| مقـالات
عندما كنت أقلب في أوراقي القديمة التي كنت أحتفظ بها للذكرى من بينها قصاصة ورقة صعود الطائرة وعليها رقم وتاريخ الرحلة التي كنت أقوم بها.
تذكرت عندما كنت منتظرا في مطار نيويورك ترانزيت آتيا من السعودية في انتظار رحلتي المتجهة الى مدينة دنفر وكنت اقرأ في كتاب باللغة العربية الى أن يحين وقت الصعود الى الطائرة، وعندما سمعت النداء وضعت الكتاب على الكرسي الذي بجانبي وكان غلاف هذا الكتاب به صورة لشخص بالزي العربي فنظر الشخص الذي بجانبي للكتاب ثم نظر لي بابتسامة صفراء وسأل من أين أنت؟ وكان سؤاله غريبا حيث أعلم أن الأمريكان ليسوا ملاقيف فقلت له: من المملكة العربية السعودية، فصمت قليلا، ثم قال: اذن أنت من بلد الذين يقطعون الرؤوس والأيدي.
للوهلة الأولى احترت بماذا اجيبه فليس هناك وقت للشرح فقلت له: من الواضح أن لديك فكرة خاطئة عن بلدي.
فهناك أحكام وأنظمة تحكم هذه العقوبات من واقع الشريعة الاسلامية، وعلى العموم الموضوع يطول شرحه، فهز رأسه ولم يكن مقتنعا وذهب الى بوابة الصعود للطائرة فلحقت به وطلبت منه عنوانه البريدي وقلت أريد أن أرسل لك رسالة لكي أوضح لك الأمر.
وكان في بادىء الأمر مترددا في اعطائي العنوان الا انه أعطاني اياه أخيرا وصعدنا للطائرة.
وعند جلوسي حاولت أن اكتب رؤوس أقلام تساعدني مستقبلا على شرح وتصحيح الفكرة الخاطئة التي في مخيلته عن بلدي، ولكني وجدت انه لابد لي من بعض المراجع التي تعينني على الاجابة على سؤاله.
وعند وصولي لمنزلي قمت بكتابة رسالة الى سمو الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، سفير خادم الحرمين الشريفين بالولايات المتحدة الأمريكية.
وطلبت من سموه كتبا اعلامية باللغة الانجليزية ووصلت لي تلك الكتب بأسرع مما كنت أتصور، وليس هذا بغريب على سمو الأمير الذي عهدنا منه نحن الطلبة آنذاك حرصه الشديد على الطلبة السعوديين وعلى ابراز الواقع الذي تعيشه المملكة، وتذكرت كلام اخي عبدالحميد الذي كان يدرس الهندسة المدنية، حيث قال عن الأمير: انه عندما عين سمو الأمير بندر بن سلطان سفيرا تغير وضع الطلاب السعوديين بالولايات المتحدة الأمريكية فصار الى الأفضل، فعلى سبيل المثال لا الحصر.
أمر حفظه الله عند بداية تعيينه باعطاء فرصة للطلبة الذين سوف تطوى قيودهم، ثم أمر أيضا بضم جميع الطلبة الذين كانوا يدرسون على حسابهم الخاص ويرغبون الانضمام الى البعثات الرسمية، وأيضا ارسال مجلة وجريدة سعوديتين لكل طالب بالمجان ليكون على اتصال ببلده وأحوالها بالاضافة الى مجلة المبتعث التي تصدر عن الملحقية الثقافية بسفارة خادم الحرمين الشريفين بواشنطن، وغيرها من المميزات التي منحها للطلبة المبتعثين، وقد شجعني أخي للكتابة لذلك الشخص السالف ذكره.
فبدأت رسالتي من حيث ما سألني: فقلت له: عندما سألتني ونحن بانتظار رحلتنا المتجهة الى مدينة دنفر كان الوقت أضيق من أن اجيبك فيه على سؤالك الذي يشتمل على شيء من الكراهية والاستنكار.
أما الآن فيسرني أن أرسل لك اجابة على سؤالك وأرجو أن أكون أعطيت الموضوع حقه.
