| الثقافية
الدهشة أساس المعرفة, عبارة أطلقها (أرسطو) ومضى لكنها وصمت كل بدايات المعرفة, هذه الدهشة هي التي جعلتني أحاول أن أتعرف على الشعر القديم في غرض من أغراضه لدى باحثة يابانية.
اجل اليابان!! بلاد التكنولوجيا,, كيف يمكن أن تفكر امرأة يابانية بالشعر العربي؟ انتبهوا ليس الشعر الحديث وإنما الجاهلي,!!
السيدة (اكيكو موتويوشي) الملحقة الثقافية في سفارة اليابان ببيروت والتي تحضر الآن لنيل شهادة الدكتوراة عن اطروحة بعنوان (وصف الفن المرئي في الشعر العربي القديم) تقدم في هذا اللقاء جزءاً من قدرة المرأة على اجتياز الصعب وسوف تقرؤون كيف تلتقي اليابان وشعراء المعلقات وكيف ينشد البحتري وأبو نواس القصائد في حضرة الشرق الاقصى.
هذا اللقاء هو ترجمة لدور الكلمة عبر مختلف الأمكنة والأزمنة
*يقول (باسكال): (الأطراف تتجاور) أسالك وانت في اليابان في أقصى الشرق كيف تعرفت على شعراء الجاهلية العرب وتجاوزت حدود الزمان والمكان واللغة؟
كنت وأنا في اليابان أقرا للأديب (جبران خليل جبران) أعجبني كثيرا كتابه (النبي), من هنا بدأت أتعرف على الأدب العربي واتجهت للاهتمام بالشرق الاوسط وقررت أن ادرس اللغة العربية فذهبت الى الأردن ودرست في الجامعة الاردنية وكذلك ذهبت إلى مصر ودرست بالجامعة الأمريكية هناك حيث كان لديهم برنامج لتعليم اللغة العربية للأجانب.
من جهة أخرى حصلت على ماجستير في دراسات الشرق الاوسط وشمال أفريقيا من جامعة (متشيجن) بامريكا فكان مساعداً على اجتياز الحواجز اللغوية والمعرفية.
*يبدو أن الطريق كان طويلا وغير معبد لكنني ألمح في عينيك ماقاله (اوفيد) في السنة الثانية قبل الميلاد (إما أن تحجم وإما أن تذهب الى النهاية) كيف سارت الأمور بعد ذلك؟
الحقيقة أنني وجدت صعوبة في تعلّم اللغة العربية ولكنني كنت مصرّة على أن أتعلمها وان أتجاوز الصعوبات فقررت أن أعود الى امريكا لأكمل دراستي في برنامج الدكتوراة.
وفي جامعة انديانا التقيت الدكتور عبدالعزيز السبيّل الذي كان يدرس فيها وتعرفت على استاذة امريكية متخصصة في الادب العربي القديم اسمها (سوزان استكيفج) هذه الأستاذة التي هي متخصصة في القصيدة العربية جعلتني اعجب اكثر بالادب العربي القديم ودرسته معها.
الآن انتهيت من دراسة كل المتطلبات لبرنامج الدكتوراة واعكف حاليا على كتابة الاطروحة وعنوانها (وصف الفن المرئي في الشعر)
(Wasf and Ekphrasis in Arabic Qasidah tradition).
*هذا عنوان جميل يذكرني بعبارة شهيرة ل(دجون راي) تقول (أن ترى يعني أن تصدق ولكن أن تحس يعني ان تتأكد) كيف تفسرين لنا علاقة العين التي ترى بالشعر الذي ينطقه اللسان بالأحاسيس والشعور؟ ما الذي تبحثينه في تلك الاطروحة؟ وكيف اخترت هذا الاسم؟
انا في الاطروحة أحاول ان ابحث في كيف يعبر الشاعر عن الفن المرئي؟ كيف يصف الشاعر من خلال الكلمات الرسوم والأشكال التعبيرية,, الناقة، الخيل، المرأة الجميلة؟ كيف يمكن للشعر الذي هو ذكريات وتفكير أن يتخذ الفن المرئي وسيلة مختلفة للتعبير؟ اما عن عنوان الاطروحة فقد قرأت ضمن المواد التي درستها في جامعة انديانا قصيدتين واحدة للبحتري والأخرى لأبي نواس واعجبني كثيرا الوصف الدقيق في الأبيات وشدني الوصف المرئي وتجسيد الصور بالكلمات, وهناك نظريات غربية كثيرة لوصف الفن المرئي في الشعر مثل الشاعر اليوناني (هومليس)، أنا أحاول أن استعمل مثل هذه النظريات في القصيدة العربية.
