| الاقتصادية
يعيش الاقتصاد السعودي في هذه الايام مرحلة جديدة من مراحل البناء واعادة البناء وفقا للمتغيرات الاقتصادية الدولية والاقليمية والمحلية, ولعل السبب الرئيس الذي يقف وراء هذه التحركات الجادة يتمثل في تنامي الوعي الاقتصادي بأهمية التعامل مع الواقع بمعطيات الواقع لا بمعطيات مرحلة الطفرة الاقتصادية التي غيبت الوعي والرشد الاقتصادي لدى المخطط والمنفذ والمستفيد ولدى المواطن السعودي بشكل عام ولقد اخذت التحركات الاصلاحية صورا متعددة واتجاهات مختلفة استهدفت في مجملها اعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وفقا لمتغيراته الرئيسة ووفقا لمتطلبات المنطق الذي لا يعطي للعاطفة اعتبارا عند الرغبة في انشاء القرار الاقتصادي، ويمكن الاستدلال على جدية التحركات الحالية من خلال استعراض مختصر لابرز منجزاتها وذلك على النحو التالي:
1 التوجه العام لتفعيل دور القطاع الخاص وبالشكل الذي يساهم في تخفيف العبء عن القطاع العام خاصة في ظل التوسع غير المنطقي للقطاع العام خلال فترة الطفرة الاقتصادية وعجزه عن الانسحاب في المراحل اللاحقة التي شهدت انحسارا كبيرا في الايراد العام ولعل الهدف الرئيس من وراء هذا التوجه يتمثل في الرغبة في زيادة الفاعلية والكفاءة الانتاجية اللازمة لتحقيق الاستغلال الامثل للموارد الاقتصادية وبالشكل الذي يساهم في تنمية القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي خصوصا في ظل التوجه العالمي لعولمة الأنشطة الاقتصادية.
2 التوجه الجاد لتفعيل دور القطاعات الاقتصادية المختلفة في تحقيق الاستغلال الامثل لكافة الموارد الاقتصادية وبالشكل الذي يخفف من الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل, فقد تابعنا في الآونة الاخيرة التحرك نحو زيادة فاعلية قطاع السياحة الذي ظل معطلا في الماضي بحجة عدم الحاجة اليه او بحجة وجود بعض المحاذير الوهمية كما لاحظنا الرغبة الصادقة في تهيئة البيئة الملائمة لجذب الاستثمارات الاجنبية بعد ان كانت البيروقراطية الادارية والتنظيمية عائقا في وجه هذا النوع من الاستثمارات.
3 التوجه العام نحو اعادة البناء التنظيمي من خلال انشاء المجالس والهيئات المختصة كالمجلس الاعلى للبترول والمجلس الاقتصادي الاعلى والهيئة العليا للاستثمار والهيئة العليا للسياحة ونحو ذلك وفي اعتقادي ان انشاء مثل هذه المجالس قد ساهم في تقريب المسافة بين صاحب القرار والقرار مما ساعد على اتخاذ القرار المطلوب في اسرع وقت ممكن دون الحاجة الى تكوين اللجان الفرعية والفرعية الفرعية التي تعيق العمل الاداري بمبرراتها الوهمية في معظم الاحيان.
ومما لاشك فيه فان مثل هذه التحركات لم تكن لتكون لولا التبدل النوعي في الوعي العام الذي اضحى اكثر مقدرة على تفسير القضايا الوطنية من منطلقها الواقعي وأكثر مقدرة على تلمس المصلحة الوطنية ومكامن تفعيلها.
ولكن أرى ان نجاح هذه التحركات سيتوقف على مقدرتها على تنمية الوعي الخاص لدى الفرد السعودي الذي سيتولى عملية التنفيذ في النهاية وفي هذا الخصوص ارى ضرورة العمل على تنمية الوعي النظامي لدى الفرد بغض النظر عن موقعه في السلم الوظيفي, لقد ساد في الماضي العديد من الانظمة التي ظلت معطلة بفعل فاعل دون مراقبة او محاسبة مما ولد لدى البعض القناعة بعدم الزامية التقيد بالانظمة كما هو الحال بالنسبة لنظام العمل والعمال ونظام المرور ونظام الاقامة وغيرها من الانظمة التي يتعايش معها المواطن في كل لحظة من لحظات تحركه اليومي وبالتالي يجب ان نعمل على اعادة تنمية الوعي النظامي لدى المواطن من خلال فرض احترام النظام على الجميع والقضاء على كل فرص المخالفة التي تنمو مع اول حالة خرق للنظام, كما يجب علينا ان نعمل على تنمية الوعي الاستهلاكي لدى المواطن السعودي الذي فقد الكثير من رشده الاقتصادي خلال فترة الطفرة الاقتصادية يجب ان نعمل المستحيل من اجل اقناع المواطن السعودي بضرورة الربط بين واقعه ومنهجه الاستهلاكي حتى يتخلص من عقدة الطفرة الاقتصادية التي مازال ينتظر عودتها على احر من الجمر, واخيرا وليس اخراً يجب علينا العمل على تنمية الوعي الاستثماري لدى المستثمر السعودي حتى يستطيع تجنب العشوائية السائدة وحتى يستطيع تحين الفرص الناجحة التي تقوم على مبدأ الميزة النسبية للمستثمر , لقد خسرنا الكثير من رأس المال السعودي نتيجة لعدم وجود برنامج وخطة استثمارية واضحة ونتيجة لغياب المعلومة الدقيقة التي تتيح للمستثمر بناء قراره الاستثماري على أساس علمي وعملي سليم لقد خسرنا الكثير نتيجة للقناعة السائدة بضرورة الاستثمار في اي مجال تحت تأثير العقلية التي سادت إبان الطفرة الاقتصادية مما ولد ازدواجية غير منطقية للمشاريع الاستثمارية وعوائد مالية غير مقنعة أدت في النهاية الى بروز ظاهرة التستر كمحاولة اخيرة لتقليل الخسائر او لتلافي الخروج السريع من السوق, وبالتالي فإن من الواجب ان نحمي رأس المال الوطني من خلال بث الوعي الاستثماري ونشره بين فئة المستثمرين خصوصا في هذه المرحلة التي ذابت فيها الحدود الدولية واصبحت فرص الاستثمار متاحة أمام الجميع بغض النظر عن جنسية المستثمر.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|