| الاخيــرة
عندما تصطدم سيارة بأخرى في أحد الأزقة فذلك تخطيط أمريكا، وعندما يخاصم أحدنا زوجته فذلك تدبير أمريكا، وعندما يسقط فارس من صهوة جواده فذلك بأمر أمريكا، وعندما يضعف اقتصاد، أو يهن عزم وزير، أو تشكل حكومة أو تستقيل فذلك بمحض ارادة أمريكا, هكذا تكون أيسر السبل لتفسير ظواهر وحوادث يومية أسّها صنيع أفعال بعض الدول، وأثرها مبسوط على حياة أبنائهم كانبساط المطر على فياض الصحراء.
ان ذوي النهى والألباب لن يكلفهم استجلاء الأمر والبحث عن مكمنه، فهو ظاهر ظهور النجوم في سماء ليلة صافية, فليس دونهم ودون الحقيقة سوى قول الإمام الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا |
عندما تتحارب فئات في دولة ما بسبب قبلي أو مذهبي، في الوقت الذي لا يجد فيه المواطنون لقمة عيش، تسد رمقهم، ولا قطرة ماء تطفىء عطشهم، فذلك من صنيع أنفسهم، رغم اجتهاد معتنقي نظرية المؤامرة، فإن كان الأمر ليس بإرادتهم وإنما قد أملي عليهم فذلك حجة عليهم لا حجة لهم، لتغليبهم ارادة غيرهم على تحقيق مصالح شعوبهم وإن كان أمرا قد استساغوه وألفوه ففي كلا الأمرين فهو لا يعدو أن يكون صنيع أيديهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
انه لم يعد هناك متسع للمزيد من تغليب الأقوال على الأفعال، والبحث عن صحيفة المتلمس، وامتطاء عباءة المخارج، فالواو الزائدة في عمرو ليس لها مكان في هذا العصر, فلن يقيم أود الجياع أو يسد فاقة المحتاج أو ينهض بالاقتصاد، ويرفع من شأن البلاد تأليف الأوتار والأنقار وبري أقلام عبدالحميد بن يحيى، وإقامة الحجج والبراهين، ووضع القوانين بغرض الإفلات من العمل الى الاستكانة، ومن الإنتاج الى الكسل والاهمال.
وليس من الحكمة ان تحمِّل بعض الدول أمريكا أوجاع الناس وآلامهم، في الوقت الذي تبقى فيه تلك الدول تتغنى بأوهام انجازاتها، وكأنها التي فصلت بين الاسم والمسمى وعدّلت وقوّمت، وصنعت الأسماء والأفعال، وبوبت الظرف والحال، وبنت وأعربت، ووصلت وقطعت وثنّت وجمعت، وأظهرت وأضمرت، واستمعت وأخبرت، وأهملت وقيدت، وأرسلت وأسندت.
لم تكن قط أمريكا مسؤولة عن أن يظهر الوزير في بعض الدول لقراراته على غير حقيقتها ليبدو لمتخذ القرار ومتلقيه نظرة جميلة وهي ليست سوى مجموعة من الكلمات المنمقة التي يحلو الاستماع اليها، فاذا تجلى الأمر وتبين فاذا هي جوفاء لا تجلب نفعا ولا تكف ضررا, وليس من مسؤوليتها ان يرفع المنصب من قدر الوزير في الظاهر دون أن يرفع الوزير من قدر المنصب، وأن يستفيد من النظام الذي وجد ليخدم به غيره، فيخدم ذاته.
ان أمريكا تبحث عن مصالحها وستظل كذلك ومن الأجدر أن يعي أصحاب نظرية المؤامرة أن الارادة الذاتية عندما تتوافق مع المصالح الأمريكية وهي الدولة الأولى في العالم فنعما هي، وهو مطلب حميد ومقبول، بل ومن الأحرى تلمس السبل الكفيلة بارتياده, فلا غضاضة في توافق المصالح طالما أن ذلك يفتح الباب أمام المزيد من النمو والازدهار، فدعونا نعمل ونجتهد ونسكب العرق، وقبله أن تكون مراقبة الذات قبل مراقبة الغير، وبه وحده سيتحقق النجاح، وبلوغ المنى، وبه وحده يكسب العالم العربي أمريكا.
|
|
|
|
|