أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 11th May,2000العدد:10087الطبعةالاولـيالخميس 7 ,صفر 1421

الاقتصادية

السعودة : المفهوم والتطبيق والأمن الاقتصادي المستقبلي للأجيال
استجابة القطاع الخاص بطيئة إلى حد ما وللقرارات المساندة دور في تسريع السعودة
د,عبد الله بن سالم الزهراني *
السعودة كلمة أفهمها بمعنى الذات الوطنية والحرص على الوطن من خلال انسان هذا الوطن بحمايته أمنيا واقتصاديا واجتماعيا, وهذه الحماية نظام ينبني في اساسه على أبناء هذا الوطن, ومن هنا فالسعودة كمصطلح بشري ينتمي بشكل مباشر الى الحيز المكاني المتمثل في الوطن الذي ليس هناك أغلى منه، كما ينتمي بشكل غير مباشر الى ما ينتجه هؤلاء البشر من منتجات مختلفة، ولكن سيتم التركيز هنا على المصطلح المباشر.
السعودة كمصطلح لم يكن ربما يتردد قبل قرابة عقد من الزمان ولكن دلالاته موجودة من خلال التنمية البشرية والاستثمار لأبناء هذا الوطن, لقد بدأت هذه الدلالات منذ بداية المؤسس والموحد لهذا الحيز المكاني المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز، حيث كانت الأهداف والطموحات ترمي الى ايجاد كيان موحد له مكانته ومنزلته وهيبته في وقت كان التناحر والفرقة والاستعمار والكيانات الهشة هي السائدة في المنطقة, ولعل الانطلاقة الاولى لبدء بناء هذا الكيان الموحد باستعادة الرياض تعطي لنا التطبيق الاول لمدلول السعودة والاعتماد على أبناء الوطن حيث كان كل الذين قادهم لاسترجاع الرياض من أبناء هذا الوطن, ان الاعتماد على سواعد أبناء الوطن تجلى خلال مسيرة التوحيد وبعد التوحيد حيث وضعت اللبنات الاولى للتنمية في المجالات المختلفة رغم تواضع الامكانات, استمرت مسيرة البناء وتطلب الأمر جهودا كبيرة للاستمرار في الرفع من مكانة هذا البلد, لقد زاد عدد سكان المملكة خلال ثلاثة العقود الأخيرة زيادة كبيرة نتيجة للنمو الاقتصادي الذي انعكس على كل الجوانب التنموية بما فيها الجانب الصحي الذي هو سبب رئيس من خلال تداعياته الايجابية في زيادة اعداد السكان, وشهد التعليم طفرة كبيرة في اعداد الملتحقين به وفي مخرجاته النهائية التي كان لها الدور الكبير في بلورة الذات الوطنية الانتمائية من خلال الاحلال التدريجي الطبيعي لمخرجات هذا التعليم في وظائف الدولة المختلفة, اقتضت خطط التنمية الأربع الأولى ان تحقق أهدافها من خلال تنمية شاملة للقطاعات المختلفة ومن خلال تأسيس بنية تحتية ما كان لها ان تتم لولا تشغيل اعداد كبيرة من السعوديين وغير السعوديين, ومع نهاية الثمانينات وخلال التسعينات الميلادية شهد الاقتصاد العالمي بشكل عام ركودا اقتصاديا وانسحب تأثير هذا الركود على دول الخليج العربية بشكل خاص وربما بشكل اشد وطأة عما هو عليه في الدول الاخرى ذات الامكانات الاقتصادية الكبيرة وذلك بسبب العدوان العراقي على الكويت, لاشك ان عجلة التنمية في المملكة تأثرت مما اقتضى التعامل مع الوضع الاقتصادي الجديد بشكل يكفل للمواطن مستوى معيشيا متوازنا ويجنب الوطن هزات اقتصادية مريعة, وعلى ضوء ذلك كان لابد من زيادة الاهتمام بالقوى العاملة السعودية وخاصة ان مخرجات التعليم في تزايد مستمر يستدعي وضع الخطط والتخطيط لاستيعابهم بعد التخرج, أصبحت السعودة اذاً أمرا ملحا ومن أولويات