القربة، ليبرد الماء, ومنها الدلالة على حجارة عراض تنصب حول الحوض، لترد الماء إذا طغى، كما تنصب حول بيت الصائد، قال حميد الأرقط، مشيرا إلى بيت صائد:
أعدَّ للبيت الذي يسامرُه بيت حُتوفٍ أُردِحَت حمائرُه |
(أُردحت حمائره: ثُبِتّت حجارته العراض).
ومنها الدلالة على ثلاث خشبات، يوثقن، ويُجعل عليهن الرُّطب لئلا يَقرِضه الحُرقُوص: (دويبة قدر البرغوث).
* وتصغير الحمار: حُميِّر، ومنه توبة بن الحُميّر، صاحب ليلى الأخيلية، وكنية الحمار: أبو صابر، وأبو زياد، ولذلك قيل في الهجاء:
زيادٌ لستُ أدري من أبوه ولكنَّ الحمار أبو زيادِ |
وكنية الحمارة: أم محمود، وأم تولب، وأم جحش، وأم نافع، وأم وهب.
* والحمير نوعان، أهلي، ووحشي، وسيأتي الكلام إن شاء الله عن الوحشي, والأهلي نوعان ايضاً، نوع يصلح لحمل الأثقال، ونوع ليّن الأعطاف، سريع العدو، يسبق براذين الخيل, فيه على هذا وسيلة نقل وركوب وزينة، مصداقا لقوله تعالى: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة النحل(8).
* وأجود الحمير المصرية، ويشتهر في الجزيرة العربية الحمار الحساوي، والحمار الشهري، ويهتم أهل مصر بتربية الحمير ويحتفلون بأمرها، ويقيمون لها السباقات الخاصة بها كالخيل، غير أن مكان سباقها لا يسمى مضمارا، وإنما يسمى (الطابق)، ويتكلفون في تزيينها، ويتغالون في أسعارها قال النويري في نهاية الأرب (10/93): والجيد منها يباع بالثمن الكثير، فقد بيع منها كما ذكر صاحب كتاب (مباهج الفكر ومناهج العبر) حمار بمائة دينار وعشرة دنانير, (قلت: الدينار كان يقابل المثقال، وهو في نقود عبدالملك بن مروان (4,25 جراما) فإذا ضربت 110x4,25 كانت النتيجة أن ثمن الحمار (467,50 جراما من الذهب)، فإذا أخذت متوسط سعر الجرام الواحد من الذهب (الجرام كلمة عربية تعني نواة التمر، اتخذوا منها وسيلة للوزن) وهو خمسة واربعون ريالا، يكون سعر الحمار الواحد (467,5x45= 21037,5 ريالا).
* قال النويري: وأما الذي رأيناه نحن منها، فبيع بألف درهم، (قلت: الدرهم المرواني يساوي: (2,97 جراما فضة)، فاذا ضربت (1000x2,97) كانت النتيجة (2970 جراما) من الفضة هو ثمن الحمار، يضرب في متوسط سعر الجرام (2970x10= 29700 ريال).
* وكثير من أهل مصر والحجاز كان يركبها، وقد أدركنا ذلك في مكة والمدينة، فقد كان اعتماد الرّكب في المناسبات المختلفة وبخاصة في الرجبية على الحمير، وكذلك في الانتقال بين البساتين، (البلدان)، وفي الحالات العادية كان بعض الأعيان يركبونها مع وجود القدرة على ركوب الخيل والبغال، بقصد كسر غلواء الكبرياء في نفوسهم، وبغية التواضع، وبعضهم يركبها شحاً وبخلا، ويركبها الشباب بقصد التنزه عليها، وذلك لفراهتها وسرعة عدوها، بعد أن يزينوها بالقلائد والدناديش، كما كان يفعل في الأعياد بالحجاز.
* وكان الشيخ عبدالعزيز البِشري أحد مشائخ الأزهر بمصر، وكان رجلا فكها معروفا بالنكتة وخفة الدم، وسرعة البديهة، كانت له حمارة ينتقل بها من بيته إلى الأزهر، كما يفعل غيره، وكما توجد الآن مواقف للسيارات، كانت توجد آنذاك مواقف للحمير، وذات مرة حضر الشيخ بدون الحمارة على غير عادته، فسأله أحدهم تندرا: وأين الحمارة يامولانا؟ قال الشيخ: إنها في حالة نفاس، قال آخر: لاتنسوا يامولانا أن تدعونا إلى سابعها، قال الشيخ: آسف، سيكون السابع قاصرا على حمير الحيّ فقط!
* ومرة أخرى خلع الشيخ البشري قفطانه يتوضأ، فرسم عليه أحدهم متعبثاً منكّتا: رأس حمار، بالطباشير، ليستثير في الشيخ ردة الفعل، فلما شاهد ذلك البشري قال: من الذي مسح وجهه في قفطاني يا أولاد فضحك الجميع.
* ومن هذا الباب مايروى عن الشاعر حافظ إبراهيم، قالوا: كان يلقي إحدى قصائده في إحدى المناسبات، والنوافذ مفتوحة، وكان قريباً من تلك الصالة موقف للحمير، وفي إحدى مقاطع القصيدة نهق أحدها بصوت عالٍ غطى على الشاعر، فما كان من حافظ إلا أن توقف عن الإلقاء قائلا: ننتظر حتى ينهي أخونا قصيدته، فضحك الناس، ثم والى إلقاءه.
* وعلا جحا نشزاً يخطب في الناس، سألهم أفاهمون أنتم؟ قالوا: لا, قال: أنا لا أفهّم الحمير, وفعل ذلك مرة أخرى، وسأل، فردوا عليه بأنهم فاهمون، قال: أنا لا أفهّم الفاهمين, ومرة ثالثة جاوبوه, بأن بعضهم فاهم، وبعضهم غير فاهم, قال: فليفهم الفاهمون غير الفاهمين.
* ويوصف الحمار بحدة حاسة السمع، ويرجع بعضهم ذلك إلى هيئة أذنيه، وقدرة اجتذابهما للصوت، ومرونتهما في التوجّه بهما يمنة ويسرة، وفي كل اتجاه, ولعل فكرة الهوائي لها علاقة بآذان الحمير.
* كما يوصف الحمار بشدة الخوف من الأسد، وعدم تماسكه أمامه فما أن يشم رائحته حتى يرمي نفسه عليه من شدة الخوف، ومن هنا جاءته ربما صفة الغباء، وما هو بالغبي، ولكنه الخوف يفعل أفاعيله، وليس شيء كالأمان من الخوف, فاللهم أمّن روعاتنا، واستر عوراتنا,, آمين.
|
|
|
|
|