| الثقافية
كان طائراً جريحاً هاجر من أطراف الباحة,, من الجنوب,, لينضم إلى اسراب البجع على شواطىء الخليج العربي.
وهناك في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ظل يواصل إبداعه في فن القصة والمقالة والرواية.
ظل يواصل غناءه على شجرة الإبداع، وعلى اغصان المعاناة.
ظل يرسم بالحبر واقعه,, وأحلامه,, ويوغل في النزيف الكتابي الى آخر قطرة دم في شريانه التاجي.
كتب الوسمية/ وأسفار السروي / والموت على الماء/ وبوح السنابل/ والزهور التي تبحث عن آنية/ والغيوم ومنابت الشجر/ والحصون/ وأحوال الديار/ وريح الكادي/ ومكاشفات السيف والوردة,, وغيرها.
وحين اصدر تلك الأعمال القصصية والروائية,, قرر أن يحلق على أجنحة الكلمة عبر زاويته (تلويحة) التي كانت تشبه تلويحة الوداع الأخيرة,, الى ان غادرنا بلا رجعة.
ذلكم هو/ عبدالعزيز مشري,, ذلكم هو المبدع الكبير الذي اخلص للكلمة,, ولم يمنعه المرض عن ممارسة الإبداع.
رأيته مرة واحدة في حياتي,, لقد جاء لحضور إحدى المناسبات قبل أكثر من عشر سنوات، وكان محمولاً بين اثنين من اصدقائه، لأنه كان لا يستطيع الاعتماد على قدميه,,وتصورتُ لحظتها ان صديقيه يحملان بينهما قمراً يشع إبداعاً.
عبدالعزيز مشري شلال لا يعيق تدفقه عائق,, إنه من اصحاب القامات الطويلة الراسخة التي لا تهزها الرياح,لم يلتفت لشيء,, ولم يهتم بشيء,, وكان صديقه الفشل الكلوي وفياً معه وفاءه للكلمة وللكتابة، بصمت المبدعين وتواضعهم وصبرهم العجيب.
لقد غادرنا المشري دون ضجيج، ودون افتعال، ودون استسلام لأي شيء آخر غير الورقة البيضاء النقية والقلم.
مثل هذه النوعية من المبدعين لا يتكررون,, هؤلاء الذين يطأون على جمر الكتابة والألم,, وهم يبتسمون، ويلقون أناشيدهم وينثرون عطرهم على كل الطرق,,, وفي كل الاتجاهات
عبد العزيز مشري واحد من هؤلاء الذين انتصروا على ظروفهم,, وقهروا آلامهم,, وحوَّلوا معاناتهم إلى غابة من الأشجار المثمرة.
كم نحن فخورون به حيَّاً,, وميتاً لأنه نبتة عجيبة من هذه الأرض الضاربة في الخصوبة والنقاء.
تلك النبتة لبست خضرتها في كل المواسم,, واحتفظت بطراوتها رغم كل الأسفار,, وظلت تبوح بأسرارها كبوح السنابل,, وتنثر عطرها كالزهور التي تبحث عن آنية,, وترسل الندى كالغيوم على منابت الشجر,, وتهزأ بالرياح كالحصون,, وتحدثنا عن أحوال الديار,, وتكاشفنا مثل مكاشفات السيف والوردة,, وتصالحت مع كل الآفات التي تفتك عادةً بالنباتات الهشة.
ذلكم هو عبدالعزيز مشري ايها الأعزاء,, طائر جريح أخضر ملأ الفضاء بأصواته العذبة,, وعلمنا حكمة الصبر,, وأسرار الإبداع,, وأعطانا مفاتيح الكلمة,, ثم توشح بالبياض وسافر كالغيمة البيضاء مع الريح,, بعد ان سكبت ماءها العذب على الضراب، والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر.
غادر في غمرة الاحتفال بمناسبة اختيار (الرياض) عاصمةً للثقافة العربية,ولعله يكون من المناسب تنظيم بعض الفعاليات الخاصة بالحديث عن حياة هذا المبدع وعن أعماله كجزء من البرنامج المعد لهذه المناسبة,, وفاءً للرجل الذي أعطى أجمل مثال للوفاء مع الكلمة,ورحمك الله,,, ياعبدالعزيز.
|
|
|