اهتمام الدولة ومن اولويات اهتمامات صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة, ولقد كان لجهود صاحب السمو انعكاس ايجابي كبير في هذا الصدد, ولم يكتف بالتنويه اعلاميا عن اهداف السعودة وخطواتها وقراراتها بل دعم ذلك ميدانيا من خلال حضوره ليوم المهنة في الجامعات والمؤسسات الحكومية المختلفة وتوجيهاته وحواراته وكذلك لقاءاته مع رجال الاعمال وتبادل الآراء بشكل مباشر مع كل هذه الفئات الذي افضى الى اتخاذ قرارات صائبة من خلال مجلس القوى العاملة الذي يترأسه سموه، حيث اعطت جدية لتطبيقات المفهوم وبالذات في المؤسسات الحكومية, لم يخل بداية التطبيق في المؤسسات الحكومية من بطء في البداية لتضمنه جوانب انسانية ربما دخلت فيها المحسوبيات والوساطات وكيل المدح لمن يقوم بأعمال من غير السعوديين في وقت ليس هناك من يقوم بهذه الاعمال من السعوديين, وقد يكون هذا مدحا في مكانه ولكن لم يكن هناك مقارنة مع سعوديين يقومون بنفس الاعمال في كثير من الاحيان, بعض الجهات الحكومية في البداية ربما طبقت المثل القائل: وجه تعرفه ولا وجه تنكره, هناك البعض الذي صدق الشائعة القائلة بأن السعودي لا يعمل بجدية وانه كثير الغياب وانه لا يمكن تطبيق القوانين الوظيفية عليه من حسم وفصل ونقل وكل ذلك كان لتجارب فردية معزولة وربما صدرت عن القطاع الخاص, ان التجربة الفعلية اثبتت عكس ذلك تماما، ومن ملاحظة شخصية للتطبيق لتوجه السعودة في جامعة الملك سعود اتضح امكانية تطبيق الاحلال بسلاسة حيث اصبح موظفو السكرتارية والنسخ جميعهم ومعظم موظفي الشؤون المالية من السعوديين.
اما فيما يتعلق بأعضاء هيئة التدريس فالسعودة فيها مبكرة ومستمرة ولكن لها ظروف مختلفة ربما نتحدث عنها في مقال آخر, لاشك ان لصدور القرارات المساندة والتي منها على سبيل المثال عدم التجديد لمن امضى في العمل في ذلك القطاع عشر سنوات دورا في الاسراع بالسعودة بالاضافة الى ادراك أهمية ذلك اقتصاديا واجتماعيا, ولعل هذا هو الوضع في الجهات الحكومية الاخرى.
اما القطاع الخاص فإن استجابته حتى الآن بطيئة الى حد ما, وهناك قرار صادر عن مجلس الوزراء بأن تكون السعودة 5% سنويا, ولكن ما مدى الشوط الذي قطعه القطاع الخاص في هذا الاتجاه؟ لاشك ان للقطاع الخاص ظروفه الخاصة واشكالياته، كما ان القطاع الخاص في مجمله لم يبادر من ذاته قبل هذا القرار الى السعودة في معظم الوظائف بحجج معقولة في بعضها وغير معقولة في معظمها, القطاع الخاص يفكر في الجانب الربحي وهذا من حقه ولكنه يهتم بالجانب الربحي المادي دون الاخذ في الاعتبار الجانب الربحي البشري, لم يستثمر ابناء هذا الوطن, معظم الشركات فردية والفائدة تعود على اسر وافراد محدودين, افلا يستحق السعوديون الاستفادة من العمل في هذه الشركات بعرق جبينهم وليس بالمشاركة بأسهم فيها وان حصل الاثنان فهو الافضل وخاصة مع توجه العولمة والتكتلات الاقتصادية؟ لم يكلف القطاع الخاص وبالذات الشركات الكبيرة انفسهم عناء التدريب او حتى التنسيق مع جهات التدريب الحكومية وتحديد متطلباتهم التي يحتاجونها في خريجي هذه الجهات رغم ان الكثيرين من العمالة الفنية الوافدة تعلمت وتدربت في مصانعنا بل ربما ابتعثت على حساب مصانعنا, لاشك ان هذه العمالة الوافدة لديها اساسيات تقنية وفنية ولكنها عندما اتت وجدت اجهزة جديدة ومصانع متطورة واتيح لها الوقت لكي تتقن العمل على هذه الاجهزة, أليس السعودي اولى بهذا التدريب والوقت؟ ألم تهيىء الحكومة البنية التحتية للمدن الصناعية؟ ألم تعط الارض والقرض؟ ألم تفرض قوانين الحماية لمنتجات هذه المصانع والشركات؟ أليس من حق ابناء هذا البلد اكتساب الخبرة والتدرب في هذه المصانع والشركات والعمل بها؟ أليس من واجب المصانع والشركات المشاركة في الامن الاقتصادي والاجتماعي لابناء هذا البلد؟ الا يقود عزوف القطاع الخاص عن توظيف السعوديين بشكل اكبر الى البطالة؟ الا يدرك القطاع الخاص تداعيات البطالة الاقتصادية والاجتماعية والامنية؟ان من حق القطاع الخاص ان يطالب بسن القوانين التي تمكنه من التعامل مع توظيف السعوديين بشكل يمكنه من الخصم والفصل في اطر قانونية محددة وكذلك الاستغناء في حالة انهاء مشاريع معينة وعدم وجود الحاجة.
من حق القطاع الخاص ايضا ان ينشط التدريب المهني ومؤسساته والجامعات وان تكون خططها مدروسة ومتطورة مع التطورات التقنية وملبية لاحتياجات القطاع الخاص ومتطلبات التنمية بشكل عام, من حق القطاع الخاص كذلك ان ينشط التدريب التعاوني في الكليات التقنية والمعاهد الفنية والجامعات، وهذا التعليم التعاوني لا ينشط ولا يحقق اهدافه الا من خلال تجاوب القطاع الخاص ومشاركته في هذا التعليم التعاوني من خلال استقبال اعداد من طلاب الجامعات والكليات التقنية والمعاهد المهنية للتدريب في المؤسسات والشركات والمصانع بحيث يسهم القطاع الخاص في الاشراف وبعض من التكاليف المالية, ومن حق القطاع الخاص ايضا ان يكون محميا بشفافية ونزاهة اثناء العطاءات والمناقصات دون وسطاء ومن حق القطاع الخاص ان يحظى بمتابعة للمشاريع التي اوكل امر تنفيذها اليه من خلال الممارسة لكي يحصل المنفذ على حقه كاملا ولكي يحصل المستفيد من المشروع على النتاج الصحيح لهذا المشروع, انه وفي حالة غياب الشفافية المطلقة والمتابعة المخلصة يتم الالتفاف على القوانين على سبيل المثال قرار توظيف عدد معين من السعوديين في شركة او مصنع قد يتم التحايل عليه باسماء على الورق دون الوجود على الواقع والامثلة كثيرة على ما قد يحصل من التفاف على القرارات, كيف لنا ان نواجه العولمة والتجارة الحرة التي تمس بشكل كبير القطاع الخاص في ظل غياب السعودة الحقة في هذا القطاع؟ أنواجهها بعمالة وافدة؟القطاع الخاص كما ذكرت له خصوصياته وحساسياته وحساباته ولذلك لابد ان يكون التعامل معه في موضوع السعودة بشكل مدروس ومحسوب يضمن الحماية والحقوق والكفاءة والمرونة والتدرج في الوقت, اعتقد ان هذا ما يركز عليه صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة فهناك دراسة ومرونة وتدرج في الاحلال، ولكن ينبغي على القطاع الخاص عدم المماطلة, اتذكر ان صاحب السمو الملكي الامير نايف في افتتاحه لاسبوع الجامعة والمجتمع في جامعة الملك سعود قبل عامين، اجاب على سؤال ربما تكرر طرحه عليه كثيرا حول العقوبات التي من الممكن فرضها على القطاع الخاص في حالة عدم التجاوب الكافي في مسألة السعودة فكان رد سموه ان ثقته كبيرة في استجابة القطاع الخاص والتقيد بنسب الاحلال, وعلى كل حال يظل العقاب خيارا مطروحا والامل ان تكون الثقة في محلها وان تكون الاستجابة على قدر الطموحات.
