| الاقتصادية
لا تزال الثورة التي احدثها الحاسوب تدفع بموجاتها الجديدة الهائلة واحدة تلو الأخرى في صورة صدمات اسهمت الى حد بعيد في تشكيل مجتمعنا المعاصر.
وعندما استخدمت الحواسيب الكبيرة لأداء مهام روتينية في الستينيات كمسك الدفاتر وفي الإدارة ومراقبة المخزون، استغنت المؤسسات عن أعداد كبيرة من موظفي الأعمال الكتابية.
وهكذا كانت الحاجة الى توفير الأيدي العاملة سببا رئيسيا وراء اقتناء الحواسيب الجديدة بما لها من بريق وجاذبية.
ومع وصول الحواسيب الشخصية الى ذروتها كان هناك تزايد هائل في قدراتها على انجاز ما لا حصر له من مهام مع تقدم مماثل في درجة تعقيدها ودقتها.
وهكذا اصبحت ركيزة ثابتة فوق كل مكتب واصبح من المحتَّم ان تقتحم عالم الإدارة لتطيح بالعديد من الموظفين الإداريين.
ومع حلول نهاية الثمانينيات كانت الحواسيب الشخصية بالاضافة الى ما حدث من ركود اقتصادي شديد في تلك الفترة كارثة حقيقية لكثير من الناس وذلك لأن الشركات اخذت تقلل حجم العمالة بها.
وهكذا اخذ المديرون وفرق السكرتارية والذين ظلوا ينعمون لسنوات طويلة بالأمان في كنف مكاتبهم يشهدون وظائفهم المستقرة تتبخر امام أعينهم وتذهب ادراج الرياح.
فهل سيكون تأثير عصر الانفوميديا الوسائط المعلوماتية اشد على العمالة بحيث تصبح الوسائط المتعددة متنوعة الأعراض والتي تعمل من خلال أحدث صيحات التقنية من الاشياء المألوفة؟! إذ غالبا ما يقال ان اقتصادنا هو اقتصاد خدمات.
ان معظم الناس يشغلون وظائف في مجال تقديم الخدمات للآخرين سواء أكانوا يعملون في محطات بنزين او متاجر او مطاعم وجبات سريعة او كمصرفيين.
وهناك الكثيرون غيرهم ممن يعملون في صناعة او أخرى, فقد يعملون وكلاء، سفريات سماسرة بورصة، او عقارات، وثمة عدد كبير ممن يعملون بالقطاع الحكومي يقومون ايضا بخدمة الناس.
بَيدَ انه ومع تغلغل الحواسيب المتصلة بالشبكات داخل كل بيت في كل انحاء الدولة، ستبدأ الموجه التالية من خفض حجم العمالة, فهناك الكثيرون ممن يعملون كوسطاء بين الشركات وعملائها، وهؤلاء سيتم تصفيتهم فالاتصالات المباشرة بين الحواسيب التابعة لمؤسسة معينة وبين المستهلك داخل منزله سوف تحولهم الى عمالة زائدة.
ترى ماذا يحدث عندما يقوم الناس بالتسوق وهم داخل منازلهم؟ وما الذي يحدث عندما يقوم سماسرة البرمجيات بمساعدة القائمين بعطلاتهم في حجز تذاكر سفرهم او مساعدة المستثمرين في شراء الأسهم؟ وما الذي يحدث عندما يقوم الناس بالحصول على الخدمات المصرفية وهم داخل بيوتهم بدلا من الذهاب الى احد الافرع الحقيقية للمصرف حيث يقوم على ادارته أناس من لحم ودم.
وعلى الرغم من ذلك فالصورة ليست قاتمة تماما، فمع الاستغناء عن بعض عناصر قوة العمل في مجال معين سيزداد الطلب عليها في مجالات اخرى.
ومن الواضح ان صناعات التقنية المتقدمة ولا سيما الحواسيب والاتصالات والإليكترونيات الاستهلاكية سوف تشهد نموا هائلا.
ختاما اقول ان كل التغييرات في حاجة الى وقت والتغييرات الكبرى تتطللب وقتا طويلا وعندها نكون قد خرجنا من ثورة الانفوميديا الى عصر الانفوميديا,.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود * عضو الجمعية السعودية للإدارة
|
|
|
|
|