*عند الأكراد حكمة قديمة تقول (تريد لؤلؤا؟ اغطس في البحر) حدثينا كيف وجدت الشعر العربي؟ ماهي القصائد التي اخذتها كنماذج في الاطروحة؟
القصائد العربية جميلة ولكنني اهتممت فقط بالعصر الجاهلي وصدر الإسلام وقد اخترت قصيدة البحتري التي يصف فيها ايوان كسرى وهناك وصف ورسوم على الحائط أما أبو نواس فله قصيدة يصف فيها الرسوم على الكأس، أيضا علقمة وامرؤ القيس قالا شعرا جميلا وقد بحثت وقارنت بين وصف الشعراء للخيل وذلك في العصر الجاهلي.
أنا ابحث عن كيفية الوصف الذي يحتاج الى دقة، أحاول أن أجد العلاقة بين الفن المرئي والفن الشفوي، علاقة اللفظ بالعين.
كذلك ابحث عن وصف الغناء والموسيقى في القصيدة العربية لان الغناء فن مختلف عن فن اللفظ فالكلمات مجال كبير للتعبير ووسيلة ممتازة.
*أنت في اهتمامك بالشعر القديم كباحثة غير عربية تطرحين تساؤلا ملحا ما الذي يعجبك في تلك الجميلة المسماة قصيدة؟ ماهي القصائد التي شدّت انتباهك؟
هناك عرف أو تقليد أدبي في القصيدة العربية أو هي التزامات أدبية في القصيدة ليست شكلية وإنما في المواضيع مثلا القصيدة لابد أن تتكون من ثلاثة أجزاء (المطلع) (النسيب الغزل) (الأطلال يبكي الشاعر محبوبته والأطلال) (الرحيل عادة يركب الشاعر ناقته ويسافر ويتحمل مشاق الصحراء) (الفخر يتحدث الشاعر عن قبيلته بفخر).
أعجبني كثيرا التزام الشاعر بهذه الأعراف الأدبية، وفي العصر الجاهلي حافظ الشعراء على بناء القصيدة وامتد ذلك الى عصر الإسلام أما في العصر العباسي فقد اختفى الرحيل كموضوع ضمن القصيدة واستبدل الشعراء الفخر بمدح الخلفاء.
وقد كنا في مؤتمر دراسات الشرق الاوسط الذي يعقد في امريكا وناقشنا مؤخرا الشاعر ابن الرومي وله قصيدة يصف مغنية أو جارية اسمها وحيدة كما أن هناك قصائد جميلة في صدر الإسلام أتذكر إحداها وفيها وصف للنحلة وجمع العسل, كل هذا الجمال في الشعر العربي يدعوني الى التبحر فيه.
*يبدو أن هذه الأعراف الادبية قد شدّتك كثيرا هل وجدت بذرة قديمة مشابهة في الشعر الياباني دعتك لأن تخوضي تجربة اختلاف اللغة والمضمون؟
نعم الشعر الياباني القديم فيه التزامات أو اعراف ادبية ولكن لايوجد معلومات عن الادب العربي باللغة اليابانية.
أنت محقة أنا مشدودة الى هذه الالتزامات الأدبية مثلا دور الشعراء في تلك العصور هام وتأثيرهم قوي فلا يوجد سوى الشعر وسيلة إعلامية فاعلة حيث لايوجد تلفزيون أو صحف وكان مهما لدى الخليفة أن يجد شاعرا ممتازا يمدحه مدركا بان ذلك الشاعر إذا لم يعجبه اهتمام الخليفة فانه يهجوه!
القصيدة في القديم كانت مرتبطة بالمجتمع وسياسته, وهذا سر جمالها!!
*ثقافة المجتمع القديم ولماذا وجد الفخر أو المديح والهجاء؟ ألم تراودك مثل هذه الاسئلة؟ وكيف استطعت ان تتعرفي على ملامح عالم ومجتمع الشعراء في عصر الجاهلية؟
لقد قرأت العصر الجاهلي وقرأت أجزاء من كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني مثلا هناك خبر مثير قرأته أن معارضة بدأت بين امرئ القيس وعلقمة في وصف الخيل وقد كانت الجائزة للفائز هي زوجة امرىء القيس وحينما فاز علقمة حصل على زوجة امرئ القيس (تضحك).
الأخبار في ذلك الكتاب مثيرة وقد قرأت منها ما يتعلق بالشعر كذلك لي بحث عن الشعراء المخضرمين (أبو ذؤيب) وهو من قبيلة كبيرة مشهورة في ذلك العصر.
إنني ازداد يوما بعد يوم إعجابا بعالم الشعراء القديم.
|
|
|
|
|