ان الشركات والمؤسسات الكبيرة بلا شك استجابت وربما لم تصل بدقة حتى الآن الى النسب السنوية المطلوبة من السعوديين وان اقتربت منها، ولكن اعتقد ان النية الحسنة والجدية في هذا الامر موجودة وهي مسألة وقت نأمل الا يطول, ولكن ماذا عن الافراد والمؤسسات الصغيرة واسواق الخضار ومحلات بيع الفاكهة والخضار - التي اصبح بين كل محل خضار واخر محل للخضار - والبقالات والاسواق الغذائية الكبيرة والاسواق التجارية؟ انك لا ترى فيها سوى غير السعوديين مع استثناءات محدودة, ماذا لدى هؤلاء من مهارات حتى يسيطروا على هذه الاعمال؟ هناك بداية للتطبيق للسعودة في اسواق الخضار ولكن هناك خلل ما في الاشراف على التنفيذ, لقد رأيت كما اعتقد ان الكثير منكم رأى ويرى كيف ان العمالة في سوق الخضار يتحايلون ويختفون بمجرد ملاحظة اي تحركات للاشراف اذا لم يكن هناك سعودي موجود, المؤسف ان بعض السعوديين الذين يعملون الآن في هذه المحلات يشكلون واجهة وحماية لغير السعوديين دون دور يذكر لهم في النشاط التجاري, ان من يبيع ويشتري ويناقش هو العامل بل ان الأدهى والامر ان العامل غير السعودي هو الذي يوظف السعودي احيانا الذي عليه فقط الجلوس في المحل دون تصرف, ان هذا واقع في اسواق الخضار وهذا نوع من التستر, هناك قانون يتعلق بالتستر فلماذا نضع هذا القانون ليكسر ونحن لسنا بحاجة اليه في هذه الاعمال الصغيرة؟ يجب الا يعمل في الاسواق التجارية ومحلات بيع الاغذية غير سعودي على الاطلاق واعتقد ان هناك قرارا حاسما بهذا الشأن ولا ينقصه سوى المتابعة الميدانية الصارمة, لا نود ان تكون المتابعة الميدانية كأسابيع المرور بل نود ان تكون الاستمرارية في المتابعة حتى تختفي هذه الظاهرة.
لا يمكن انكار دور العمالة الوافدة بكل فئاتها بشكل عام في دورها في البناء وتنفيذ خطط التنمية المختلفة ولا يمكن اغفال دور المملكة الاقتصادي على كثير من دول العالم واسهامها في تنميته سواء من خلال القروض او الهبات او اجور العاملين من دول مختلفة وارسالها الى ذويهم في دولهم المختلفة, اذاً المصالح متبادلة وعندما اصبح الوضع الاقتصادي في المملكة يتطلب وقفة تصحيحية كان لابد من هذه الوقفة للصمود واستمرارية النمو الاقتصادي السليم المتوازن في ظل زحف العولمة.
ان اي اقتصاد في العالم لا يبنى الا من خلال مؤسسات اقتصادية فاعلة ونشطة كما ان هذه المؤسسات لن تنجح الا من خلال ابناء الوطن واستثمارهم واذا نجحت بعمالة وافدة فهو نجاح مؤقت لا يضمن لها الاستمرارية في النجاح, ليس هناك اثمن من استثمار انسان الوطن فهو الابقى، كما ان استثمار ابن الوطن في الاعمال التقنية والفنية يشكل بناء لقاعدة خبرات تنمو وتستمر مدعومة بالتخطيط الذي يضمن امنا اقتصاديا للاجيال المقبلة في خضم التكتلات الاقتصادية العالمية والتجارة الحرة, والله من وراء القصد.
* جامعة الملك سعود .
أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved