| مقـالات
يكثر الحديث عما يسمى صراع الأجيال : وهو مفهوم يشير الى تباين واختلاف قيم وعادات وتقاليد فئتين عمريتين من أعضاء المجتمع يفصل بينهما فاصل زمني يبلغ، كما يشير بعض العلماء، العشرين أو الثلاثين سنة, هذا ومن الملحوظ أن الغالبية العظمى من الكتابات التي تتطرق لموضوع العلاقات الجيلية، تلجأ الى تنظير مالا يُنظّر والبت بما لا يتسنى إثباته وذلك من خلال الجزم القاطع بأن هناك صراع أجيال من شأنه تقويض النظام الاجتماعي السائد، أو على الأقل التأثير سلبا على تماسك المجتمع، والتقليل من درجة تكافل وتضامن أفراده، ولذا غالبا ما تلجأ تلك الكتابات الى التحذير والتشنج مما بالتالي يجعل من الحلول والقرارات الرامية الى حل المشكلة مشكلة بذاتها! كونها ردة فعل متشنجة هي الأخرى,, بالمناسبة، هناك ظواهر اجتماعية يكمن في تنظيرها عشوائيا استفحال لها والحل؟!,, الحل يكمن في لف حبل التفكير حول عصا القرارات: أي اتباع المنهج العلمي في التعامل مع ما يستجد لكي لا يتأجج فيستفحل.
***
يقول علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه: لا ترغموا أبناءكم على عاداتكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ,, وأقول إن في مجرد هذا القول لدليل على انه ليس هناك ما يسمى بصراع أجيال ، والا لما حذر علي بن أبي طالب، رضي الله عنه ، من مغبة سياسة الإرغام الجيلية.
جدير بالذكر، ان أغلب الدراسات الانسانية في الغرب، والتي تطرقت لهذا الموضوع منذ الخمسينات الميلادية وحتى الآن، لم تتفق على رأي موحد بشأن حقيقة وماهية الصراع الجيلي: فالقليل منها يؤمن بوجوده,,، ومنها ما يعطيه بعض الأهمية ولكن ليس الى الدرجة التي يرى أن لها تأثيرا بالغا على قيم المجتمع,,، ومن تلك الدراسات، كذلك، وخصوصا تلك الباحثة في علم النفس الاجتماعي، ما ينفي أية عواقب اجتماعية سلبية لصراع الأجيال فكريا وسلوكيا.
***
لا تعدم، بين الفينة والأخرى، سماع أنين التحسر على الماضي والتوجد على أيامه الخوالي,, فقط ليتشعب الموضوع ويتطرق الى ما كان عليه أجدادنا من بساطة وقناعة وتوافق مع بعضهم البعض، على عكس ما نحن عليه في وقتنا هذا والموسوم بالمنافسة غير الشريفة، والحسد، وعدم القناعة بما لدينا من وفرة ورخاء,, والحصيلة؟!,, ادانة مكرورة للوقت ، وعلىغرار قول من قال:
كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري، هذه الدنيا لمن؟! |
هنا ننسى أن أجيالنا السابقة كانوا سواسية في المعاناة, لم يكن بينهم طبقية أو تمايز، حيث إن الفقر قد صهرهم في جسد واحد قلبا وقالبا، مما أعطاهم احساسا بالقناعة والتماسك والمساعدة والتواصل والقبول بالمقسوم ، وعلى غرار المثل الشعبي: الموت مع الجماعة رحمة !, في المقابل: تحسن ظروفنا المعيشية قادنا الى الترف، مما، بالتالي، قاد الى التفاوت الطبقي فيما بيننا ماديا، فاحتوانا الطموح والتطلع، وامتلكتنا الغيرة، وجعل كل منا يطمع في الحصول على مثل ما يملكه الآخر، فاستيقظت غريزة الحرمان لدينا، وهي غريزة نفسية في الغالب وتعرف علميا بالحرمان النسبي Relative Deprivation قياساً على ما كان لدى أسلافنا من حرمان مطلق Absolute Deprivation .
صدقوني، اذا قلت ما يلي: لو عشنا ظروف أجدادنا، لما اختلفنا عما كانوا عليه بشيء، ولو عاش أجدادنا ظروفنا، لما اختلفوا عما نحن عليه بشيء: انها الطبيعة الانسانية,, إنها سنة الحياة!
للتواصل ص,ب 4206 رمز 11491 الرياض
|
|
|
|
|