أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 11th May,2000العدد:10087الطبعةالاولـيالخميس 7 ,صفر 1421

الثقافية

ماذا نكتب عن مشري بعد رحيله؟
أحمد الدويحي
لا اله الا الله,,
مات عبدالعزيزمشري,.
هاانا اذرع بياض الورق، انظر في لاشيء، اخاتل قلبي الضعيف المتعب، وتتساقط في الذاكرة سنوات (عمر) تواجه الآن باريها,,,.
رحل عبد العزيز مشري عن دنيانا الفانية، رحلت قامة باسقة وطود شامخ، وكبير جدا,.
رحل عبدالعزيز مشري بجسده الضئيل المريض، وان لم يكن جسدا عاديا ابدا، لكي يقاوم أمراض (ضعف البصر- الضغط -السكر -التجلطات- الفشل الكلوي - غرغرينة بترت اطرافه بسببها- واخيرا انتفاخ الرئة واختلال وظيفة القلب,,,) التي مات بها ،وقد تحمل كل ذلك بشجاعة وصبر ورضى، لمدة ربع قرن من الزمان، كونه في البدء حمل موهبة ادبية نادرة،وروحا تواقة للبقاء والخلود, سمعت عبدالعزيز مرة(رحمه الله) في واحدة من مئات المرات، نام فيها مريضا في المستشفيات، اظن ذلك بعد عودته من أمريكا، يقول - ولا اعرف إن كان مازحا ام جادا- ان احد المستشفيات العالمية تدرس قدرة احتمال جسده الخارقة لكل هذه الامراض،وروح عبدالعزيز (رحمه الله) فياضة بالحب والمودة وروح النكتة مع كل ما يعانيه من امراض، ليخفي عن زواره اوجاعه وشدة ألمه,.
مات عبدالعزيز مشري , فماذا نكتب عنه بعد رحيله,, !؟
هل نكتب عن جسد عبد العزيز المثخن بجراح الالم ومشارط الاطباء والاصدقاء (زهور تبحث عن آنية)؟ هل نكتب عن طفولة عبدالعزيز وطموحه الادبي والانساني ومعاناته ام نكتب عن ادب عبدالعزيز (الضمير الادبي) الصادق للابداع وللاصدقاء، للثقافة والإنسان وللارض برمتها؟ تواصله الجميل وهو يختط مزاجا وحسا، يندر ان تجد له مثيلا في الساحة الادبية، وفوق هذا واجه جحود قلة من الذين اعماهم واوغر صدورهم نجاحه، وعلو قامته الادبية حتى صار رمزا يشار اليه كلما ذكر الابداع الروائي والقصصي في بلادنا,,.
مات عبد العزيز (رحمه الله) وستكتب عن ادبه عشرات الدراسات والكتب ، فما تركه كنز جميل لنا وللاجيال التالية وللمكتبة العربية ,,,.
مات عبدالعزيز وقد شخص لنا حالنا وتعبنا وامراضنا، ولم نكن ننظر له اكثر مما في اطار الصورة البائدة (من ألف فقد استهدف ,, والادب لا يؤكل عيشا ,,)، ومع هذا فقد كان (رحمه الله)، يعمل بطاقة مؤسسة ثقافية كاملة، بميزانية محترمة وبعدد كبير من الفاعلين،لم يتوسل احدا ولم يطلب في حياته ان يكافئه عن ابداعه وفنه وفكره وتعبه، ولم تطبع له غير مجموعة قصصية واحدة، ظل لزمن غير قليل،ينتظر قيمة احباره واوراقه,,,.
مات عبدالعزيز بعد ان اضاء لنا دروبا، ومساحات ظلت مسيجة بطروحاتنا ونظرتنا الدونية،للحياة والناس والادب والفكر، فهل يظل جحودنا له بعد مماته ام ابقى فينا نخوته وشهامته بعد ان رحل,,,!؟
ماذا نفعل لعبدالعزيز بعد مماته؟,,, ياالله,,,ياالله وسع عليه رحمتك ،وارحمنا معه,,.
اعرف ان لعبدالعزيز اهلا واصدقاء في عرض البلاد وطولها بالآلاف، واعرف ان له محبين واصدقاء،خارج حدود الوطن قدروا ابداعه وفنه وموهبته، ونضاله ضد المرض والجهل والتخلف والعيوب الاجتماعية والحياتية برمتها، بقوة وصلابة وانتصر عليها جميعا حتى اكمل رسالته رحمه الله,,,.
اقول هذا وقد فوجئت بواحد من اصدقاء طفولته، ومراحل دراسته البكر،وقد فرقت بينهما مناحي الحياة، يأتي اليَّ بعد اعلان وفاته بساعات، ليقاسمني الحزن والدعاء له بالمغفرة،لم يغادر الا بعد صلاة الصبح، في يوم كسيف ليس للحياة فيه اي معنى، واعرف ان العاملين في المستشفيات التي رقد فيها عبدالعزيز، واجهوا حرجا شديدا من زواره الكثر ، بما فيها من فرح اللقاء وألم المرض، وربما من اناس لا يعرفهم عبدالعزيز,,.
ولعلني أسمح لنفسي وللصديق الذي زاره مرة، فوجده يئن من المرض، وبشفافية من يحس،طلب من عبدالعزيز (رحمه الله)ان يقوم معه ليخرجه من ذلك الالم والعذاب غير ان عبدالعزيز بذات الروح الفياضة بالحب اشار الى قدمه المبتورة ,.
من اي زاوية اتناول فيها كيفية تواصله، فما من مرة هاتفته او زرته الا ووجدت لديه جملة من الملاحظات والنصائح المحبة للابداع والاصدقاء، واذكر ان ابراهيم مرحبي هاتفه ذات مساء من بيتي ايام الجنادرية الاخيرة وكأنه كان على عجل يبلغه فيها، انه سيسمي مولوده القادم (عبدالعزيز)،فقد اسمى ابنه البكر (طلال) اما الابن الثاني فلا يليق به ان يحمل اسما غير (عبدالعزيز),,.
عن - نفسي - فقد احتار عما اذكر من خصائل عبدالعزيز الحميدة، اذكر ذات مرة،كنا جمعا كبيرا في مرضه الاخير بالتخصصي، وكان من ضمن الحضور (د,الدميني) شقيق الشاعرين علي ومحمد الدميني، يحدثنا كيف كانا صغيرين يصطادان السمك في (كوافيهما) من غدران قرية محضرة، وحينما ميز الدكتور الدميني لكنتي، وكنت اتحدث عن قدرة منتظرة للمساهمة في اخراج روايات وقصص عبدالعزيز (الحصون - صالحة - الوسمية) وغيرها من ابداعه الذي يغوص في خصائص المجتمع الجنوبي وعمقه، مع انني لا أعرف شيئا عن الاخراج السينمائي، ويعرف عبدالعزيز مدى ولعي وعشقي لنصه الاول (موت على الماء) فمال الدكتور لعبدالعزيز يسأله عن اسم قريتي، فرد عبدالعزيز بصوت عال منغما:
-العسلة,,,.
سأله الدكتور الدميني ليزجي الوقت، وليمدد مساحة ذاكرة عبدالعزيز الاسطورية:
-ماذا تعرف عن العسلة,,؟
وكان الدكتور الدميني يظن ان عبدالعزيز سيذكر (عنب الرازقي) الذي يأتي بعد ان يكون قد شتى موسم الحقول والمزارع، ولكن عبدالعزيز بذاكرة غير تقليدية فاجأنا قائلا:
العسلة,,,العسلة,,,,,(!!)
علت اصواتنا بالضحك، وبهت اصدقاؤنا الذين كانوا يشاركوننا، لانهم لا يعرفون ماهي (العسلة)؟ فما هي الا عبارة عن (الزغب) الذي يلتف حول اعواد الذرة واوراقها.
رحم الله عبدالعزيز مشري، واحسن العزاء للوالد صالح بن مشري واشقاء عبدالعزيز واصدقائه في كل مكان .
إنا لله وإنا إليه راجعون

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved