من حيث ينتهي,, يبدأ,, هذا هو :
الكلام,,،
وهل هناك جسر بين الواحد والآخر مختصر لما يريد أحدهما إيصاله، وإبلاغه إلا الكلام؟!
وقد سبق في ههنا أن قلنا عن الكلام، ووقفنا مع أنماطه، والحوار منها أخذ نصيباً من القول,, والحوار الجسر,.
حين يتم بصوت مرتفع، فهو إيذان للسامع كي يتعرَّف إلى صاحبه,.
في زمن قصير لا يزيد عن ساعات,,، التقطتُ شيئاً من حوارات,,، علق منها في ذاكرتي ما أحببتُ أن تشاركوني معرفة أصحابه,,,، فمعرفة أنماط الناس، سبيل إلى مدِّ الجسور إليهم، أو ضرب الحواجز عنهم,,, فهاكم أجزاءٌ من الكلام,.
** اثنان يقفان بجوار المصعد ينتظرانه قال أحدهما: حاولت أن أقدم ورقة عملي لكنه الوغد أقصاني عن ذلك بحجة طولها,, أجاب الثاني: حيوان، لو كنت مكانك لهشمت وجهه .
** وفتح المصعد صدره واحتواهما,,!!
** ثلَّة يتحلَّقون قريبا من ركن الاستقبال، جاء صوت أحدهم يخترق كل الاصوات: الموسيقى حيث كانت امرأة فارهة خلف لوحة مفاتيح جهاز البيانو تداعب أوراق النوتة بيد، وتعزف بالأخرى، ومجموعة هنا، وهواتف هناك، وقادمون، ومغادرون,, وصوته يأتي كالصاعقة,, لو الأمر بيدي لفجرَّت رأسه، أحمق ,, تداخلت أصوات المجموعة، غوغاء، كلمة من بين ما سقط من الكلام بوضوح في أذني: ابن ,,, ال,, ، وامرأة من بين المجموع تقول: اتركوه لي ,,!!
** ومدت المرأة يديها إلى كتفي من عن يمينها، ومن عن يسارها، ربتت على الكتفين إيذانا بالانطلاق,, وتحركوا معاً، بينما أصواتهم غوغاء !! وهمهمات ,,!!
ولو كانت قراءة الأوجه بتقاطيعها محور هذا الموضوع لحدّثت دون حرج!!
** رجل ينطلق كالبرق، يمسك بباب المصعد في عصبية، يمد لسانه يبصق فوق جدار صقيل من المرمر الموضوع بعناية فائقة ضمن بنائية مترفة,, وهو يتوارى خلف باب المصعد يمسح فمه بظهر يده!!
** كلمته التي وردت مع بَصقَتِه لم تكن أكثر نظافة منها!!
** عند موظف الخطوط في المطار الدولي، خطٌ ملون من الهياكل البشرية، تتفاوتٌ في الألوان، والأشكال، والأحجام، والأطوال، والقيم الوزنية بكل صفاتها، تحمل في أيديها وثائق هوياتها، وتذاكر سفرها، وتدفع بأقدامها أو ايديها عربات تحمل الحقائب والكراتين,!! وهنا: يميل الخط تارة إلى اليمين، وتارة إلى اليسار، ويمرق بعض محاولاً استباق من أمامه، ويحاول آخر الخروج عن الخط، ثم العودة إليه متقدما بحجة أنه كان هنا!!,.
في هذا الخط يتضح سلوك الناس: صبرهم، نظامهم، قدرتهم على التصرف، تجاوزهم عن الآخر، إيثارهم لأنفسهم، وعيهم بالتعامل مع الأنظمة ومع الآخر,.
ورد من بين الواقفين صوت: أووف عالم سخيف ,,,، صوت آخر: مشُّونا جعلكم في النار ,, صوت ثالث: ,, لقمة العيش أعمل إيه ,, صوت آخر: ما تتحرك يا أعمى ,,, صوت واحد في هدوء لو سمحتم تحركوا موعد الرحلة اقترب ,!!
** ومن يجلس خلف الحاجز، يواجه جهاز الحاسوب، ويمد يده تارة يتسلم تذكرة ويعيدها بطاقة لصعود الطائرة تارة أخرى يصمت، لا يتعامل إلا مع جهاز الحاسوب الذي أمامه، وجهه لا مسحة تعبير فيه،,,.
والخط يزحف ,, يتقلص,, وصدى الأصوات يستقر,,!!
** عند مدخل الطائرة,, يقف الخط وفيه اثنان اثنان,, في نظامية لم يشقَّها، ولم يخدشها حتى اللحظة شيء,, ما أجمل وعي الناس، أمامي رجلان ينم شكلهما عن شخصيتين هامتين طولاً وعرضاً، وتوحي بذلك ماركة حذاء أحدهما وحقيبة يده، ومسحة النبل فوق وجهه وقامته المديدة,, لونه يوحي بأنه ينحدر من عروق أوروبية متجذرة في العراقة,, وفجأة قال لزميله: شفت الوغدة الحمارة اللي كانت جالسة وراء الدسك؟ ردَّ الآخر: شوبها؟!: أجابه: كانت عم تلعب بالكمبيوتر سوليتير: إي شوبها؟ ,,, تاركتني ناطرها الحمارة ,.
** يبدو أنه تنبَّه إلى خدش: وقع في إذن من خلفه,, تمتم هامساً لزميله,, وتحرك الخط,, وأخذ مقعده في صدارة الدرجة الأولى,,، بينما تناثر صوته بكلماته في أرجاء الممر المؤدي إلى مقعده,.
***
هذه مختطفات من حوارات عابرة،
وكلام مارق إلى مسامع الآخر,.
في مواقع راقية في البناء والإنشاء تنم عن تفوق الإنسان وتطوره,.
فماذا عن تقدمه وتطوره الذاتي؟!,.
تلك معضلة لسانه الذي يعبِّر عنه,, علم أو لم يعلم، شاء أم أبى,.
فانتبه: هناك من يسمعك!!
كي يعرفك,,.
يبني جسراً بينك وبينه
أو يضرب بينكما حاجزاً.
|