أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 11th May,2000العدد:10087الطبعةالاولـيالخميس 7 ,صفر 1421

مقـالات

حينما يكون الصمت كلاماً
د,فهد حمد المغلوث
يا لهذا الصمت القاتل أحيانا كيف يحرقنا ويؤلمنا؟ كيف يقلقنا ويوترنا؟ كيف يجعلنا في حالة من الحيرة لا نعرف خلالها أ نحن على حق من تصرفاتنا ام اننا مخطئون في حق انفسنا قبل ان نكون مخطئين في حق غيرنا؟!
اني لا اتحدث عن الصمت كونه افضل من الكلام، فأحيانا يكون كذلك واحيانا يكون عكس ذلك!
أحياناً تحتاجه بشدة كي تكتم غضبك وكي لا تتسبب في اذى نفسك قبل أذى الآخرين وأحيانا تعتبره احد جوانب ضعفك الذي كثيرا ما اضاع حقوقك بل ابسط حقوقك.
إنني لا اتحدث عن ايهما افضل ولكني اتحدث عن سؤال محدد هو لماذا نصمت وما تأثيرات ذلك الصمت السلبية علينا؟
لكل منا ولا شك اسلوبه وتوقيته مع الصمت ولكن تظل هناك عوامل مشتركة نختار على اثرها هذا الصمت، تظل هناك ظروف معينة هي ما تجبرنا على استخدام الصمت.
فنحن نصمت احيانا خوفا من أن تفضحنا كلماتنا، خوفا من أن تخوننا عباراتنا، خوفا من ان نُفهم خطأ من الآخرين خاصة حينما تكون قسمات وجهنا وملامحه فاضحة، خاصة حينما نكون من النوع الخجول او الحساس.
بل الاكثر من ذلك، فنحن احياناً نشتاق جدا ونتلهف بحرقة كي نناقش شخصاً ما في موضوع معين يهمنا، نريد ان نأخذ ونعطي معه في الحديث لانه اقرب الناس الينا كونه يفهمنا ويقدر مشاعرنا ويراعي ظروفنا حتى وهو بعيد عنا احيانا.
نشتاق للحديث مع هذا الانسان ونتردد في البداية خوفا من شيء ما، ولكننا تحت وقع هذه الاشياء الجميلة التي لمسناها فيه نقرر الذهاب اليه او الاتصال به او الحديث معه وكلنا رغبة صادقة في ان نتعرف على ذلك الانسان عن قرب، في ان نشاركه همومنا، في ان نناقشه اهتماماتنا، وحينما تحين تلك اللحظة ونراه امامنا او نسمع صوته ونتأكد انه هو بعينه حينها يتبدل حالنا! تتلخبط مشاعرنا! تبرد اطرافنا! ترتعد فرائصنا، تتسارع دقات قلبنا!! يتلعثم صوتنا! تخوننا عباراتنا، تنقلب ألوان وجهنا بكل ألوان الطيف ولا نشعر بأنفسنا سوى صامتين لا نستطيع التفوه بكلمة فننهي الحديث، نحاول الكرة مرة اخرى فيتكرر الموقف وربما قادنا ذلك الى الاعتذار منه او الخجل من انفسنا احيانا بينما هذا شعور طبيعي جدا.
وربما كان سبب هذا هو عدم الثقة في الآخرين حتى الآن وهذا شعور طبيعي أيضاً!!
وانت طبعا قد تتضايق من نفسك ولسان حالك يقول في هذا الموقف: لا ليس مع هذا الانسان تتوقف يا لساني، ليس مع هذا الانسان تنهي الحديث وانت لم تبتده بعد، لا تضيع الفرصة علي ولا تحرمني من أمنيتي, ارجوك .
ان مثل هذا التصرف كما ذكرت طبيعي وربما مرده الى الخجل الذي يشكل شخصيتنا على نحو لا يساعدنا على المواجهة والتعبير بحرية عما نريده.
