| مقـالات
كانت القراءة في الحلقة السابقة قد توقفت عند الحديث عن خروج الإمام عبدالرحمن بن فيصل من الرياض؛ وهو الخروج الذي كان بمثابة النهاية للدولة السعودية الثانية، وفي هذه الحلقة تستمر القراءة للفصل الأول من الكتاب الذي جعله المؤلفان الكريمان خلفية تاريخية للموضوع الاساس الذي هو محور كتابتها.
قيل ( ص 41): وكان ذلك (اي مقتل الأمير عبدالعزيز بن رشيد في صفر سنة 1322ه) بداية النهاية للصراع بين عبدالعزيز آل سعود وآل الرشيد الذي دام أربع سنوات وثلاثة أشهر بعد تحرير الرياض .
يبدو أن ترجمة الكلام السابق لم تكن دقيقة, ذلك أنه قد يفهم من عبارة بداية النهاية للصراع بين الملك عبدالعزيز وآل الرشيد أن الصراع لم يدم الا المدة المذكورة في الكلام؛ وهي أربع سنوات وثلاثة أشهر, وهذا بطبيعة الحال ليس المراد, فالصراع بين الملك عبدالعزيز والأمير عبدالعزيز بن رشيد استمر تلك المدة, لكن صراع الملك مع خلفاء ابن رشيد ظلَّ حتى توحيد جبل شمَّر، سنة 1340ه مع بقية المناطق التي سبق توحيدها؛ وإن كان قد تخلل بعض السنوات الممتدة بين عامي 1324ه و1340ه هدنة.
قيل (ص 42): حين عُيِّن الشريف حسين أميراً للحجاز من قبل الأتراك تمّ له أسر أحد إخوة عبدالعزيز المدعو سعد، وأبقاه رهينة لديه مما اضطر عبدالعزيز للاعتراف بسلطان العثمانيين بالاضافة إلى الاعتراف بسيطرتهم على القصيم, لكن ما إن أطلق سراح أخيه سعد حتى أزيلت هذه السيطرة ,لتوضيح ما ذكر في الكلام السابق يمكن أن يقال ما يأتي:
كان تعيين الحسين بن علي حاكماً للحجاز سنة 1326ه وفي عام 1328ه توغل الحسين بقواته داخل نجد, فأرسل الملك عبدالعزيز اخاه سعداً إلى قبيلة عتيبة يستنهضها لتقف معه في غزوة, لكن بعضاً من الموالين للحسين قبضوا على سعد، وسلَّموه إلى الحسين، على أن المفاوضات بين الطرفين أدت إلى صلح تمّ بموجبه إطلاق سعد، واعتراف الملك عبدالعزيز بسيادة الدولة العثمانية, وأن يدفع مبلغا من المال عن إقليم القصيم كل سنة على أن أهل هذا الإقليم كتبوا، سنة 1329ه، إلى السلطان العثماني يستعطفونه بأن يعفيهم من دفع ما تقرر عليهم عن طريق الشريف سنويا؛ وهو ثلاثة آلاف مجيدي، فعفا عنهم,وكان حديث المؤلفين عن الأهداف التي تُوخيت من حث البادية على الاستيطان حديثاً مختصراً جميلاً في عمومه, لكن وقعت في ثناياه أخطاء واضحة, من ذلك ما يأتي:
والمعركة التي قتل فيها الأمير عبدالعزيز بن رشيد هي معركة روضة مهنّا, ولم تكن معه قوات عثمانية، كما قد يفهم مما ذكره المؤلفان الكريمان في آخر كلامهما السابق, ذلك أنه قد حدث خلاف بين ابن رشيد والقادة العثمانيين بعد معركة الشنانة، التي وقعت سنة 1322ه حول التعامل مع الملك عبدالعزيز فانفصل كلُ منهما عن الآخر تحركاً عسكريا.
قيل (ص 45): بلغت قوة الإخوان عام 1330ه، أحد عشر ألف رجل، وفي عام 1334ه صدر مرسوم بأن تصبح جميع قبائل البدو جزءاً من الإخوان، وأن يدفعوا الزكاة كما يفعل جميع المسلمين، وطلب من شيخ القبائل الالتحاق بمدرسة الشريعة الاسلامية في مسجد الرياض .
كانت سنة 1330ه هي السنة التي بدأ فيها استقرار الإخوان في الهجر, لكن أعداد المستقرين في تلك السنة كانت محدودة.
أما أنه قد صدر مرسوم عام 1334ه، بأن تصبح جميع قبائل البدو جزءا من الإخوان فلم يمّر عليّ في اي مصدر موثوق, وأما القول بأنه نتيجة لذلك المرسوم المدَّعى صدوره قد بات لزاماً على القبائل المصبحة من الإخوان أن تدفع الزكاة فقول يحتاج الى تدقيق، ذلك أن القبائل كانت دائماً وقبل أن تصبح من الإخوان تدفع الزكاة إلى خزينة الدولة السعودية, وأما القول بأنه قد طلب من شيوخ القبائل الالتحاق بمدرسة الشريعة الاسلامية في مسجد الرياض فقول يحتاج إلى دليل لا أظن في مقدور الكاتبين الكريمين إثباته, والمشهور أن الملك عبدالعزيز كان يبعث دعاة وعلماء إلى القبائل؛ قادة وأتباعاً، لتعليمهم أحكام الدين, ولا يتعارض هذا مع كون بعض الزعماء إذا قدموا إلى الرياض يحضرون أحاديث بعض علماء البلدة أو دروسهم.
قيل (ص 45): وبتواجد هذه القوة الهائلة أي قوة الإخوان التي قدّرها المؤلفان بأحد عشر ألف رجل عام 1330ه بتصرّف عبدالعزيز شعر عام 1331ه أن الوقت مواتٍ لضرب الأتراك في الأحساء فقام بذلك في جمادى الأولى من هذا العام .
والواقع أن الملك عبدالعزيز عند ما توجه إلى الأحساء لاستعادة الحكم السعودي فيها من العثمانيين كان إلى جانبه حاضرة أغلبهم من أهل العارض، وبادية من قبائل عدّة لا يمكن وصفهم حينذاك بأنهم من الإخوان, ومن المرجح جداً أن عدد من كانوا معه؛ حاضرة وبادية، لم يبلغوا نصف العدد الذي قدر المؤلفان أن قوة الإخوان قد وصلت إليه سنة 1330ه/ 1920م, وان حسن تخطيط الملك عبدالعزيز، الذي كان من بين تفصيلاته التنسيق مع جماعة من أهل الأحساء، ومفاجأته للقوات العثمانية في مدينة الهفوف، من الأمور الحاسمة في إجبار السلطات العثمانية على التسليم بالأمر الواقع والموافقة على الخروج من الأحساء.
قيل (ص 47): في عام 1339ه استولى الملك عبدالعزيز على حائل .
والصحيح أن إنهاء الملك عبدالعزيز لإمارة آل رشيد في حائل تمّ في التاسع والعشرين من صفر عام 1340ه /31/10/1921م.
قيل ص (49): في عام 1345ه تمّ ضم عسير التي كانت مستقلة سابقاً الى المناطق المحرّرة بمعاهدة .
لو استعمل المؤلفان الكريمان كلمة (الموحدة) بدلاً من المحرّرة لكان ذلك أفضل.
من الواضح أن المقصود بكلمة (عسير) هنا منطقة جازان، أو ما كانت تسمّى المخلاف السليماني, وكان الأجدر أن يقال جازان أو المخلاف السليماني لئلا يظن أن المراد المنطقة التي اسمها عسير فعلاً وقاعدتها أبها؛ وبخاصة أن المؤلفين الكريمين لم يشيرا إطلاقا الى هذه المنطقة الأخيرة، التي أدخلها الملك عبدالعزيز تحت حكمه عام 1338ه بجيش قاده الأمير عبدالعزيز بن مساعد، ثم ثبت الحكم السعودي فيها أوائل عام 1341ه بجيش قاده الأمير فيصل بن عبدالعزيز.