وقد بدأت بتعريف بسيط عن المملكة العربية السعودية والشريعة الاسلامية حيث هي نظام الحكم في المملكة ثم انتقلت به الى التشريعات المطبقة ثم حدود القصاص في الشريعة الاسلامية السمحاء، حيث وضحت له مدى سماحة الشريعة الاسلامية: السرقة، القتل، التعزير ، ومما قلت له في ذلك: ان هذا الذي يعيبه علينا قد أمر الله به موسى عليه السلام في قوله عن اليهود: إنا أنزلنا التواره فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون , الآيتين 44، 45 من سورة المائدة .
وأمر بهذا عيسى عليه السلام في قوله حكاية عن قول عيسى: ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون , الآية 50 من سورة آل عمران .
كما أنزل ذلك على محمد عليه الصلاة والسلام وألزم به المسلمين في قوله: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون الآيتين 78، 79 من سورة البقرة .
فهو تشريع الله في كتبه السماوية أمر به المسلمين كما أمر به أهل الكتاب اليهود والنصارى، فأهمل اليهود والنصارى تطبيقه، وتأثر بهم في هذا الاهمال كثيرون من المسلمين الا بلادنا المملكة العربية السعودية فنحن في هذه المملكة انما ننفذ أمر الله سبحانه في كتبه السماوية، وليس لكتابي انكار ذلك ما دام يؤمن صادقا في ايمانه بما جاء به موسى وعيسى عليهما السلام من ربهما تبارك وتعالى.
على ان مثل هذه المواضيع محتاجة الى بسط أكثر من هذا ولعلك تجد فيما أرسلت لك بعض الايضاح، كما أرفقت بعض الكتب باللغة الانجليزية وطلبت منه اذا أراد المزيد من المعلومات أو الكتب أن يرسل لي وسوف أكون سعيدا بالاجابة على طلبه.
وأرسلت هذه الرسالة اليه.
بعد ثلاثة أشهر أرسل لي رسالة يشكرني على الرسالة والكتب ويعتذر عن التأخير ويرفق مع الرسالة قصاصة من جريدة يومية وهي عبارة عن مقالة كتبها عن ما قرأه في الكتب وقال في خطابه: بعد قراءتي لرسالتك والكتب التي أرسلتها لي أود أن أوضح لك بعض النقاط.
أنا صحفي بجريدة The Puebo, chieftain وعلى الرغم أني اختلف معك في بعض النقاط الا انه اتضحت لي أمور ما كنت أعرفها أو أتصورها عن بلدكم، واذا كان ما كتبته لي وقرأته من الكتب هو مطبق في بلادكم فأعتقد أنه لن يكون هناك جرائم لديكم تستحق الذكر.
ولقد كتبت بعض السطور في الجريدة وذكرت رأيي في بعض ما قرأته من الكتب.
وعندما فرغت من قراءة الرسالة أخذت اقرأ مقالته المرفقة بشغف وكان عنوان المقالة: القوانين والأنظمة في البلاد العربية الاسلامية ، وكانت هذه أول ملاحظة عليه، حيث لم يذكر المملكة العربية السعودية بالاسم لأنها الدولة الوحيدة التي تطبق الشريعة الاسلامية بحذافيرها ، وقد تحدث في مقاله عن الأنظمة والقوانين في بلادي وكيف تقوم بتطبيقها واسترسل في الحديث عنها.
وقد قرأت هذا المقال عدة مرات وكتبت له ملاحظاتي وهي بسيطة, فلو أن كل سعودي أسهم في هذا الميدان بشيء من الشرح والايضاح لتغيرت نظرة الآخرين الينا، وان كانت مهمة الاعلام تأتي في المرتبة الأولى وبخاصة أن الآخرين قد استطاعوا ان يستغلوا هذا الجهاز الاعلام لصالحهم وفي تشويه صورة المسلم.
الى كون الاعلاميين أقدر الناس على الشرح والايضاح ومجابهة الآخرين بسلاحهم وهو الاعلام وبخاصة ان بلادنا في وضع يغري بالتصديق.
فالأمن والرخاء والاستقرار وما الى ذلك مما حبانا الله به، كل هذا متحقق عندنا,
ولأهمية الأمن قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بات آمنا في سربه صحيحاً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما ملك الدنيا بحذافيرها .
|
|
|
|
|