انها البيئة الاجتماعية والظروف المحيطة منذ نشأتنا الاولى في حياتنا هي التي تجعلنا نفهم الحياة المستقبلية بشكل افضل، وهي التي تساعدنا على ان نتعامل مع معطيات الحاضر وظروف المستقبل بشكل متزن ومريح بالنسبة لنا!
ولكن ما ينبغي الاشارة اليه، ان هذه الظروف ايضا لا ينبغي ان تقف عائقا امام ابسط حقوقنا في السؤال عما نريده ومناقشة ما يعتمل في صدورنا والتعبير عن الرأي الخاص بنا نحن، خاصة حينما يكون الطرف الآخر - او الاطراف الاخرى متفهماً لنا مصغياً إلينا، ينتظر منا ان نبدأ وأن نُقدم على الخطوة الاولى ونقول ما نود قوله او التعبير عنه ولكنها تظل على اي حال مسألة نفسية مترسبة الا انها قابلة للحل ولو في اجزاء منها خاصة حينما نعلم ان الطرف الآخر على استعداد تام للمشاركة في الحل في اي وقت وتحت كل الظروف.
فاحيانا نحن نصمت في مثل هذه المواقف غير المتوقعة، لاننا لم نكن نتوقع سماع صوت هذا الانسان او رؤيته لأن الاحباطات التي نتعرض لها يوميا تجعلنا نستكثر على انفسنا حتى مجرد كلمة حلوة من الآخرين او مجاملة لطيفة او تشجيع صادق!
نعم نحن نصمت احيانا رغما عنا من هول الصدمة او المفاجأة سواء كانت صدمة سيئة او مفاجأة سارة لا نتحملها بمفردنا بل لا نتحملها كلها دفعة واحدة ونريد من يجزئها لنا كي نستوعبها بل كي نصدقها خاصة حينما تكون تلك المفاجأة هي الحلم الذي نحلم به ونتوق الى الحصول عليه وتملكه والاستئثار به لنا وحدنا.
نحن نصمت لكي نفكر كيف نرد على الآخرين وبأي اسلوب؟ نصمت لكي نفكر هل الكلام مناسب في هذا الوقت؟ وهل من هو امامي يستحق ان ارد عليه؟ هل يستحق أن اضيع وقتي معه؟ هل يستحق ان اعطيه اكبر من حقه حينما اقف معه واناقشه؟
نصمت لأن الصمت هو الوسيلة التي تغيظ غيرنا وتجعلنا ننتصر عليه لاننا حينما ندير له ظهرنا نكون قد ضربناه في مقتل واشعرناه انه لا شيء وان كل ما يقوله لنا لا يعني شيئاً ولا يستحق منا ان نصغي اليه فما بالك بالرد عليه؟
نعم اننا نصمت بارادتنا احيانا لاننا لا نريد ان نتحمل المزيد من الاهانات والاذلال وفرح المشاعر والشعور بالدونية، من اناس يعتقدون انهم كل شيء في حين أنهم لا شيء.
ونصمت احيانا اخرى رغماً عنا رغم ما يحدثه ذلك من ألم فينا نصمت حينما لا نريد ان نخسر اقرب الناس إلينا واعزهم الى قلوبنا لأننا نخشى ان نتفوه بكلمة تحت ظروف عصيبة فتحدث شرخا كبيرا في علاقاتنا قد تؤدي بها الى النهاية، او قد تقودها الى الفتور، نصمت لاننا نريد ان نحتفظ بهذه العلاقة الحلوة التي لم نحس بطعمها من قبل مع اي انسان كائناً من كان.
نتحمل ألم الصمت المر في سبيل شعورنا بالرضا او احساننا بأننا حققنا جزءاً ما او على الاقل دافعنا عن شيء يستحق ان ندافع عنه ونحافظ عليه ونتمسك به.
وأحياناً وهذه هي المتعة اننا نصمت لنستمتع بصوت ما نحب سماعه ومعرفة اخباره وحلاوة حديثه فنحن لا نريد ان نتكلم بل ان نسمع ونسمع لاننا نريد ان نعرف كل شيء عنه.