أما منطقة جازان فبعد أن فشل حاكمها الحسن الإدريسي في صلاته مع كل من إيطاليا وبريطانيا، ورأى نجاح الملك عبدالعزيز في توحيد الحجاز عام 1344ه، أدرك أن من صالحه عقد اتفاقية مع هذا الملك لحمايته من خصومه، فعقدت بين الطرفين اتفاقية مكة سنة 1345ه التي كان من أهم بنودها أن الأمور الداخلية في منطقة جازان للادريسي والأمور الخارجة للملك عبدالعزيز المتعهد بالدفاع عنها ضد أي عدوان عليها, وفي عام 1349ه/1930م أسند الحسن إدارة البلاد إلى الملك عبدالعزيز، وبذلك تمّ توحيدها مع بقية مناطق البلاد التي سبق أن وُحِّدت.
قيل ص (51): إن الإخوان اعتبروا السيارات والهواتف وأجهزة الإذاعة من مخترعات الشيطان, فعقد مؤتمر في الرياض عام 1345ه مع قادتهم وعلمائهم، ونوقشت الأمور التي تثير النزاع، لكن الفتوى التي أصدرها العلماء أحجمت عن إعطاء رأي قاطع بشأن أدوات الحضارة الحديثة هذه .
الكلام السابق يحتاج إلى تدقيق, فالذين أثاروا المشكلات كانوا قسماً من الإخوان ولم يكونوا كل الإخوان, ولم تكن توجد حينذاك أجهزة إذاعة حتى تناقش, والعلماء الذين حضروا المؤتمر كانوا علماء البلاد، لا علماء الإخوان, ومما نوقش ولم يشر إليه في الكتاب قضيتا الجهاد والجمارك أو المكوس؛ (وذلك لارتباط الأولى بجهات خارجية، وصلة الثانية بالاقتصاد الوطني).
وقد توقف العلماء في مسألتي البرق والهاتف، وأنكروا المكوس، وربطوا قضية الجهاد بأمر الإمام؛ أي الملك عبدالعزيز، وأكّدوا أن إنكار ما هو منكر لا يبيح الخروج على وليّ الأمر.
قيل (ص 52): إن زعماء الإخوان اتهموا الملك عبدالعزيز في المؤتمر الذي عقد في الرياض سنة 1347ه بالزندقة لأنه عقد معاهدات مع الكفار وأدخل إلى البلاد أدوات شيطانية كالهاتف والبرق والطيّارة والسيارة, وقد أعلن العلماء خلال المؤتمر أن هذه الأدوات مسموح بها شرعاً بل إنها في الواقع مرغوب فيها من وجهة النظر الدينية لأنها تزيد من قوة المسلمين ومعارفهم، كذلك فإن المعاهدات مع دول غير إسلامية هي استناداً إلى سوابق أجراها النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المرغوب فيها بخاصة إذا كانت تعود بالسلام والحرية على دنيا المسلمين .
والكلام السابق ايضاً، يحتاج الى تدقيق, لقد أثار بعض الحاضرين من الإخوان في المؤتمر عدة قضايا في طليعتها البرقيات، هي سحر؟ والمخافر التي بثتها الحكومة العراقية على الحدود في أمكنة كانت مراعي لهم أيجوز السكوت عنها؟ والجهاد أيحلّ توقفه؟ فأفتى العلماء أنهم يتوقفون في مسألة البرقيات, أما المخافر فضرر يجب على الملك أن يسعى لإزالته ديناً وحميَّة، لكن الأمر متروك له ليعالجه بالطريقة التي يراها, وأما الجهاد فواجب، غير أن إعلانه شأن من شؤون ولي الأمر,وهكذا يتبيّن الفرق بين ما كتبه المؤلفان الكريمان، الرشيد وشاهين، وما حدث حقيقة وتاريخا, وبهذا تنتهي القراءة للفصل الأول من الكتاب، وستأتي قراءة الملحق (ب) منه فيما بعد إن شاء الله.
|
|
|
|
|