| الثقافية
مثلما سنطل على
او يطل علينا هوى محضرة
هابطين الى الخبت او صاعدين الى نجمة عابرة
سوف يسأل عبدالعزيز عن الناس، عن زهرة
في الحقول,, عن الذاكرة
عن تفاصيل أبعد من لغة شاعرة
سوف يسألنا عن جبال تحنّ الى قمحها
عن بلاد تحن الى عرسها وليال
تضم الاحبة,, في ليلة مقمرة
سوف يبحث عن صالحة! عن تراب عطية
عن جبة الجد,, عن قلم للكتابة
عن محبرة,,.
كل تلك الاشياء سيسأل عنها، نعم يا دميني,, عن تلك التفاصيل كلها، لكنه لن يسأل ابدا عن روحه التي يعتصرها الالم، عن نفسه التي يلوكها الوجع مرات ومرات، عن جده المضني وقدره الاضنى,, واليوم من لها محضرة؟ من سيسأل عن هواها عن ناسها وعن الليلة المقمرة؟! من سيبحث عن صالحة بنت احمد الواقفة كالنهار عن القلم والمحبرة قل لي بربك,, من سيهدي الى الزهور آنيتها؟!
كأن اول لقاء لي بابداع الراحل المشري من خلال مجموعته القصصية (الزهور تبحث عن آنية) وحين بدأت قراءة القصة الاولى (ابتهاج البكاء ونشيج الديلزة) جابهني هاجس خطير، يتمثل في اعطاف المدخل الى القصة,, (كنت قد ثملت من الوجع، فتركت رأسي بكل ثقله ووجعه ينسدل على صدري، وكان صدري ايضا مضغوطا بالاختناق,, كنت اقطف انفاسا قصيرة وعميقة واردد بتفاؤل جميل:
(لا,, لا، ليس الموت).
وهكذا راح الهاجس ينمو في داخلي كلما اوغلت في المجموعة حتى وصلت الى أوراقها الاخيرة وقرأت المواقع التي تناسجت فيها احداث القصص وهي عبارة عن قائمة طويلة من المستشفيات عندها ادركت جزءاً من بواعث ذلك الهاجس البغيض عرفت الاجزاء الباقية من خلال تطور العلاقة مع سرده المتدفق وما عرفته من العلل والامراض التي نهشت جسده وروحه.
رحمك الله يا عبدالعزيز لقد كان ابن مشري مهموما بشيء يدعى الانسان في كل تقلباته الحياتية متجاوزا الذاتية المنغلقة الى المجتمع الرحب والانسانية العالية يستل لقطاته من تراكمات الوجع وهباءات التفاؤل المتطايرة في جنبات روحه البيضاء، كم هي مشرقة تلك الفواصل السردية التي غرسها بكل دأب ومثابرة على الفن في سفر الابداع العربي ولعل تصنيف واحدة من روايته (الغيوم ومنابت الشجر) ضمن افضل مائة رواية في القرن العشرين يعد واحدا من عشرات الشواهد على تميز خطه السردي والابداعي على مستوى العالم العربي.
رغم كل ما نعرفه عن المشري رحمه الله فقد كان من اشد الادباء رعاية للمواهب وتعهدا لغراس الادب في عيون المبدعين الشباب، آخذا بأيديهم باتجاه مستقبل ابداعي أخضر ظهر ذلك جليا حين أشرف على القسم الثقافي بصحيفة اليوم وعلى ذلك دأب في تلويحته التي تنقل بها في اكثر من صحيفة حيث قدم عدة قراءات لاصدارات ابداعية للشباب لعل آخر ما قرأت له تلويحة عن مجموعة (البارقة) للقاص الشاب فالح العنزي,, وهكذا هم الكبار دائما.
لا,, لا، ليس الموت,, كم تشبثنا بهذا النداء عند كل وعكة تعرضت لها,, بهذا التفاؤل الجميل هجسنا ابدا,, ولم تخيب رجاءنا وانتصرت على المرض وقهرت الالم بعون ربك، ولكن الحياة التي امتزجت بها وامتزجت هي بك وتشبثت,, أعلنت في النهاية تنازلها وعجزها عن مناوأة القدر,, لم يكن الموت في يوم من الايام الحالكة السالفة,, ولكنه كان الآن، وسرد الفصل الاخير من رواية الصراع الزاخرة,, وداعا عبدالعزيز,, وداعا عبدالعزيز,.
وأما نحن فسنردد بصبر جميل (إنه الموت,, الموت,, الموت).
|
|
|
|
|