وأخيرا وليس بآخر، فإننا نصمت من قهرنا ومن قلة حيلتنا؛ لعل من حولنا يعي ما بنا؛ لعله يحس بمشاعرنا او على الاقل يتركنا وحدنا, نعم نحن نحتاج للصمت احيانا حينما نريد ان نعيش بسلام وهدوء، حينما نريد ان نعيش لحظات صدق وتأمل ومراجعة مع النفس.
نريد ان نعيش لحظات الماضي الحلوة بكل ذكرياته العبقة وبكل مواقفه الجميلة.
نريد ان نتذكر اللحظات الاولى التي رسمت الابتسامة على شفتينا وأولئك الاشخاص الرائعين الذين ادخلوا السعادة لقلوبنا.
نريد ان نستعيد تلك اللحظات التي استرجعنا فيها ثقتنا بأنفسنا وعرفنا فيها مقدار وحجم ما بداخلنا من طاقات وقدرات ومواهب جمالية حبانا الله بها.
نريد الصمت كي نستمع للآخرين بقلوبنا وعقولنا، كي نفهم ما يقولون، كي ندرك ما يقصدون، وكي نرد عليهم بأفضل مما يتوقعون، وكي نعطيهم اجمل مما يريدون، وكي نشعرهم ان هذا هو اقل ما يستحقون لأنهم ليسوا اي اناس ومهما كانوا مترددين ومهما كانوا غير واثقين بعد ومهما كانوا خجلين لابد ان يشعروا بأننا متفهمون لوضعهم ومقدرون لظروفهم وما زلنا على استعداد لسماعهم والوقوف معهم.
وكل هذا لأن الصدق الجميل الذي يمتلكونه يجبرنا على ان نعاملهم بهذا الاسلوب الراقي، وكل هذا لأن الروح الحلوة التي بداخلهم لابد ان تقابلها روح اجمل, وكل هذا لأن صراحتهم معنا منذ البداية لابد ان تجعل مكانتهم في قلوبنا كبيرة واحترامنا لهم يتزايد.
ويكفي ان نعرف اننا حينما نصمت احيانا فإننا نبحث في قاموس مفرداتنا اللغوي عن اجمل الكلمات واعذب العبارات التي يمكن تقديمها لانسان استطاع بصدقه وعفويته وحسن استقباله وروعة تعامله ان يجعل منا اناساً آخرين نعرف طعم الحياة الحقيقي الجميل بعد سلسلة من الاحباطات والانكسارات التي كادت تهدم كل شيء جميل بداخلنا وتحيلنا الى مجرد حطام، ولم لا تكون انت ذلك الانسان الذي يحق لك ان تستأثر بكل المفردات الحلوة التي يحتويها قاموس حياتنا اللغوي؟ انك بالفعل اهل لها, لانك الامل المنشود، فهل ارتحت الآن؟
همسة
ترى كيف اشرح لك,.
ما اريده منك؟
بأي لغة اصل إليك,.
وأنا بين يديك؟
* * *
هل لابد ان اتكلم بلساني
كي تفهمني؟
هل لابد أن افرك شفتي
لأعبر عما في نفسي؟
هل لابد ان أسمِعك صوتي,.
لأطلب ما أريد؟
* * *
ألا يكفي أن اصمت,.
لتعرف ما اريد؟
ألا يكفي أن ترى دموعي,.
لتعرف مغزاها؟
* * *
ألست تقول لي:
أنك تفهمني,.
من مجرد النظر إلي؟
أنك تعرف مابي,.
من مجرد سماع صوتي؟
* * *
أليس الحب إحساساً,.
كما علمتني أنت؟
أليست الحياة أنفاساً,.
كما أذقتني أنت؟
فلمَ معي,.
يُنسى كل شيء؟
* * *
ألم تسمع بلغة العيون؟
ألم تسمع بلغة الصمت؟
كلتاهما لغة,.
واي لغة,.
كلتاهما أبلغ من اي كلام!!
كلتاهما سهام وأي سهام!!
للمراسلة: ص ب 75395 الرياض 11578

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved